أكثر العلامات التجارية نجاحاً تركز على الزبون بوصفه مستفيداً لا مشترياً

6 دقائق
نجاح العلامات التجارية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ماذا يساهم في نجاح العلامات التجارية تحديداً؟ ما الذي يجعل العلامة التجارية ناجحة في العصر الرقمي؟ تشير دراسة مشتركة أجرتها مؤسسات ساب وسيغل آند غيل (Siegel+Gale) وشيفت ثينكينغ (Shift Thinking)، إلى أنّ العلامات التجارية الرقمية لا تنجز أعمالها فقط بشكل مختلف، بل تفكر أيضاً بشكل مختلف عن سواها. وبينما تركز الشركات التقليدية على تموضع علاماتها التجارية في أذهان زبائنها، تركز الشركات الرقمية الحديثة على تموضع علاماتها التجارية في حياة زبائنها وما تقدمه لهم من قيمة مضافة. علاوة على ذلك، فإنّ الشركات الرقمية تتعامل مع زبائنها بوصفهم مستفيدين أكثر من كونهم مجرد مشترين، وتحول استثماراتها من ترويج ما قبل عمليات الشراء بحد ذاتها إلى تعزيز العلاقة مع الزبائن بعد الشراء.

وفي جزء من دراستنا، قمنا باستبيان رأي على شبكة الإنترنت لنحو 5,000 مستهلك أميركي وسألناهم حول رأيهم بخمسين علامة تجارية مختلفة، منها علامات تقليدية وأخرى رقمية، وذلك من حيث صورة الشركة في أذهانهم، واستخدامهم لها، وأدائها، وتأييدهم لها. كما دعمنا دراستنا بتصنيف معروف للعلامات التجارية، ألا وهو صافي مؤشر المروجين، وتحليل لنفقات تسويقها واستراتيجياته.

ووجدنا اختلافات واضحة بين العلامات التقليدية والعلامات الرقمية. خذ على سبيل المثال الثنائيات التالية من العلامات القديمة والحديثة المنتمية إلى نفس قطاع الأعمال. وعلى العموم في مقياس نجاح العلامات التجارية تحديداً، فقد أبلت الشركة القديمة أفضل من الشركة الحديثة في جميع الثنائيات من حيث “أي الشركتين ينظر إليها الناس بإعجاب أكبر”. لكن الشركة الحديثة حققت تقييماً أفضل من القديمة من حيث “أيهما يسّرت حياة الناس أكثر”.

  • شركة إير بي إن بي مقابل شركة هيلتون/ماريوت (Hilton/Marriott).
  • شركة دولار شيف كلوب (Dollar Shave club) مقابل شركة جيليت.
  • شركة ريد بول مقابل شركة كوكاكولا.
  • شركة فينمو (Venmo) مقابل شركة أميركان إكسبرس/فيزا.
  • شركة تيسلا مقابل شركة بي إم دبليو.

ولقد كانت هناك فروقات متشابهة لإمكانية نجاح العلامات التجارية من حيث كيفية تشكل صورة الشركات في أذهان الناس وكيفية تعزيزها، إذ أفاد المستجيبون بأنهم كانوا في الغالب يسمعون بالشركات القديمة من خلال الإعلانات عبر وسائل الإعلام التقليدية، في حين أنهم كانوا يكتشفون الشركات الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشفهياً.

وبالمجمل وجدنا مجموعتين منفصلتين من الشركات، والتي سنشير إلى الأولى بمجموعة علامات الشراء والثانية بمجموعة علامات الاستخدام:

  • إنّ تركيز علامات الشراء يتمثل في خلق الطلب على شراء المنتج، في حين تركز علامات الاستخدام على خلق الطلب على الاستفادة من المنتج. انظر مثلاً إلى قسم المكياج في المول، تجد أنّ تركيز هذا القسم ينصب على جعلك تشتري المنتج من خلال تقديم العبوات والمساعدة التجميلية، في حين أنّ شركتي سيفورا وألترا تقدمان الإرشاد والدعم والخدمات لمساعدة الناس على الشعور بالثقة في استخدام أدوات المكياج بأنفسهم والاستفادة منها في البيت.
  • تركز علامات الشراء على الترويج، في حين تركز علامات الاستخدام على تعزيز العلاقة مع الزبائن. فقد لجأت شركة فيل ريزورتس (Vail Resorts) إلى إعادة تشكيل استراتيجيتها التسويقية كلياً بالاعتماد على برنامج يدعى “إبيك ميكس”، وهو عبارة عن شبكة تواصل اجتماعية خاصة بالمتزلجين، تستخدم التلعيب، وبيانات الأداء والصور بوصفها عملات اجتماعية يرغب المتزلجون في مشاركتها مع الأصدقاء، في حين تلجأ غالبية منتجعات التزلج الأخرى إلى الترويج لمقدراتها في تصنيع الثلج وتقديم الحسومات على تذاكر الصعود إلى أماكن التزلج.
  • تهتم علامات الشراء بما تقوله للزبائن، في حين تهتم علامات الاستخدام بما يقوله الزبائن لبعضهم البعض. فبينما تركز الفنادق التقليدية اهتمامها على مضمون إعلاناتها، تركز شركة إير بي إن بي على مضمون مشاركات المضيفين والضيوف حول تجاربهم.
  • تحاول علامات الشراء تشكيل ما يفكر به الناس حولها على درب الشراء، في حين تسعى علامات الاستخدام إلى تشكيل خبرة الناس مع هذه العلامات في كل نقطة تماس معها. وتمثل آبل ستورز مثالاً على هذا التحول، من إزالة منطقة السداد مع الخروج في مقدمة متاجرها إلى إقامة مناطق الدعم التقني جينيوس بارز في تلك المتاجر. وبينما تركز المتاجر الأخرى اهتمامها على إتمام صفقات البيع، تركز متاجر آبل ستورز على توفير خبرة زبائن مميزة.

ويمكن اختصار ذلك كله بالقول إنّ نجاح العلامات التجارية التقليدية يعتمد على الشراء، في حين أنّ العلامات التجارية الرقمية هي للاستخدام. ولكن هنالك استثناءات، بما في ذلك العلامات التجارية التقليدية المعروفة مثل فيزا، وفيديكس، وليغو، وكوستكو، والتي تظهر العديد من السمات المميزة لعلامات الاستخدام. ولعلنا نعتقد أنّ طبيعة منتجات هذه الشركات وثقافاتها وأنماط عملها تجعلها أقرب إلى ذهنية الاستفادة منها إلى ذهنية الشراء. فتلك الشركات لا تنظر إلى الزبائن بوصفهم مشترين لمرة واحدة فقط بل بوصفهم الطرف الآخر لعلاقة طويلة الأمد.

ويمكننا رؤية الفرق بين العلامات التجارية التي تهتم بالشراء والعلامات التجارية التي تهتم بالاستخدام من خلال النظر إليها وفق منهج “لحظات الحقيقة” الذي غدا اليوم حجر الزاوية في كل تصميم حديث لخبرة الزبائن. فعلامات الشراء تركز على “لحظات الحقيقة” التي تسبق عملية الشراء، كالبحث والاستعلام والتسوق وشراء المنتج، في حين تركز علامات الاستخدام على لحظات الحقيقة التي تلي عملية الشراء، كالتوصيل وتقديم الخدمات والتثقيف ومشاركة البيانات.

ولقد أكدت دراستنا فوائد التحول من التركيز على الشراء إلى التركيز على الاستخدام، حيث أظهر المستجيبون للاستبيان قدراً من الوفاء لعلامات الاستخدام أكبر منه لعلامات الشراء، كما إنهم كانوا يدعمون علامات الاستخدام أكثر من خلال التوصية بها للآخرين بشكل تلقائي ومن دون تحفظ، فضلاً عن ذلك، كان أولئك المستجيبون يفضلون علامات الاستخدام على العلامات المنافسة، ليس فقط من حيث اختيار الشراء منها، بل ومن حيث الاستعداد لدفع علاوة في السعر أيضاً، فوسطياً، كان المستجيبون على استعداد للتمسك بعلامات الاستخدام ودفع علاوة في السعر بمقدار 7 في المئة، وكانوا أقل ميلاً إلى تغيير تلك العلامات بنسبة 8 في المئة، وكانوا أكثر ميلاً إلى توصية الآخرين بها تلقائياً بنسبة 100 في المئة.

ولطالما كان مدربو لعبة الغولف يعلمون ما يكتشفه اختصاصيو التسويق اليوم: إذ إنّ أفضل طريقة لضرب الكرة هي التركيز على لحظة الضربة ومتابعتها.

وهكذا يتعين على الشركات التي تسعى إلى الاستغلال الأمثل للإمكانات التي تتيحها التكنولوجيات الرقمية الأساسية، أن تتحول في تعاملها مع زبائنها، من نهج الشراء إلى نهج الاستخدام. ويستدعي هذا التحول في العمق إعادة نظر تلك الشركات باستراتيجياتها وهيكلياتها واستثماراتها وطرق قياس أدائها. غير أنّ ذهنية الاستخدام تتطلب تنسيقاً وثيقاً بين التسويق وتطوير المنتج، إذ إنّ صورة العلامة التجارية تتطابق باطراد مع خبرة الزبائن. وفي حين تتراجع أهمية خدمة الزبائن وضمان التزامهم نسبة إلى أهمية الحملات الترويجية وخلق العملاء المحتملين لدى الشركات المصنفة ضمن علامات الشراء، تقوم الشركات المصنفة ضمن علامات الاستخدام بتحويل خدمة الزبائن وضمان التزامهم من مجرد مراكز تكلفة تفتقر للموارد إلى محركات أساسية للنمو والربحية.

فضلاً عن ذلك، يجب أن يشمل التحول أيضاً وظائف الترويج والاستثمار فيه، وذلك بما يتفق مع نمط التركيز على الاستخدام. فعلامات الشراء تسعى إلى إحداث تمايز في صورتها لدى الزبائن على أمل أن يدفعهم ذلك إلى أخذها في الاعتبار والشراء منها. أما علامات الاستخدام فتركز اهتمامها على كيفية تأثير منتجاتها على حياة الزبائن وتحسينها، فتغدو وظيفة الترويج بالنسبة لعلامات الاستخدام أن تشكل منتجاتها وخدماتها سياقاً مفيداً وخبرات إيجابية في متناول الزبائن. وهكذا تصبح رسالة الترويج بالنسبة لتلك العلامات التجارية: “انظر كيف يمكننا تحسين حياتك منذ الآن، وقبل أن تنفق أي مبلغ من المال. وفكر في ما بوسعنا أن نفعله لك إذا ما أصبحت من زبائننا واستفدت من منتجنا أو خدمتنا”.

وللتحول من نهج الشراء إلى نهج الاستخدام تبعات على قياس الأداء أيضاً. فالانطباع الذي تتركه إعلانات الترويج مهم، إلا أنّ الأكثر أهمية هو التفاعل العملي مع الإعلان. فعلامات الاستخدام تنظر إلى التفاعل والانخراط من منظور واسع جداً، وهي تعرف أنّ بعضاً من أكثر الأنشطة أهمية إنما تحدث خارج ما يطلق عليه “قمع المبيعات”. فهل المغزى الذي تخلقه العلامة التجارية مناسباً ومفيداً للزبائن؟ وهل يستعملون المنتج فعلاً؟ وهل يتحدثون بتلقائية عن العلامة التجارية أو المنتج الذي تعرضه؟ وهكذا يفضل مسوقو علامات الاستخدام أن يحصلوا على تقييم 5 نجوم على منصات التقييم عبر شبكة الإنترنت، على أن يفوزوا بجائزة أفضل دعاية في مهرجان “كان” على سبيل المثال.

ومن منظور أوسع، يعني التحول من نهج الشراء إلى نهج الاستخدام أنه يتعين علينا إعادة النظر في كيفية قياس قيمة العلامة التجارية. وكلنا يرى قوائم تقييمات العلامات التجارية السنوية التي تنشرها الشركات الكبرى. لكن تلك القوائم تظهر قيمة تلك العلامات بالنسبة للمستثمرين لا بالنسبة للمستهلكين. وفضلاً عن ذلك تركز تلك القوائم على رؤية الناس لتلك العلامات، لا على خبرتهم معها. ولعل الشركات التي تبالغ في تركيز اهتمامها على الفوز في تلك التقييمات، ستجد نفسها في نهاية المطاف تخسر في السوق.

وعلى الرغم من أنّ استبياننا كان يركز على العلامات التجارية من النمط “بي تو سي” (B2C)، أي التجارة من شركة إلى زبون، إلا أننا نعتقد أنّ ذهنيتي الشراء والاستخدام تبقيان ساريتي المفعول بنفس القدر، إن لم يكن بقدر أكبر، بالنسبة للعلامات التجارية من النمط “بي تو بي” (B2B)، أي التجارة من شركة إلى شركة أخرى. وبما أنّ دورة حياة الحلول التجارية بين الشركات تميل لأن تكون أطول من دورة حياة المنتجات الاستهلاكية، ولذلك، فإنّ فرصة خلق القيمة خارج “قمع المبيعات” تكون أكبر بكثير. علاوة على ذلك، نجد الكثير من الشركات من النمط “بي تو بي” تتحول إلى الخدمات السحابية ونماذج الأعمال القائمة على مبدأ العضوية والاشتراك، حيث تكون الأرقام الاقتصادية مدفوعة أساساً بتكرار الشراء أكثر منها بصفقة الشراء الأولية. وفي المقابل، فإنّ معدلات تكرار الشراء لا تكون مدفوعة بما يفكر فيه المشترون حول العلامة التجارية، بل بما يختبره المستفيدون من منتج أو خدمة تلك العلامة. ويكمن سر النجاح إذاً في النظر إلى الزبائن المحتملين لا بوصفهم مشترين، بل بوصفهم مستخدمين.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .