كيف يمكن للمؤسسة دعم الآباء والأمهات العاملين

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إجازات غير محدودة… مقاعد طائرة ضمن الدرجة الأفضل للأمهات الجدد… قسائم طعام… “مربيات” يسافرن مع الأمهات في رحلات العمل… يشكل كل ما سبق جزءاً من جهود المؤسسات الرامية إلى جذب واستبقاء المواهب لديها مع تصدرها بنفس الوقت عناوين الصحف مع هكذا تصرفات. لكن ماذا إن كانت مؤسستك غير قادرة على تقديم أمور مكلفة ومرفهة مثل تلك؟ ماذا لو كانت التكاليف أكبر من قدرة الشركة على تحملها، أو لا يمكن للشركة القيام بها من الناحية التنظيمية، أو أنها حتى ضد ثقافة الشركة؟ ماذا لو لم تنل هذه الأفكار دعم الإدارة العليا؟

لا يجب أن يشكل ما سبق مصدراً للقلق وذلك على اعتبار أن أفضل الحلول تكون تلك التي يمكن لكل الشركات تطبيقها وتكون بسيطة وأكثر عملية مقارنة مما سبق. هناك الكثير من الحلول التي يمكن للمدراء تطبيقها من دون دعم مؤسسي، بل وحتى لا تكلف المؤسسة أي نقود.

قمت خلال العقد الماضي بالعمل في مجال تقديم الخبرات والاستشارات لأقسام الموارد البشرية لشركات مصنفة ضمن “قائمة فورتشن 500″، حيث عملت معها على قضايا الموازنة بين الحياة والعمل، وقمت بتقديم المشورة للفرق الإدارية وتدريب الأفراد على تحقيق التوازن بين المطالب التنافسية من العمل وبين حياتهم الشخصية. كما أنني كأم، عانيت من هذه المشكلة شخصياً حيث سعيت للتوفيق بين انشغالي بعملي وحياتي العائلية. مع النظر لما سبق، سأقدّم خلال السطور القادمة الطرق التي أراها أكثر كفاءة لمساعدة الآباء والأمهات العاملين ضمن الشركات، والتي قد لا تكون مبهرجة مثل ما هو مذكور في الأعلى، لكنها عملية وقابلة للتنفيذ وتحقيق نتائج.

ابدأ بإدراك الحقائق. قبل إطلاق أي برنامج لدعم الآباء العاملين، عليك العمل على جمع البيانات المتصلة بالموضوع، والتي قد تكون مثلاً توزع الآباء العاملين (آباء أو أمهات) ضمن المنظمة، وأنماط الإنهاك والاستنزاف التي يعانون منها، والمعلومات التي يمكن جمعها من خلال الاطلاع على مراجعات الأداء أو بيانات الاستطلاعات الخاصة بالمؤسسة، والمحادثات غير الرسمية التي تجري داخل أروقة المؤسسة. حال اطلاعك على النتائج، والتي ستفاجئك حتماً، ستضع برنامج مؤسستك للتعامل مع الوضع. عملت ذات مرة مع شركة تقدم خدمات مهنية مطلوبة بشدة في سوق العمل، حيث فحصنا معدلات بقاء الآباء الجدد فيها. وجدنا أن حالات المغادرة لا تكون بعد إجازة الأمومة مباشرة، بل خلال فترة 12- 18 شهراً في نمط لم يسبق له مثيل. قامت الشركة لمعالجة الموضوع بتعيين مدير وقائي ضمن قسم الموارد البشرية وتحديد نقاط تحقق بعد فترة 9 إلى 12 شهراً، كما قامت خلال نفس الفترة بمناقشة القضايا المتعلقة بالحياة-العمل والمسار الوظيفي لموظفيها. كانت النتيجة تحسن العلاقات بين الموظفين والمدراء، وانخفاض عدد المغادرين. يؤدي العثور على نقطة الألم الفعلية، والتي تكون عكس تلك المتصورة أو المتخيلة، إلى حلول شديدة الفعالية.

حدد الشريحة الديموغرافية. تركز معظم الشركات جهودها على “الآباء سهلي التحديد”؛ بمعنى آخر، من غدت أماً مؤخراً، وهو ما يؤدي إلى قيام الشركات بتركيز كل برامجها على أمور مثل إنشاء غرف رضاعة وأشكال دعم أخرى متصلة بهذه المرحلة. قد تكون تلك خطوات إيجابية وجديرة بالثناء، لكنها تخاطب المشكلة بشكل محدود. إن الأبوة عملية مستمرة لفترة 18 عاماً، يقوم بها الآباء والأمهات معاً. عندما تدرك المؤسسة هذه الحقيقة، ستقوم وقتها باستهداف المسألة بشكل أكثر شمولية، وهو ما سيرسل رسالة إلى موظفيها مفادها اهتمام الشركة الكبير بهم. يمكن للشركات مثلاً تشجيع موظفيها على الاستفادة من إجازاتهم الشخصية لتلبية احتياجات الرعاية الأسرية.
إدراك وتنشئة تعزيز عملية التعلم من الأقران. عندما يحتاج الآباء العاملون إلى مشورة أو دافع، يلجؤون إلى الخبراء الحقيقيين من زملاء ومرشدين يحترمونهم، وأشخاص يثقون بهم ممن يفهمون سياسة وثقافة المنظمة. يمكن أن يؤدي التوجيه، وحتى بعض النصائح الأساسية، إلى المساعدة في الحصول على مصدر دعم عند الحاجة.

العمل على الريادة. قم بالاستفادة من البنية التحتية المتوفرة بالفعل ضمن مؤسستك لدى مخاطبتك الآباء العاملين واستخدمها في تقديم جوانب عملية أسهل لتربية الأطفال. سمحت منصة المحادثة الداخلية القائمة على الإنترنت ضمن شركة جولدمان ساكس بعنوان “المساعدة في المنزل” حصول أي موظف على نصائح وأفكار بشأن رعاية الأطفال مقدمة من موظفين آخرين. تستخدم شركات أخرى منصات مشابهة لتمكين موظفيها من تقديم مساعدة ونصائح مفيدة حول الأطفال لزملائهم في العمل. في حال لم تكن هناك شبكة إنترنت داخلية (إنترانت)، يمكن لتعليق لوحة إعلانات في الكافتيريا أن يقدم ذات الفائدة. سيُنتج هذا ثقافة أكثر تعاوناً، وموظفون يقضون وقتاً أقل بالتفكير تجاه مشاكلهم الأبوية وكيفية حلها.

تركيز الموارد المتوفرة بالفعل على نقاط التحول الرئيسية. تشبه الأبوة العاملة سباق التتابع، وذلك لأن على الآباء الانتقال من نقطة إلى أخرى بنجاح ومع تخطي أي أحداث أو منعطفات قد تقف أمامهم والتي قد تكون صعبة (كالعودة من إجازة الأمومة)، أو معقدة (كاستقبال الطفل الثاني أو الثالث)، أو حتى تقبل التغيير في الدور أو جدول العمل. سيؤدي تعرض الآباء العاملين إلى هكذا ظروف إلى عرقلتهم أو إرهاق حتى الأكثر كفاءة منهم. يفسر هذا الأمر سبب التركيز على مخاطبة هذه النقاط الحرجة نظراً لأن ذلك سيحقق مكاسب مهمة للشركة لاحقاً. على سبيل المثال، تسمح شركة جونسون آند جونسون للأمهات والآباء باستخدام إجازة الأمومة وفق نظام العودة المتدرجة لواقع العمل حال انتهاء الإجازة، وهو ما يسمح بقضاء الإجازة خارج العمل براحة من ناحية، ومن ناحية أخرى سهولة العودة إلى العمل والتأقلم من جديد. يعبّر بير فاسولو، أحد الخبراء في مجال الموارد البشرية، عن ذلك بالقول، “لا تملي الشركة كيف على الشخص استخدام أيام إجازته”. تقدم مؤسسات أخرى المشورة والدعم للموظفين الآباء ممن تتغير أدوارهم أو ينتقلون إلى مكتب أو إقليم جديد. يمكن أن يؤدي تسهيل المرور عبر هذه النقاط الحرجة إلى بقاء موظفيك أكثر تركيزاً وانهماكاً في العمل على المدى القصير والأبعد.

وضع فئات للتواصل مع الموظفين. خفف من توتر العمل وحاجة الموظف إلى “البقاء في حالة تأهب” لمعالجة قضايا العمل عبر وضع عمليات التواصل معه ضمن فئات، وبخاصة تلك المرسلة خارج ساعات العمل. عملت مع مديرة كانت ترسل رسائل إلكترونية تحمل عناوين على غرار “غير عاجل”، “للاطلاع فقط”، “ليوم الاثنين”، “عاجل”! يساعد هذه التصنيف البسيط للعناوين فريقها الكبير، ومعظمهم آباء عاملون، على تسهيل فرزهم لما يأتيهم من خلال معرفة ما يجب القيام به فوراً وما الذي يمكن تأجيله إلى اليوم التالي أو إلى ما بعد عطلة نهاية الأسبوع. يمكن لتشجيع كبار المديرين على القيام بالشيء نفسه أن يؤثر بشكل كبير على المنظور العام المتعلق بالموازنة بين الحياة والعمل، من دون الإقلال من الإنتاجية.

أجبر موظفيك على الإجارة. هل استفاد كل موظفيك من إجازاتهم المخصصة لهم العام الماضي؟ هل بقيت أيام إجازة لدى موظفيك لم يستفيدوا منها؟ من كانوا – ولماذا؟ كم منهم آباء وأمهات عاملون؟ غالباً ما يتخطى موظفو النخبة، ممن يعملون في منظمات عالية الأداء، إجازاتهم، حتى مع عدم وجود ضغط مباشر من الإدارة للقيام بذلك. بالنسبة للآباء العاملين، تكون عواقب هذه الممارسة أخطر كونها قد توصلهم إلى الإرهاق أو معاناة مشاكل أسرية أو انخفاض الأداء، أو حتى الإنهاك. تطور الشركات الذكية طرقاً “تشير” فيها إلى موظفيها بأن الوقت حان لأخذ إجازة. ضمن إحدى الشركات التي عملت فيها، وهي شركات خدمات مهنية ذات كمية عمل مكثفة، يترك رؤساء الأقسام رسائل صوتية على هواتف موظفيهم كل حزيران يشجعونهم فيها على التخطيط لعطلهم الصيفية. أعرف منظمة أخرى تُدرج “أيام العطلة غير المأخوذة” أعلى ورقة مراجعة أداء كل موظف لجذب انتباه المدير. يعتبر تشجيع الموظفين على الاستفادة من المزايا المقدمة إليهم أمراً أكثر قوة من وضع برنامج “العمل-الحياة” إضافي.

ضع قدوة مرئية. لن يكون أي برنامج أو سياسة فعالين في دعم وتحفيز الموظفين من الآباء العاملين ما لم يكن أمامهم مثالاً معجبين به تمكن من الموازنة بنجاح بين العمل والمنزل. ترسل المديرة التي تحتفظ بصور حديثة لأطفالها في مكتبها، وتغادر مبكراً – على مرأى من باقي الموظفين– مرة شهرياً لحضور مسرحية مدرسة أو مباراة كرة القدم لأولادها، وتتحدث (في بعض الأحيان) عن قيامها بمراجعة الواجبات المنزلية لأطفالها في المساء – مع قيامها في نفس الوقت بإرسال موقف متفاءل وقادر على تحقيق أي مشكلة في العمل –رسالة قوية مفادها: يمكنني فعل ذلك، وكذلك أنتم. تأكد من قيامك أنت، وباقي المدراء في مؤسستك، بدور القدوة في السلوك والمواقف التي تريد أن تراها في الآخرين.

شجع المدراء على التعرف على حياة الموظفين الشخصية. يتجنب العديد من المدراء خوض محادثات شخصية مع الموظفين خوفاً من أن تكون غير لائقة، كما أن العديد من الموظفين، ولا سيما في البيئات التي تسبب الضغط، يترددون في مناقشة القضايا الشخصية خوفاً من أن يبدو تصرفهم غير مهني أو غير مركز على العمل. مع ذلك، في المنظمات ذات الأداء العالي حيث ساعات العمل طويلة والفرق صغيرة، أو بتعبير زميل لي “تذوب الحدود بين حياتك الشخصية وعملك”، يمكن للمدراء المحنكين مساعدة الموظفين على وأد العديد من قضايا الحياة-العمل في مهدها وجعل من يعملون لديهم يشعرون بالدعم عبر القيام ببساطة بفتح الباب لمحادثة جديدة والقيام بذلك بطريقة مناسبة. في وقت مراجعة الأداء، يمكن طرح سؤال: “هل هناك أي مخاوف مهنية أخرى تريد مناقشتها معي وقد لا أكون على اطلاع بها؟” أن يفتح باباً كبيراً للحديث. كما يمكن طرح سؤال بسيط على غرار “كيف حال الأطفال نهاية هذا الأسبوع؟” أن يرسل رسالة أمام موظفيك أنك مهتم بهم. عندما يشعر الموظف بأنه “مهم” في العمل، سيكون ذي احتمالية أقل للبحث عن خيارات عمل أخرى.

قم بالإعلان عن الموارد المتوفرة بالفعل – وأزل أي وصمة قد تترافق مع استخدامها. تملك العديد من الشركات بالفعل موارد كثيرة متوفرة أمام الموظفين، منها على سبيل المثال لا الحصر، برامج مساعدة الموظف، ومشورة مختصة مجانية، وعاملون في مجال الموارد البشرية مدربون في مجال التدريب ودعم الموظف. مع ذلك، لا يدرك أغلب الموظفين وجود هكذا خدمات، أو لا يعرفون كيفية الوصول إليها، أو ليسوا متأكدين من أن الوصول إليها لن يؤدي إلى عواقب مهنية عكسية. تجعل الشركات الذكية هكذا فوائد واضحة ومتاحة للجميع. على سبيل المثال، يُدرج موقع الإنترنت الخاص بشركة جنرال إلكتريك ذي العنوان “جي إي لأجلي” جميع أنواع الدعم والمزايا المقدمة للآباء والأمهات العاملين وذلك بطريقة سهلة التنقل والتصفح. وكما أخبرني أحد كبار القادة في البحرية الأمريكية، “تقتضي مهمتي في خلق مناخ قيادة صحي، الإعلان عن الدعم المتوفر وتشجيع الناس للوصول إلى برامج عملية، والمشورة اللازمة”. لا تقدم الموارد فحسب، بل ساعد العاملين لديك على الوصول إليها بسهولة.

إن التحديات الشخصية والتنظيمية التي يواجهها الآباء والأمهات العاملون مروعة لنا جميعاً. لكن سواءً أكنت أحد الآباء المتعطشين لنوم جيد أو مدير متعاطف أو قائد بارز أو كل ما سبق، لا تقع في فخ الانتظار لإجراء تغييرات “كبيرة” أو رؤية المشكلة كما لو أنها كبيرة جداً لدرجة استعصائها على الحل. ابحث عن الاستراتيجية أو النهج الناجح في سياق عملك، وابدأ التصرف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .