كيف تولّد الدوافع لدى الموظفين في الخطوط الأمامية

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أحد الأسئلة التي طالما احتارت المؤسسات في الإجابة عنه هو: كيف يمكننا تطوير أداء موظفي الخطوط الأمامية الذين يقودون تجربة الزبائن فعلياً؟ يقدم عملنا مع مئات الشركات إجابة واضحة وبسيطة عن هذا السؤال.

ولنبيّن كيفية عمل ذلك، نستعرض أحد الأمثلة معاً. في عام 2016، طلب منا فريق القيادة في مؤسسة وطنية لتجارة التجزئة المساعدة على تعزيز أداء الخط الأمامي لديها. كانت القيادة ترغب في تحسين العائدات والتكاليف والمخاطر ورضا الزبائن في الوقت ذاته. وطلبت المؤسسة مساعدتنا بعد تأليف كتاب يصف كيفية تحسين نتائج الأداء عن طريق نموذج تشغيل يعمل على زيادة الدوافع.

كتبنا في وقت سابق أنّ سبب عمل الأفراد يحدد جودة عملهم، أي أنّ دافع الموظف للقيام بالعمل هو ما يحدد أداءه. وقد بين عملنا أنه إذا كان دافع الشخص هو المتعة (الناشئة مثلاً عن حماس العمل الجديد، أو الفضول، أو التجربة) وتحقيق غاية (السبب وراء أهمية العمل بالنسبة له) وإمكاناته (التي يتم تحسينها بالعمل)، عندئذ تزداد الدوافع ويتحسن الأداء الكلي. أما إذا كان الدافع عبارة عن ضغط عاطفي (الشعور بالخزي أو بالذنب أو عدم شعور بالأمان) أو ضغط اقتصادي (سعياً وراء الرزق) أو قصور ذاتي (لا يوجد دافع)، عندئذ يتراجع الدافع والأداء الكلي إلى الأسوأ.

أرادت مؤسسة بيع التجزئة معرفة كيفية تطبيق ذلك على متاجرها. لذلك، أجرينا تجربة قمنا خلالها بتحويل نموذج التشغيل في أربعة متاجر بصورة كاملة (كان عدد الموظفين في المتاجر الأربعة يبلغ 60 موظفاً) لمدة عام كامل، ثم قمنا بمقارنة أدائها مع أداء بقية متاجر المؤسسة في الولايات المتحدة والتي تزيد عن 750 متجراً.

وكما توقعنا، شهد الأداء ارتفاعاً كبيراً في المتاجر الخاضعة للتجربة وازدادت الإنتاجية السنوية (ناتج تقسيم العائدات على التكاليف) بنسبة 20% (أكبر بكثير من زيادة العائدات في متاجر مجموعة الضبط التي بلغت وسطياً نسبة 9%) وارتفعت المبيعات بنسبة 8% (بينما كانت زيادة المبيعات في المتاجر الأخرى تبلغ 2% فقط).

من الجدير بالذكر أنّ هذه المؤسسة هي واحدة من المؤسسات صاحبة الأداء الأفضل في هذا القطاع، ولذلك كان خط الأداء الأساسي مرتفع منذ البداية. ولكننا نعتقد أنه باتخاذ خطوات مماثلة يمكن تحسين أداء المؤسسة المتوسطة بصورة أكبر.  

ركز على التعلم وليس على الضغط. قبل البدء بهذه التجربة، كان نموذج التشغيل في المتاجر مركزاً على توليد ضغط عاطفي واقتصادي لتحريك الأداء. وكان مدراء المناطق يسمعون غالباً عبارات مثل: “عليك دفع فريقك لبذل مجهود أكبر” أو “هذا ليس ما نتوقعه من متجرك حقاً” أو “أداء المتاجر الأخرى أفضل”. وفي بعض الأحيان، قد يستخدم المدراء مكافآت أو جوائز خاصة لحثّ أولئك على تقديم أداء أفضل.

الدليل الإرشادي التالي هو المعمول به في معظم المؤسسات. وبناء على ما رأينا، يقع الدافع الكلي لدى موظفي الخطوط الأمامية ضمن أدنى المستويات.

ومن أجل زيادة انسجام موظفي الخطوط الأمامية في مؤسسة بيع التجزئة، قمنا بتطبيق نموذج تشغيل جديد يركّز على تحسين المتعة والغاية والإمكانات مع تخفيض الضغط في ذات الوقت. وتطلب تنفيذ ذلك أربعة تغييرات رئيسة:

خفّض الضغط العاطفي والاقتصادي. قمنا بإلغاء أساليب توليد الدوافع عن طريق الضغط الكبير على موظفي الخطوط الأمامية، بما في ذلك عمولات المبيعات والمحادثات التي تمارس خلالها ضغوط كبيرة ومعايير الترقيات القائمة على المبيعات والتوبيخ العلني لضمان تركيز الموظف على التعلم. وأوضحنا للقادة أنّ القيادة العظيمة لا تكون بالضغط على الموظفين لكي يقوموا بعملهم، بل تكون من خلال إلهام الموظفين حتى تصبح لديهم رغبة في القيام بعملهم على أكمل وجه، وبالتالي يصبح أداؤهم ملائماً لهذه الرغبة.

حاول توفير أجواء عمل ممتعة عبر تشجيع التجارب. من أجل دفع الأداء من خلال المتعة، أردنا التركيز على زيادة التجارب لأنها تعزز الفضول وتتيح العثور على ما هو جديد وتحدد وتيرة التعلم، وهذه الأمور جميعها هي مكونات مهمة لتحقيق المتعة أثناء العمل.

ومن أجل تشجيع التجارب، ضمّ كل متجر لوحة تسجيل أفكار لمتابعة الصعوبات الأساسية التي كان على المتجر معالجتها. مثلاً، عانى أحد المتاجر من صعوبة في كيفية الحصول على المزيد من الزبائن القادمين إلى المتجر. كان بإمكان الزملاء إضافة أفكارهم في أي وقت يريدون. وتمت الاستعانة بالصعوبات نفسها للتركيز على توليد أفكار حول الأمور الأهم.

طلبنا من الموظفين اختيار فكرة من الأفكار المسجلة على اللوحة وتجربتها. وكان متوقعاً من كل شخص القيام بتجربة فكرة واحدة على الأقل من أفكاره في وقت معين. فتعلموا الفرضيات وكيفية خفض التجربة إلى أدنى حد من الفاعلية اللازمة للحصول على نتيجة مفيدة. كما كنا نقيم اجتماعا أسبوعيا مدته 45 دقيقة في كل متجر تقوم الفرق خلاله بمراجعة أدائهم وتجاربهم التي قاموا بها دون خجل أو لوم في ظل أجواء توليد أفكار جديد.

كما كانت هناك قواعد متبعة، إذ يجب أن تكون التجارب قابلة للتنفيذ في العمل وضمن الميزانية والأدوات والوقت المخصص لكل متجر. فتعلم الزملاء كيفية التركيز على توليد تجارب منخفضة الخطورة (تضمن عدم غرق السفينة واستمرارها طافية فوق سطح الماء). وبمجرد إنهاء التجربة، تستخلص منها الدروس وتناقش بصورة منهجية. لم يكن هناك أي ضغط لنجاح أي تجربة طالما أننا تعلمنا منها شيئاً ما. وإن باءت تجربة ما بالفشل لا يتخلص الفريق منها بل يسعى لفهم سبب فشلها ويطلق تجربة أخرى.

خلق غاية متعلقة بالزبون. من أجل بناء غاية ومعنى صادقين، علمنا الموظفين في المتاجر كيفية ربط كل منتج وعملية وسياسة بفوائدها وأثرها على الزبون. وأنه يمكنهم في حال لم يتمكنوا من ربط فعل ما بنتيجة متعلقة بالزبون طرح الأسئلة إلى أن يستوعبوا ما هو مطلوب منهم.

إدارة التدريب المهني بصورة منهجية. بينما تركز التجارب على تعلم التحسينات الاستراتيجية أو العملية، نجد أنه من الضروري أيضاً إدارة سرعة التعلم من خلال التدريب المهني. في ثقافة التدريب المهني يتلقى الموظفون مستويات تدريب متقدمة أثناء العمل من الموظفين الذين يتمتعون بمستويات مهارات أعلى. وكما في نظام التجارب، يجب أن يخضع نظام التدريب المهني أثناء العمل للإدارة المحكمة.

وقمنا بما يلي: أعطينا كل متجر مجموعة مكونة من 30 مهارة من مهارات العمل في الخطوط الأمامية كي يتعلمها الموظفون، بما في ذلك “توليد الأفكار عن طريق بيانات المبيعات والخدمات” و”بناء علاقات استشارية مع الزبائن المحتملين”. وطلبنا من كل موظف اختيار المهارات التي يعتقد أنها ستحسن أداءه إذا تعلمها. كان بإمكان القادة المساعدة في هذا الاختيار، إلا أن الأمر يعود إلى كل شخص في النهاية، مع تركيز القيادة على توفير الوقت المناسب للتعلم أثناء العمل.

طلبنا من القادة تحديد المهارة الأبرز، والتي تمثل القوة المهنية “الخارقة” لكل فرد ضمن الفريق، والتحدث مع الجميع بشأنها. كان الهدف من ذلك هو تسهيل طلب الموظفين للمساعدة لتعلم المهارات من زملائهم. مثلاً، قد تكمن قوة أحد الموظفين الخارقة في “حل المشكلات المعقدة في تقديم الخدمة”، بينما تبرز قوة موظف آخر في “تقديم المنتجات الجديدة للزبائن”.

وكل أسبوع، يجري الموظفون نقاشاً موجزاً مع قائدهم بشأن التطوير، ويتحدثون فيه عن تقدمهم في تعلم المهارات. وكانت الأهداف والمقاييس شفافة وواضحة للجميع كي لا يبقى أي شيء مخفياً.

وعندما ركز القادة والموظفون على تطوير المهارات، توقفوا عن مواجهة مشكلات الأداء باللوم والمقاومة. وأصبح تركيزهم المباشر على التعلم والتعليم في حال واجه أحد الموظفين مشكلة في الأداء.

رؤية نتائج الأداء. بدأ سلوك الفريق يتغير بصورة جوهرية بعد بضعة أسابيع فقط من تطبيق هذا النموذج الجديد.

مثلاً، في إحدى الحالات، قامت واحدة من أصغر الموظفات في المتجر بتجربة تدور حول كيفية تسيير الزبائن ضمن طابور الخروج بصورة أسرع. وأجرى موظف آخر تجربة على كيفية شرح ميزات المنتج للزبون بصورة أفضل، بينما أجرى موظف ثالث تجربة على كيفية تحسين بروز اللافتات.

وعلى المستوى الفردي، بدأ الموظفون بالتحدث بانفتاح مع فرق العمل عما يرغبون بتعلمه. فتسارع التدريب وأصبح الموظفون أكثر انسجاماً في عملهم. وعند نهاية الشهر الثامن، كان الأداء السنوي في المتاجر الخاضعة للتجربة قد ارتفع بصورة كبيرة بالمقارنة مع بقية المتاجر في مجموعة الضبط. واليوم بدأ تطبيق هذا النهج في جميع أرجاء المؤسسة.

عموماً، يتوقف نمو الإنتاجية ضمن صفوف موظفي الخطوط الأمامية الذين يشعرون بانسجام أقل وضغط أكبر. فضلاً عن ذلك، لا تزال الخطوط الأمامية تعاني من مشكلة الاحتفاظ بالموظفين. وتستجيب مؤسسات كثيرة جداً لهذه الأوضاع بممارسة ضغوط كبيرة على الموظفين والاستعانة بالإدارة التي تهتم بأدق التفاصيل، ما يزيد الأمر سوءاً ويرفع نسب المخاطر.

يمكن أن يؤثر الارتفاع الطفيف لنسب الإنتاجية والاحتفاظ بالموظفين بشكل كبير على المؤسسة. وتشير حساباتنا الدقيقة إلى أنّ تحسين الاحتفاظ بالموظفين بنسبة نقطة مئوية واحدة ضمن الخطوط الأمامية المؤلفة من 5,000 موظف يؤدي إلى أرباح تقدر بحوالي 2.5 مليون دولار وسطياً. وهذا الرقم يفترض أن كلفة التجهيز الكامل لكل موظف تبلغ 50,000 دولار، بينما تبلغ كلفة تعيين موظف بديل جديد وتعويض الخسارة في الإنتاجية أثناء فترة تدريبه 50,000 دولار.

لقد حان الوقت لكي تستثمر المؤسسات في الموظفين. وستتمكن المؤسسات من تحقيق أرباح لجميع الأطراف عبر تطبيق نظام إدارة الخطوط الأمامية الذي يركز على تحريك الأداء من خلال تحفيز الدوافع الكلية للموظفين.

يقدم المؤلفان شكراً خاصاً لكل من المدراء والخبراء ديبورا مو وماندي نورتون ودان ويلكينينغ وجيمي ووردر على نصائحهم القيمة حول هذا المقال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .