كيف تتعامل مع العبء الثقيل لمبادرات العمل

12 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“جوهر الاستراتيجية هو اختيار ما لا يجب القيام به”. هذه هي المقولة الشهيرة التي كان مايكل بورتر قد أطلقها في مقالة مبدعة سبق أن نشرها في هارفارد بزنس ريفيو. وجوهر التنفيذ هو عدم القيام به فعلياً. قد يبدو الأمر بسيطاً، لكن المفاجئ هو مدى الصعوبة التي تواجهها المؤسسات في إنهاء مبادرات العمل الحالية، حتى عندما لا تكون هذه المبادرات متوافقة مع الاستراتيجيات الجديدة. عوضاً عن ذلك، تجد بأنّ القادة يواصلون إضافة مستويات جديدة إلى المبادرات، الأمر الذي قد يتسبب في عبء ثقيل على الدرجات الوظيفية التي تلي الفريق التنفيذي.

في بعض الأحيان، قد لا يكون القادة مدركين لجميع المبادرات الجارية وتأثيرها على المؤسسة. وفي حالات أخرى، قد تلعب أحابيل السياسية دوراً داخل المؤسسة لترك المبادرات تستمر لفترة أطول ممّا يجب وبعد أن تكون هذه المبادرات قد أعطت النتيجة المرجوّة أصلاً. في كلتا الحالتين، يمكن للعبء الثقيل أن يؤدي إلى إنتاجية مكلفة، ومشاكل في الجودة، وإنهاك للموظفين. ورغم الوصول إلى مستويات قياسية متدنّية من البطالة، إلا أنّ الشركات التي لا تعدّل أعباء العمل على موظفيها معرّضة أيضاً إلى خسارة مجموعة من أصحاب المواهب القيّمة. وقد أخبرنا أحد القادة والذي كان يترأس قسم الاستشارات الخاصة بالمواهب في شركة لرأس المال البشري في مقابلة معه بما يلي: “صحيح أنّني كنت استمتع بالعمل مع فريقي واحترمه، وكان العمل يمدّني بالحافز، إلا أنّ وتيرة العمل كانت لا تطاق. وقد اخترت المغادرة قبل أن أصاب بنوبة قلبية”.

في العديد من المؤسسات، تُقرع أجراس الإنذار الدالّة على ثقل عبء المبادرات عندما يحصل تراجع في استطلاعات الرأي الخاصّة بمدى تفاعل الموظفين، أو عندما ترتفع مستويات مغادرة الموظفين لوظائفهم – أو عندما يحصل هذان الأمران معاً. في واحدة من شركات التجزئة المدرجة على قائمة فورتشن 500 (Fortune 500)، على سبيل المثال، أظهرت الدراسات الداخلية بأنّ عبء العمل الواقع على كاهل مدراء المتاجر التابعة للشركة كان أكبر من قدرتهم على الإنجاز خلال أسبوع عمل عادي. وعوضاً عن تخفيف المطالب الوظيفية، توقّع مدراؤهم منهم أن يغيّروا ترتيب أولوياتهم وأن يتعاملوا مع كل المهام المطلوبة منهم في الوقت ذاته. ومع ذلك، عندما بدأت نتائج الشركة تتراجع وبدأت الأرقام تشير إلى تدهور في رضا الزبائن، أدرك كبار فريق الإدارة التنفيذية أنّ ثمّة حاجة إلى مقاربة جديدة وأوصوا بأن يُجري فريق عمل مؤلّف من القادة ذوي الإمكانيات العالية تقويماً لأثر المبادرات على مدراء المتاجر الذين يعملون على الخطوط الأمامية.

توصّل فريق العمل هذا إلى أنّ العديد من الأقسام كانت تطلق مبادرات متزامنة تحتاج إلى انتباه من مدراء المتاجر، في مجالات متنوعة مثل إطلاق المنتجات، والتدريب، وخدمة الزبائن، وتكنولوجيا المعلومات. وقد كشفت المراجعة الشاملة أنّ أكثر من 90 مبادرة منفصلة قد طبّقت في الأشهر الستّة السابقة. وكان يُنتظر من مدراء المتاجر استيعابها والتصرّف بناءً عليها أثناء التعامل في الوقت ذاته مع عدد كبير من الزبائن بالإضافة إلى إدارة الموظفين. تركت كل هذه المطالب أثرها السلبي عليهم. وقد فشلت بعض هذه المتاجر في تلبية توقعات الشركة والأرقام التي كانت قد وضعتها، وتراجعت معدّلات تبنّي المبادرات الجديدة لأنّ المؤسسة ببساطة لم تكن قادرة على التعامل معها جميعاً.

عندما تلقّى قادة الشركة التقرير، أدركوا أنّهم يجب أن يتحلّوا بانضباط أكبر فيما يتعلّق برسم الحدود ووضع الأولويات، عوضاً عن أن يتوقعوا من مدراء المتاجر الاستمرار في حمل كل شيء على كاهلهم. وقد أوكل رئيس فرع الشركة في البلد إلى أحد كبار القادة أداء مهمّة حارس البوّابة بين الأقسام الوظيفية ومدراء المتاجر. فلم يعد بوسع الأقسام التواصل مباشرة مع المدراء لطرح توقعات جديدة في مجال العمل لأنّ هذه التوقعات كانت تمرّر عبر هذا القائد الذي كانت مهمّته تتمثّل في تقييم الأولويات وحماية المدراء من مطالبات العمل المستحيلة. وقد سمح هذا التغيير لمدراء المتاجر بالتركيز؛ فإنجاز قدر أقل من المهام أعطى نتائج أفضل للمبادرات الرئيسة وللأولويات.

خلال عملنا الاستشاري مع عشرات الشركات، رأينا تبعات العبء الثقيل وكيف تظهر مراراً وتكراراً في مجموعة واسعة من القطاعات. وفي الأحاديث والمقابلات التي أجريناها في طيف واسع من المؤسسات، غالباً ما يُطرح موضوع “القدرة”، حيث يشعر القادة بأنهم معرّضون للضغوط لتحقيق إنجازات أكبر بموارد أقل. وقد حدّدنا عدّة أسباب جذرية سوف نناقشها هنا بحيث يمكنكم التعرّف على المخاطر الموجودة في شركتكم. تميل المؤسسات إلى الاعتماد على إصلاحات معيبة، لذلك سوف نشرح سبب فشل هذه الحلول عادة وسنقترح الحلول الأكثر نجاعة.

جذور المشكلة

لماذا يحصل العبء الثقيل للمبادرات؟ لقد لاحظنا سبعة أسباب:

التعامي عن الأثر. كما تعلّمت شركة التجزئة المدرجة على قائمة فورتشن 500 المذكورة أعلاه، فإنّ الفرق التنفيذية يمكن أن تكون غافلة عن عدد المبادرات الجارية لديها وأثرها التراكمي. وتفتقر العديد من المؤسسات إلى الآليات التي تسمح لها بتحديد المطالب التي تفرضها المبادرات على المدراء والموظفين الذين يُنتظر منهم القيام بالعمل، كما تفتقر إلى آليات قياس هذه المطالب وإدارتها. ومن الناحية العملية، قد يكون من الصعب قياس العبء في أرجاء المؤسسة، بسبب حجم المبادرة، وتعقيد المؤسسة وحجمها، ونقص أدوات التتبّع الكافية. ولكن كما يُظهر المثال الذي أوردناه أعلاه، فإنّ المهمّة يمكن أن تُنجز إذا خصّصت الشركة الموارد المطلوبة لتحقيقها.

الآثار المضاعفة. لدى معظم كبار القادة رؤية لمبادرات مجموعاتهم وأولوياتها لكنّ لديهم رؤية محدودة لأنشطة المجموعات الأخرى. وبما أنّ الإدارات الوظيفية والوحدات غالباً ما تحدّد أولوياتها وتطلق مبادراتها بمعزل عن الآخرين، فإنها قد لا تكون قادرة على فهم الأثر الناتج على الإدارات الوظيفية والوحدات المجاورة. لنفترض، مثلاً، أنّ هناك مؤسسة مؤلفة من خمس وحدات أو إدارات. إذا تولّت كل واحدة منها ثلاث مبادرات، تحتاج كل واحدة منها إلى بعض الموارد من وحدتين أخريين، فإنّ المدراء العاملين على الخطوط الأمامية في كل وحدة سيضطرون فعلياً إلى العمل على تسع مبادرات في الوقت نفسه. وهذا يفترض توزيعاً متساوياً للأثر؛ فإذا ما كانت بعض الوحدات تمتلك موارد بالغة الأهمية أو نادرة، فإنّ العبء الملقى على كاهلها سيكون أكبر بكثير من الوحدات الأخرى.

سياسةساعدني لأساعدك“. يميل المدراء التنفيذيون إلى الاستثمار بقوّة في بعض المشاريع التي تحمل “بصماتهم” وقد يحشدون الموارد لها من خلال الاتفاقيات الضمنية مع أقرانهم: “سأدعم مبادراتك إذا دعمت مبادراتي”. في عالم السياسة والتشريع، هذه الظاهرة تسمّى باللغة الإنكليزية logrolling (والتي تعني حرفياً دحرجة جذوع الأشجار)، وهو مصطلح قيل بأنّ عضو الكونغرس الأميركي دافي كروكيت كان قد وضعه في عام 1835 وهو مشتقّ من العادة القديمة المتمثّلة في مساعدة الجيران لبعضهم البعض في دحرجة جذوع الأشجار. وفي المؤسسات، تقود هذه الظاهرة إلى تراكم الوعود التي يجب الإيفاء بها والمشاريع التي لن تتوقف من تلقاء نفسها. وهذا الأمر يمكن أن يحصل حتى بعد أن يكون التمويل قد توقّف رسمياً لأنّ القادة قد يموّلون ذلك من جيوبهم الخاصة، كما أن لديهم سلطة اتخاذ القرار التي تمكّنهم من الإبقاء على المبادرات ودفعها قدماً.

الواجبات غير المموّلة. في عالم السياسة، يُستعمل هذا التعبير عندما تمرّر المجالس التشريعية قوانين تشترط حدوث أشياء معيّنة لكنّها لا توفّر التمويل المطلوب للتنفيذ. وعلى المنوال ذاته، في عالم الأعمال غالباً ما توكِّل فرق المدراء التنفيذيين إلى مؤسساتها مهمّة تحقيق أهداف هامّة دون منح المدراء وفرقهم الموارد الضرورية لإنجازها. على سبيل المثال، في إحدى عمليات الاستحواذ الكبرى التي شاركنا فيها، أنفق الفريق التنفيذي ملايين الدولارات على الاستشارات لتصميم الاستراتيجية والهيكلية والنظم وآليات التوظيف الجديدة لمجمل المؤسسة لكنّه لم يوفّر التمويل لدعم العمل المهم المتمثل في إنجاز العملية الانتقالية وتحقيق التكامل بين المؤسستين المندمجتين. ونتيجة للنزاعات بين “نحن” و”هم”، إلى حدّ كبير، خسرت الشركة المُستحوِذة بعضاً من أفضل الأشخاص الموهوبين في الشركة التي استحوذت عليها، واللذين كان الاحتفاظ بهم أحد الأهداف الجوهرية. وهذا ليس مثالاً معزولاً: فالمبادرات غالباً ما تُطلق دون تحديد الموارد المخصصة لها.

المبادرات الإسعافية. عندما تُطلق المشاريع لتوفير إصلاحات محدودة لمشاكل كبيرة، فقد ينتج عن ذلك عدداً كبيراً من المبادرات، التي لا يكون أيٌّ منها كافياً لحل المشاكل من جذورها. وقد رأينا شركات تضع استثمارات هائلة في البرامج التدريبية استجابة لعمليات تقييم سطحية للمهارات المطلوبة، أو توفّير دعم محدود لإدماج المهارات الجديدة ضمن إطار الممارسات اليومية.

قصر النظر المرتبط بالتكلفة. أحد الإصلاحات الجزئية الأخرى التي يمكن أن تفاقم مشكلة العبء الثقيل في العمل هي خفض أعداد العاملين دون خفض العمل المرتبط بهم. ويحصل ذلك عندما تركّز المؤسسات نظرها على تخفيض أعداد اليد العاملة (وهي طريقة واضحة للتقليل من رأس المال البشري) لكنّها تتجاهل الثمن الذي قد تدفعه – سواء على شكل إنهاك الموظفين، أو القيود في الأداء، أو مغادرة الموظفين لوظائفهم – من توقع تولّي العاملين المستمرين في العمل للمهام التي كانت مناطة بمن غادروا. وقد وصف أحد القادة في شركة للمنتجات الاستهلاكية المشكلة في مقابلة معنا قائلاً: “خطّطنا لإعادة هندسة عملياتنا، لكنّ ذلك لم يحصل. وكانت النتيجة هي أنّ موظفينا باتوا يبذلون جهداً أكبر وبموارد أقل”.

عطالة المبادرة. أخيراً، غالباً ما تفتقر الشركات إلى السبل (والإرادة) لوقف المبادرات الجارية. في بعض الأحيان قد يكون السبب وراء ذلك هو عدم امتلاك عملية تحدّد “إنهاء” المبادرات ومتى يجب هذا الإنهاء. ربما كان أحد المشاريع حيوياً للشركة عندما أطلقته، لكن بعد ذلك لم يعد السبب الداعي قائماً، ومع ذلك يستمر التمويل والعمل. على سبيل المثال، لجأت شركات عديدة لعقود طويلة إلى الاستعانة بما يُسمّى “المتسوّق المتخفّي” لجمع أراء الزبائن وتقييم خدمة العملاء المقدمة لهم. ولكن مع انتشار الإنترنت، بات بوسع الشركات جمع الآراء والبيانات مباشرة من زبائنها. لكنّ العديد منها تباطأ في القيام بهذا التحوّل، لأنّ التخلّي عن طريقة ناجحة – حتى لو بات من الواضح أنها متقادمة – يعني الانتقال إلى أنظمة تعرّضت لاختبار أقل وتحتاج إلى قدرات جديدة بالكامل. فالعادات والبنية التحتية الخاصّة بالمتسوّق المتخفّي مبنيّة أصلاً. أمّا جمع بيانات المستهلكين عن طريق الإنترنت وفهمها وتقييمها فيحتاج إلى الوقت وإلى مجموعة مختلفة من المهارات. لذلك تسير الكثير من الشركات التقليدية على خطى الشركات الناشئة، غير مضطرة إلى التخلّي عن المقاربات القديمة والمريحة، ولكنها تلجأ إلى تعيين قادة جدد يمتلكون المهارات الصحيحة للمساعدة في تحقيق التحوّل.

الحلول غير الناجحة

الاعتراف بوجود مبادرات تشكّل عبئاً ثقيلاً هو بمثابة خطوة أولى هامّة، لكن يجب على القادة بعد ذلك اتخاذ خطوات ذات مغزى. بيد أنّهم وفي غالب الأحيان يلجؤون إلى استراتيجيات إمّا أنها لا تكون ذات أثر أو تفاقم المشكلة. على سبيل المثال:

تحديد الأولويات بحسب الإدارة أو القسم. يشعر القادة بأكبر قدر من الارتياح عندما يضعون سلّماً للأولويات ضمن مجال تخصصهم، لأنهم يعلمون سياقه جيّداً، لكنّ ذلك لا يسمح لهم بإدراك الأثر التراكمي للمبادرات على مختلف المجموعات والتخصصات الأخرى. فعلى سبيل المثال، قد تكون الأولوية القصوى بالنسبة لقسم المالية هي تبنّي برنامج جديد للمصاريف في عموم المشروع. وحتى لو كان ذلك هو القرار الصائب بالنسبة للشركة، إلا أنّ تعلّم النظام الجديد من خلال التجربة والخطأ أو عبر التدريب يفرض مطالب إضافية على كاهل القادة الموجودين خارج قسم المالية. هناك ما يسمّى “المستخدم المتميّز” الذي يقضي وقتاً أطول من غيره في العمل على النظام الجديد ويقدّم الإرشادات إلى زملائه بخصوص الاستخدام اليومي ويجمع الأسئلة الميدانية عندما تثار، وهذا يستهلك وقته الذي يمكن أن يقضيه في العمل على مشاريع فريقه. وبطبيعة الحال، تتراكم كل هذه المطالب في مقابل العمليات المتكرّرة التي تستهلك وقت الجميع في عموم المؤسسة: فالمدراء يجب أن يضعوا الموازنات وأن يديروها لصالح قسم المالية، وأن يوثّقوا أداء الأفراد والفرق لصالح قسم الموارد البشرية، وأن يخضعوا لتدريبات في مجال الأخلاق والسلوك القويم بمعرفة قسم الشئون القانونية، وهكذا دواليك.

أسئلة ينبغي عليك طرحها قبل إطلاق مبادرة

تحليل المشروع

ما هي المشكلة التي يُفترض بهذه المبادرة أن تحلّها؟

ما هي البيانات أو غير ذلك من البراهين التي تخبرنا بأنّ هذه المبادرة ستترك الأثر المرغوب؟

تقييم الموارد

ما هي الموارد البشرية الحقيقية المطلوبة؟

ما هي الموارد (الوقت، والموازنة، والموظفين) المطلوبة لتصميم المبادرات وإطلاقها؟

إضافة إلى القسم الذي يمتلك المبادرة، ما هي الأقسام أو الإدارات الوظيفية الأخرى التي ستُكلّف بدعمها؟

ما هي الالتزامات الزمنية التي ستُطلب من القادة والموظفين لحضور الاجتماعات أو تطوير المهارات المطلوبة لفهم المبادرة أو تنفيذها؟

ما هي الموارد التي ستكون مطلوبة للمحافظة على استدامة المبادرة؟

ما هو وجه المقارنة بين رأس المال البشري المطلوب والتأثير المحتمل على الشركة؟ هل التكلفة تفوق المنفعة؟

كيف ستقرّر المؤسسة ما إذا كانت تمتلك القدرة على القيام بالمبادرة أم لا؟

تحديد حجم الدعم المطلوب من الجهات المعنية

ما هي الجهات الرئيسة المعنية؟

ما هي الإجراءات التي ستكون مطلوبة لدعم المبادرة؟

ما مدى توفّر هذا الدعم بالكامل؟

تحديد الحدود

ما هي المقايضات التي نحن مستعدّون للقيام بها؟ بعبارة أخرى، إذا نفّذنا هذه المبادرة، ما هي الأشياء التي لن تُنجز؟

ما هو الجدول الزمني لإنهاء المشروع وما هي العملية المتّبعة في ذلك؟

لذلك لا يمكن وضع الأولويات في الفراغ. يحتاج كبار القادة إلى التشجيع على خوض محادثات شفافة مع مختلف الأقسام الوظيفية حول حجم العمل، ومتطلبات المبادرات، والموارد. وتُعتبر هذه الرسالة من قمّة الهرم إلى قاعدته مهمة وأساسية. لكنّهم يجب أن يكونوا متقبّلين للآراء البنّاءة الواردة إليهم خلال المحادثات التي تجري من قاعدة الهرم إلى قمّته، لكنّهم في أحيان كثيرة لا يرغبون في سماع الأشياء التي لا يستطيع أحد القيام بها. في مثل هذه الأجواء، يخشى الموظفون من التعبير عن مخاوفهم بخصوص عبء العمل أو الاعتراف بوجود قيود عليهم، بسبب الخطر المحدق بمسيراتهم المهنية، لذلك يحافظون على صمتهم. ودون الحصول على آراء كتلك يفتقد القادة للرؤية الكاملة للمطالب الموجودة في عموم المشروع ولا يستطيعون تحديد سلّم الأولويات بناءً على ذلك.

وضع أولويات شاملة دون تحديد ما الذي سيطاله الخفض. غالباً ما تنخرط الفرق القيادية في عمليات تهدف إلى وضع سلّم للأولويات وتعريف ما الذي يجب على الأفراد تركيز طاقتهم عليه وإبلاغهم به. لكنّهم يقوّضون هذه الجهود إذا لم يبذلوا أيضاً جهداً كبيراً ليقرّروا صراحة ما هي المقايضات المطلوبة وما هي الأشياء التي يجب أن تتوقّف. في إحدى الشركات العقارية التي عملنا معها، قرّر فريق القيادة إطلاق أكثر من 12 مبادرة متزامنة. وقد تشكّلت فرق المشروع وكان يُنتظر منها تحقيق نتائج سريعة. وقد تحقّقت النتائج المرغوبة، ولكن بتكلفة كبيرة: فقد قرّر المشاركون الأساسيون مغادرة المؤسسة عوضاً عن تلبية المطالب المتصاعدة والمتمثّلة في الساعات الطويلة الزائدة عن اللزوم والمسؤوليات الجديدة الطاغية.

إجراء خفض على جميع المبادرات قاطبة. عندما يطلب القادة من جميع الأقسام أو الإدارات الوظيفية خفض موازناتها أو مبادراتها بمقدار معيّن، لنقل 10% إلى 20%، فإنّ كلّ مجموعة تجد طريقتها الذاتية للامتثال. لكنّ هذه المقاربة في التخفيض لا تأخذ بالحسبان الأولويات والتداخلات المؤسسية الإجمالية. ونتيجة لذلك، فإنّ التخفيض في المشاريع في إدارة وظيفية معيّنة، مثل تكنولوجيا المعلومات أو التسويق، يمكن أن يقوّض قدرة الإدارات الوظيفية الأخرى على تنفيذ المشاريع المهمة. على سبيل المثال، وكجزء من الاحتواء الشامل للتكاليف، اضطر قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة للضيافة إلى خفض التكاليف بواقع 20%. لذلك انتقلت الشركة إلى نموذج قائم على الخدمة الذاتية وتعهيد المهام وتخلّصت من الدعم الشخصي الميداني لأجهزة الكمبيوتر. ورغم تمكّن قسم تكنولوجيا المعلومات من تحقيق التخفيض المطلوب منه، استغرقت كل الأقسام الوظيفية الأخرى وقتاً أكبر في حل مشاكلها الخاصة بتكنولوجيا المعلومات.

الحلول الناجحة

رغم أنّ مقاومة العبء الثقيل للمبادرات وتركيز الموارد المؤسسية على المشاريع الجوهرية من الناحية الاستراتيجية هي أمر محفوف بالتحدّيات، إلا أنّه ممكن. فعلى سبيل المثال، أصبحت شركة سي بي آي زد (CBIZ)، وهي شركة متنامية للخدمات التجارية، أكثر صرامة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتحديد المشاريع التي يمكنها أن تمضي فيها قدماً. وقد أخبرتنا مارينا ديفيس، مديرة التنظيم وإدارة المواهب بالشركة في مقابلة أجريناها معها بما يلي: “ننظر إلى كل مبادرة عبر عدستين: الأولى هي، هل تترك أثراً إيجابياً على الشركة؟ والثانية هي، هل تترك أثراً إيجابياً على ثقافة الشركة؟ ومع تزايد سرعتنا في العمل، فإننا حذرون جدّاً في اختيار المبادرات التي سنعمل عليها والمبادرات التي لن نعمل عليها في هذا الوقت.”

على المنوال ذاته، بدأ كبار القادة في شركة عقارية ذكرناها قبل قليل، وهي الشركة التي أطلقت عدداً كبيراً من المبادرات في الوقت ذاته، يرون الحاجة إلى التغيير. ورغم أنّهم كانوا قد دفعوا باتجاه إجراء تحوّل في الشركة في ذلك العام، إلا أنّهم لم يرغبوا بأن تصبح تلك الوتيرة هي المعيار الطبيعي الجديد. لذلك بحثوا عن شواهد على هذا الأمر في العام التالي وفوجئوا بالحجم الكبير للموازنة المطلوبة للمزيد من المبادرات، ومعظمها مبادرات داخلية من قبيل الاجتماعات التي تشمل جميع الموظفين، والمناسبات المخصّصة لتطوير القيادات، واجتماعات التخطيط، وإطلاق البرمجيات الحاسوبية، والتدريبات الخاصّة بالموارد البشرية. ورغم أنّ الوضع المالي للشركة كان قويّاً بما يكفي لدعم هذه الطلبات، إلا أنّ الشركة كانت بحاجة إلى التركيز بشكل أوثق على المبيعات الميدانية. وقد شعر الفريق التنفيذي بالقلق من أنّ مبادرات أخرى مقترحة قد تقف حجر عثرة أمام تحقيق ذلك. وبغية تقييم هذه المخاوف، طلبوا من قادة الأقسام الوظيفية تحديد تفاصيل موازنات السفر والوقت المطلوب تكريسه داخل وخارج المكتب، إلى جانب التمويل اللازم للتطوير وتكاليف الإقامة والوجبات، لكل مبادرة من المبادرات المطلوبة. عندها اتّضحت تبعات هذه المبادرات على رأس المال البشري، حيث تبيّن بأن الاجتماعات الداخلية والمناسبات المقترحة جميعها ستحتاج أكثر من 30% من وقت المدراء. وبعد مناقشة الأمر مع فريق كبار المدراء واستهداف نسبة مئوية أقل من الوقت بعيداً عن الوقت المخصص للزبائن، اتخذ الرئيس التنفيذي والمسؤول المالي قراراً بالمبادرات التي ستستمر وتلك التي ستتوقف، مفضّلين المبادرات التي اعتبراها مهمّة لكي تدر المزيد من الأرباح التجارية. وفي العام التالي، أمضى المدراء وقتاً أطول في الميدان ووقتاً أقل في التدريب وجلسات التخطيط، وبات بالإمكان تدبّر أمر الوقت المطلوب منهم بسهولة أكبر.

كما يُظهر هذان المثالان، فإنّ مقاومة العبء الثقيل للمبادرات تتطلّب الإرادة والانضباط لاختيار الخيارات الصعبة وتنفيذها. وفيما يلي عملية توضيحية خطوة بخطوة يمكنها توجيهكم.

إجراء حصر حقيقي للمبادرات الحالية في عموم المؤسسة لرؤية ما إذا كانت تعاني من العبء الثقيل للمبادرات. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان: “هل تعاني مؤسستك من مشكلة؟”).

تقييم جميع المبادرات الجارية حالياً. يجب تحديد مدى حاجة الشركة إلى كل واحدة منها، والميزانية المطلوبة، وعدد الموظفين الذين يجب تخصيصهم للمبادرة، وتأثيرها على الشركة.

تكليف كبار المدراء بالعمل معاً على تحديد الأولويات بطريقة متكاملة. يجب أن يكون النقاش بمبادرة من فريق القيادة العليا وأن يأخذ بالحسبان الآراء الصريحة الواردة من المستويات الإدارية الأدنى لضمان إحداث تخفيض كاف في عدد المبادرات.

وضع فقرة خاصة بآلية إنهاء كل مبادرة تحدّد فيها تاريخاً نهائياً للتمويل والعدد المخصّص من الموظفين، بحيث لا تستهلك المشاريع الموارد عاماً تلو الآخر ما لم يكن تأثيرها على أعمال الشركة كبيراً.

في عمليات التخطيط السنوي اللاحقة، يجب أن يُشترط على كل مبادرة أن تقدّم طلباً جديداً للحصول على التمويل والموارد الأخرى. ويجب على المبادرات الصادر بها تكليف أن تخدم مصلحة العمل وتُظهر القيمة التي تقدّمها للمؤسسة حتى يتم الموافقة على التمويل.

إرسال رسالة قوية إلى بقيّة أرجاء المؤسسة مفادها أنّ إيقاف مبادرة معيّنة لا يعني أنّها كانت فاشلة أو تفتقد إلى الجدارة. يجب التأكيد على أنّ هناك ببساطة حدّاً لعدد الأفكار العظيمة التي يمكن للشركة أن تطلقها.

بطبيعة الحال، أفضل طريقة لتجنّب العبء الثقيل للمبادرات هي عدم السماح بتراكم العبء في المقام الأول. وهذا يعني بناء أنظمة مراجعة صارمة لفرض الانضباط على توقيت وكيفية إطلاق المبادرات في المؤسسة ومراقبتها لتحديد الأفراد الذين تستهلك أوقاتهم ومقدار هذا الوقت. (راجع الفقرة الجانبية التي تحمل عنوان: “أسئلة ينبغي عليك طرحها قبل إطلاق مبادرة”.)

في حالة الشركات التي تعاني أصلاً من العبء الثقيل للمبادرات، يمكن أن يؤدي التركيز على فوائد التقليل منها إلى جعل المسار المستقبلي أسهل نوعاً ما. وسوف تكون المؤسسة في وضع أفضل بكثير عندما تتعلّم كيف تقول لا لـ “مئات الأفكار الجيّدة الأخرى الموجودة في هذا العالم”، كما قال ستيف جوبز ذات مرّة. حينئذ ستكون قادرة على توظيف إبداعها وطاقتها المنتجة بحكمة أكبر، وتعزيز قدر أكبر من الالتزام والولاء بين صفوف الموظفين، وتحقيق المزيد من الإنجازات في المجالات المهمّة حقّاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .