كيف تصلح إحدى علاقات العمل المتدهورة؟

6 دقائق
كيف تصلح علاقات العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما هي إجابة سؤال كيف تصلح علاقات العمل المتوترة باستمرار؟ من المحتمل أن تتشنج علاقتك بأحد زملائك في العمل، سواء كان مديرك، أو أحد زملائك الآخرين ممن هم دونك أو أعلى منك إدارياً. وقد ينتج ذلك بسبب حالة من العداء أو بكل بساطة عن عدم توافق بينكما. فما عساك تفعل لتغيير طبيعة هذه العلاقة؟ وهل بإمكانك فتح صفحة جديدة؟

آراء الخبراء حول سؤال كيف تصلح علاقات العمل المتدهورة

ثمة خبرٌ سار، وهو أن العلاقات الأكثر توتراً قابلة للإصلاح. والتشنجات السابقة في العلاقة يمكن أن تسهم في إنشاء علاقة متينة جداً. وفي هذا السياق، أفادت سوزان ديفيد، وهي من مؤسسي “معهد هارفارد/ماكلين للتدريب”، وكاتبة مقالة “سرعة البديهة العاطفية” التي نشرت في “هارفارد بزنس ريفيو” بأن “اختبار المواقف الصعبة قد يسهم في تطوير أقوى العلاقات وأكثرها مرونة”. أما الجانب السيئ، فهو أن إصلاح علاقة يتطلب مجهوداً جدياً. وكشف براين أوزي، أستاذ مادتي القيادة والتغيير المؤسسي في كلية “كيلوغ” للإدارة في جامعة “نورث وسترن”، وكاتب مقالة “حوّل أعداءك إلى حلفائك” في “هارفارد بزنس ريفيو” أن “معظم الناس يخفضون توقعاتهم، لأن ذلك أسهل من مواجهة المشاكل الفعلية”. ولكنه أضاف أن هذا المجهود الكبير غالباً ما يستحق العناء، ولا سيما في بيئة العمل، حيث الإنتاجية والأداء على المحك. وفيما يلي كيفية إحداث تحول في علاقة عمل متردية.

اعترف بما حصل

العلاقات التي يتوجب إصلاحها لا تتشابه بالضرورة. وفي هذا السياق، تحدثت ديفيد عن حالتين متناقضتين في مكان العمل، أولهما علاقة متشنجة (فيها ما اعتبرته “تنافسية مفرطة”)، وتواصلاً لا يزيد عن إلقاء التحية يومياً. وثانيهما، في نقيض ذلك، علاقة متشنجة بسبب ما اعتبرته “تحديات مفرطة”، حيث “يكون الموظف شديد الحذر، ويبقى دوماً غير متفق مع الشخص الآخر”. وبالتالي، عليك التنبه إلى طبيعة العلاقة، لتستطيع تحديد الجوانب الواجب إصلاحها. يقول أوزي: “في بعض الأحيان، أرى أن الأمر ناتج عن عدم مشاركة في المعلومات، أو عن إقدام كل طرف على معاملة الآخر بالمثل. ومن الأعراض المشيرة إلى تعثّر علاقة استقدام الشخص المعني لطرف ثالث، لتأكيد شكوكه بشأن الشخص الآخر”.

كفّ عن الاعتقاد بأنك محق

إذا أردت استعادة علاقة سليمة مع أحد الزملاء، فقد يتطلب منك ذلك التخلّي عن غرورك. وشرحت ديفيد قائلة: “غالباً ما تعلق في ذهننا فكرة واحدة، وهي محاولة معرفة من المحق ومن المخطئ في العلاقة. وإن بقيتَ على قناعة بأنك محق، فلن يسعك البدء بإصلاح الأمور، لأنك ستضيّع وقتك في محاولة معرفة هوية الطرف المخطئ”. وفي سبيل تلبية الحاجة بأن تكون على صواب، من دون أن يؤثر ذلك في كيفية تواصلك مع زميلك، اقترحت ديفيد “أن تتصوّر زميلك وهو يحمل على ظهره ملصقاً كبيراً جداً كُتب عليه “أنا مخطئ”. ومن ثم تبدأ بالتركيز على تحسين العلاقة بينكما.

تطلّع إلى الأمام وليس إلى الخلف

قاوم الرغبة في تحليل كل تفاصيل علاقتك بالشخص الآخر. من قال ماذا؟ لماذا قال ذلك؟ فهذا كله ليس منتجاً. تقول ديفيد: “يعتقد كثيرون أن الطريقة الوحيدة لتخطي الماضي هي فهمه، مع أن الواقع يشير إلى أن الإنسان يجني ما يحصد (وينمّي ما أفرط في التركيز عليه)”. وبالتالي، فكّر في الأمور التي نجحت سابقاً، وما الذي يعجبك في زميلك، وما الذي تريده من علاقتك به. وتوصي ديفيد قائلة: “اعتمد مقاربة التوصل إلى حلّ، بدلاً من تشخيص المشكلة”.

افهم وجهة نظر الشخص الآخر

التعاطف من ركائز علاقات العمل السليمة. وتقترح عليك ديفيد أن تفسح المجال أمام الفضول والتعاطف حيال زميلك، وأن تطرح على نفسك مجموعة أسئلة: “كيف ينظر زميلي إلى مجرى الأمور؟ هل يشعر بالارتباك؟ هل هو عرضة لسوء المعاملة، أو سوء تقدير، أو سوء فهم؟”.

ابحث عن مكان حياديّ – فعلياً وصورياً

إن أردت مواجهة الشخص الآخر، فتأكد من فعل ذلك في مكان حيادي – وليس على مكتب أي منكما. ويستحسَن أن تذهبا لتناول الغداء أو شرب القهوة. ويعتري الموقع الحسي أهمية، ولكن الأمر سيّان بالنسبة إلى المقام العاطفي. وبدلاً من التناقش معه بمصدر الخلل ومحاولة معرفة هوية الطرف المخطئ، حاول استحداث فسحة توافق بينكما. وقد يساعدك في هذا السياق التركيز على الصورة الشاملة – والكلام عن هدف مشترك بينكما، أو عن سلطة يذعن لها كلاكما (كرئيس الشركة مثلاً). “وبعد ذلك، ستستوعبان أنكما تخوضان معاً التجربة ذاتها”، على حد تعبير أوزي.

لا تتوقع تبدلاً في العلاقة بين ليلة وضحاهاً. وقد شرحت ديفيد ذلك: “إن التحولات الفعلية في العلاقات لا تحصل في لحظات التصارح هذه، بقدر ما تحفّزها تصرفاتك اليومية”. وصحيح أن مجالسة الطرف الآخر والكلام عن المشكلة سيساعد على حلحلة الأمور “ولكن النتيجة الفعلية لا تظهر في هذه اللحظات، فالمسألة أدقّ من ذلك بكثير”. وبالتالي، ابذل مجهوداً لإحداث تغيير في النبرة التي تعتمدها في التواصل اليومي بينكما.

عزز الشعور بالثقة ومبدأ المعاملة بالمثل

لا تستعمل الحجج المنطقية لتقنع الشخص الآخر بأنك أهل بالثقة، بل أظهر له ذلك بأفعالك. ويقول أوزي إن خير طريقة لفعل ذلك هي “تقديم أمور للشخص الآخر من دون مقابل”، فهذا التصرّف سيُطلق مبدأ المعاملة بالمثل، ويسمح باستعادة منحى الأخذ والعطاء الذي خسرتماه في علاقتكما السابقة. ولكن إياك أن تشير بالكلام إلى ما يجري بينكما، فبرأي أوزي “سيورطكما ذلك في نظام صارم يحاسب فيه كل منكما الآخر على ما يفعله له”. وكن مسؤولاً عن كلامك. وفي هذا الصدد، شرح قائلاً: “سيسمح العطاء الصادق بمواصلة تعميق العلاقة بينكما، ويضمن عدم عودة انعدام الثقة”.

اسمح للآخرين بالتدخّل

عندما بدأت العلاقة تتعثّر، يرجح أن تكون قصدت الآخرين طلباً للنصيحة والتعاطف. وبالتالي، لن تنجح المساعي التي تبذلها لإصلاح العلاقة إن لم تُشرك هؤلاء الناس في العملية. وقال أوزي” إن العلاقات السيئة تشمل دوماً أطرافاً ثالثة، ومن الضروري طلب تدخلها لإصلاح العلاقة وإبقائها سليمة”. وبالتالي، اشرح للمقربين منك بأنك تعمل على إنجاح العلاقة وأنك تقدّر دعمهم لك في سبيل إنجاحها.

مبادئ ينبغي تذكّرها

  • استعد ثقة زميلك عبر منحه أمراً يريده أو يحتاج إليه، وتحدّث معه عن العلاقة بينكما في مكان حيادي، وقم بإجراء تحولات ضمنية في طريقة تصرفك معه – لأنه السبيل الفعلي لإحداث تغيير.
  • كفاكَ تركيزاً على معرفة من كان محقاً ومن كان مخطئاً – بدلاً من ذلك، ابذل جهداً للمضي قدماً في العلاقة بينكما. ولا تفترض أن الأمور ستتغيّر فوراً – فإصلاح العلاقات قد يستغرق وقتاً. ولا تنسَ أن تطلب تدخل أشخاص ضمن شبكة معارفك، ربما سمعوك تتذمر من الشخص الآخر.

دراسة حالة رقم 1 حول موضوع كيف تصلح علاقات العمل المتدهورة: حاول إيجاد غاية مشتركة

كانت رايتشل وزميلتها بيا على خلاف مستمر. ففي شركة الاستشارات حيث كانتا تعملان، كانت رايتشل تبيع المشاريع للعملاء. ولكنّ بيا، بصفتها مديرة أعمال، كانت تدقق في عروض المشاريع وفي تسعيرها. وقد بقيت بيا تعمل باستمرار على زيادة الأسعار التي تعرضها رايتشل على العملاء وبالنتيجة، خسرت رايتشل صفقات محتملة.

وبما أن رايتشل لم تكن تعرف بيا شخصياً (ولم تلتقِ بها إلا مرة خلال خلوة لفريق العمل)، ذهبت إلى ربّة عملها. وتذكّرت قائلة: “أخبرتني أنها تثق برأي بيا كلياً، وأن كل ما عليّ فعله هو العثور على عملاء مستعدين لتسديد ثمن العلاوة”.

بدأت الظروف تنعكس سلباً على معنويات رايتشل، وكذلك على أدائها في المبيعات. وذات يوم، وبعد أن تلّقت رسالة إلكترونية تُعلِمها بأنها خسرت صفقة محتملة أخرى، اتصلت ببيا. وبدلاً من انتقادها، شرحت لها انعكاس الوضع عليها. وقالت: “كنت أريد منها أن تعرف بأنه لا يمكنني مواصلة العمل بهذا الشكل، واجتذاب العملاء ومن ثم خسارتهم مراراً وتكراراً”. وتقبّلت بيا كلام رايتشل، فتابعت هذه الأخيرة قائلة: “أصغت إليّ وقالت إنها لم تكن مدركة للانطباع الذي تتركه”. وتبيّن أن بيا بدورها منزعجة من قلة الصفقات، وقد تأثر أداؤها سلباً بذلك. وقالت رايتشل: “منحَنا ذلك غاية مشتركة نعمل من أجلها. وبالتالي، قررت الموظفتان العمل على إيجاد حل. وأكملت رايتشل: “تعلّمت منها الطريقة التي تعتمدها للتسعير، وتوصلنا إلى تسوية حول ما يمكن إدراجه في السعر المطروح”.

نجحت بيا ورايتشل في إبرام عدد من الصفقات الكبرى، بفضل تعاونهما. وقالت رايتشل: “لم نكن من أعز الأصدقاء، ولكننا ما عدنا على خلاف”. وفي النهاية، رحلت الاثنتان عن الشركة، ولكنهما لا تزالان على تواصل.

دراسة حالة رقم 2: اختر بيئة حيادية

عندما كان زاكاري شايفر ينهي أطروحته في مجال الاتصالات في “جامعة تكساس إيه آند أم”، قبل بوظيفة تعليمية في كلية رسمية في وسط تكساس. وفي البدء، كان على اتفاق مع مديرة القسم، ولكن سرعان ما ساد التوتر بينهما. وشرح الوضع قائلاً: “اعتمدنا مقاربتين تربويتين مختلفتين تماماً. فهم كانوا يعلّمون فن الخطابة العلنية باستعمال شرائح “باوربوينت”. أما أنا، فلم أشأ استعمالها على الإطلاق”.

وذات يوم، وفي أعقاب صف دام ثلاث ساعات، مرّ بمكتب مديرة القسم، وحاول أن يشرح لها شعوره. وقال: “أخبرتها بالمشاكل التي أعانيها ولم يعجبها كلامي. ولكن التوقيت لم يكن مناسباً، شأنه شأن الموقع الذي قررت أن أفتح فيه الموضوع، فالساعة بلغت التاسعة مساءً، ومزاجي كان عكراً”. وبالتالي، بقيت المناوشات مستمرة بينهما عبر البريد الإلكتروني، وفي اجتماعات الكلية.

وأخيراً، قرر زكاري تغيير مجرى الأمور. وأخبر ما حصل: “عرفتُ أنه عليّ الاعتراف بأنني أزيد من احتدام الأمور”. ولكنّه قرر التصرف بطريقة مختلفة في هذه المرة. “قلت لها، لنخرج من حرم الكلية، ونشرب فنجان قهوة”. وفي بيئة حيادية، تغيّرت الأمور كلياً. وقال: “تخلّصنا من قناعنا المهني ورحنا نتواصل بصدق”.

شرح زكاري ما كان يشعر به، وسأل رئيسة القسم كيف كانت تنظر إلى الوضع. وشرحت له أنه يقلب الأمور رأساً على عقب، وهو أمر أزعج الكثيرين – بمن فيهم هي. وتابع قائلاً: “كان كل منّا قد أطلق افتراضات خاطئة عن الآخر، فافترضَت أنني وقح، في حين اعتبرتُ أنها تريد التحكّم بي عن كثب. لكن الواقع لم يكن كذلك، فهي كانت تقوم بعملها ليس إلا”. وأخبرها بأنه لا يريد تعليمها كيفية إدارة القسم، بل يريد أن يملك الخيار بإدارة صفّه بالطريقة التي يراها مناسبة. وأكمل قائلاً: “فهمنا في النهاية أننا نعتمد طريقتين مختلفتين للتعليم، ولكنهما فعالتان بالطريقة نفسها”.

تحسّنت علاقة العمل بين الاثنين، وبقي يعلّم في الكلية لسنوات عدة بعد ذلك، حتى إن بعض الزملاء علّقوا قائلين إن هذين الزميلين نجحا في قلب الأمور لمصلحتيهما. كانت تلك خلاصة الإجابة عن سؤال كيف تصلح علاقات العمل المتهدورة بشكل صحيح.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .