كيف تعيد تحفيز النمو؟

17 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن معظم الشركات الناجحة ينتهي بها المطاف إلى مواجهة أزمة متوقّعة نسمّيها نحن “الجمود” (stall-out)، وهو عبارة عن تراجع كبير في الإيرادات ونموّ الأرباح، أو انهيار في عوائد المساهمين، التي كانت من قبل مرتفعة، إلى مستوى أقل بكثير من تكلفة رأس المال. وتحصل حالة الجمود هذه عندما يتوقّف محرّك النمو الذي كان يدفع الشركة إلى النجاح عن العمل. ونادراً ما يكون السبب وراء ذلك هو أنّ النموذج التجاري قد أصبح فجأة نموذجاً قد عفا عليه الزمن، فهذا الاعتقاد هو أحد الأخطاء الشائعة. وإنّما تُظهرُ أبحاثنا بأنّ الشركة تكون، في معظم الأحوال تقريباً، قد أصبحت مفرطة في تعقيدها، بسبب البيروقراطية التي تبطئ عملية الاستقلاب في الشركة، أو بسبب خلل وظيفي داخلي يشوّه المعلومات، ويعيق قدرة المدراء على اتخاذ قرارات سريعة والقيام، بناءً عليها، بإجراءات عاجلة. وعندما نتحدّث مع المدراء التنفيذيين عن أعراض الجمود، تتفاوت الكلمات التي يعبّرون بها لكن الأسباب تبقى ذاتها. “لقد فقدنا التواصل مع الزبائن. نحن نغرق في خضم عملياتنا وبرنامج باور بوينت (PowerPoint). لسنا نعاني من نقص في الفرص، لكننّا لم نعد نتصرف بحسم. ورحلتنا التي كانت يوماً ما مفعمة بالطاقة، أصبحت أشبه بمحاولة قيادة طائرة تفتقر إلى قوة الدفع وأجهزة التحكم فيها لا تستجيب”.

في تحليل شمل 8,000 شركة عالمية، وجدنا أنّ ثلثي تلك الشركات التي بلغت من النجاح حداً جعلها تحقق 500 مليون دولار من الإيرادات، قد واجهت حالة الجمود خلال السنوات الخمس عشرة التالية- التي  تنتهي في 2013، بما في ذلك شركات بارزة مثل باناسونيك، وتايم وارنر (Time Warner)، وكارفور، وبريستول مايرز سكويب (Bristol-Myers Squibb)، و”ألكاتيل-لوسنت” (Alcatel-Lucent)، وفيليبس، وسوني، ومازدا.

بل ثمّة ما هو أكثر إثارة للقلق. ففي حالة 50 شركة كبيرة مرّت بفترة مديدة من الجمود، وجدنا بأنّ هذا الجمود قد بدأ فجأة، إذ حصل تراجع حاد في الزخم خلال فترة عام أو عامين فقط، وانخفضت معدّلات النمو من رقم مؤلّف من خانتين إلى رقم صغير من خانة واحدة أو حتّى إلى أرقام سلبية– وهذه النتيجة تتوافق مع نتائج الأبحاث الماضية (انظر مقال “عندما يحصل جمود في النمو” (When Growth Stalls)”، مجلّة “هارفارد بزنس ريفيو”، مارس/ آذار 2008).

من المؤكّد أنّ القوى الخارجية تشكّل ضغطاً على الشركات الراسخة. فالاستراتيجية – وهي رقعة الشطرنج الخارجية لأعمال الشركة – لا تزال عنصراً هامّاً. ومع ذلك، فإنّ الاستراتيجيات التنافسية أصبحت أكثر تشابهاً ممّا كانت عليه، وبات تقليدها أسهل، ومُددها أقصر. كما أنّ جذور النجاح أو الفشل أصبحت، وعلى نحو متزايد، تكمن في استطاعة الشركات المحافظة على سرعتها، وحساسيتها، وابتكارها، وفي قدرتها على التكيّف. وبالتالي، فإنّ الشركات المزدهرة داخلياً قادرة على التجاوب مع التغيّرات الحاصلة في بيئتها التنافسية، بحيث أنّها تحدّد – وتنفّذ – الاستراتيجيات التي تبقي على هيمنتها. فعندما أجرينا استطلاعاً شمل 377 من قادة الشركات، قال لنا 94% ممّن يعملون في شركات تزيد إيراداتها على 5 مليارات دولار بأنّ الخلل الداخلي – وليس غياب الفرصة أو امتلاك المنافسين لقدرات لا يمكننا مضاهاتها – كان العائق الحالي الرئيس أمام استمرارهم في تحقيق النموّ المربح.

نعم، قد يكون هذا النوع من الجمود أمراً يمكن التنبؤ به، لكن من الممكن أيضاً التغلّب عليه. وقد أشرنا في كتاب يصدر قريباً، إلى أنّ معظم الشركات ذات النمو المستدام تتشارك في المواقف والسلوكيات. فهذه الشركات (1) تنظر إلى نفسها بوصفها شركات ثورية تحارب نيابة عن زبائن لا يحصلون على ما يحتاجونه من خدمات؛ و(2) تولي اهتماماً كبيراً للجانب الميداني وللخطوط الأمامية، حيث تلتقي الشركة والزبون؛ و(3) تعزّز العقلية القائمة على الإحساس العميق بالمسؤولية تجاه كيفية استخدام الموارد، وتحقيق النتائج على المدى البعيد. وبما أنّ هذه الصفات تكون في أوج حيويتها في الشركات التي يقودها مؤسسون يتمتعون بالجراة والطموح، فإنّنا نطلق على هذه الصفات اسم “عقلية المؤسِّس” (The Founder’s Mentality). فمنذ العام 2000، بلغت العوائد التي حققها المساهمون في الشركات الكبيرة المدرجة في البورصة، والتي لازال مؤسسوها معنيين بإدارتها، ثلاثة أضعاف عوائد المساهمين في الشركات الأخرى. غير أن أيّ فريق قيادي بوسعه الاستفادة من تأثيرات عقلية المؤسِّس هذه لإعادة تفعيل النمو في شركته. وفي بعض الحالات، قد تضمحلّ بمرور الوقت تلك العقلية التي كانت يوماً مهيمنة، وتصبح بحاجة إلى أن تبنى من جديد استناداً إلى ما تبقّى من آثارها. غير أن هذه الصفات الثلاث يمكن أن تساعد أيّ شركة على إعادة تشغيل محرّك النمو فيها من خلال إزالة طبقة الشحم والتعقيدات التي تراكمت عليه على مدار السنين، وأعاقت التنفيذ النظيف للاستراتيجية.

1 أعيدوا استكشاف رسالتكم الثورية

عندما يحدث الجمود، فإنّه، وفي معظم الحالات تقريباً، يكون مرتبطاً بالتعقيد الذي أخذ يزحف إلى أوصال المؤسسة. “ليس هناك قرار سيئ أو تكتيك أو شخص يمكن أن نلقي عليه اللوم”، هذا ما قاله هوارد شولتز (Howard Schultz) بعد عودته إلى منصب الرئيس التنفيذي لشركة ستاربكس (Starbucks) في العام 2008 وسط انكماش في الإيرادات، وتهاوٍ في هوامش الأرباح، وتراجع بلغ أكثر من 75% في سعر السهم. كان الجمود الذي أصاب ستاربكس فجائياً ودراماتيكياً، بحسب ما أقر شولتز، لكنّه نجم عن الضرر الذي كان “بطيئاً، وهادئاً، وتدريجياً، تماماً مثل خيط سائب ينسل كنزة صوفية غرزة غرزة”.

ولكي تبدأ الشركات بالتعامل مع هذا الجمود، فإنّها بحاجة إلى إزالة التعقيدات، والتخفيف من التكلفة الزائدة من أجل تحرير الموارد، والتركيز بشكل أدق، واستعادة زمام القوّة التي كانت الدافع الأساسي لنموّ الشركة في السابق. وقد درسنا 10 عمليات إنقاذ ناجحة تهدف إلى إعادة إحياء تلك الشركات، ووجدنا بأنّ هذه العمليات كلّها تضمنّت خفضاً للتكاليف التشغيلية بنسبة لا تقل عن 8%، وفي بعض الأحيان كانت النسبة أكثر من 25%.

تُقادُ الهجمات الناجحة التي تستهدف التخفيف من التعقيد من أعلى الهرم إلى قاعدته، وهي تسير بطريقة متسلسلة.  يجب أولاً على الشركة التخلّص من الأصول والأقسام والأعمال غير الأساسية؛ وعليها في المرحلة التالية أن تضع استراتيجية أبسط للأقسام المتبقّية؛ وبعد ذلك يمكنها معالجة التعقيد الموجود في العمليات الأساسية؛ وبوسعها أخيراً أن تركز على التخفيف من تعقيد المنتج، من حيث تصميمه، وتنويعاته، وتلبيته لحاجات مختلف الزبائن. وقد رأينا الكثير من الفِرَقِ القيادية التي تحاول إجراء هذا التحوّل المنشود بترتيب عكسي، لكنّ ذلك لم يؤدِ إلا إلى إيقاعها في فخ التفاصيل، وإضعاف المؤسسة قبل أن تتوصّل إلى ما يؤدي إلى إنجاح معظم التحوّلات: أي تخفيض مستوى التعقيد والتكلفة.

وقد اكتشفنا بأنّه مع تنامي حجم الشركات، تصبح عمليات وضع الموازنات الداخلية ديمقراطية، الأمر الذي يقود إلى توزيع الموارد بصورة متساوية على مختلف الأقسام والفرص. لكنّ الاستثمار الديمقراطي في مواجهة الأزمة هو طريق حتمي إلى وضع متوسط الجودة، والحال أن العكس تماماً هو المطلوب لقلب مسار حالة الجمود السائدة. ففي الشركات التي جرى فيها تحاشي هذا الأمر، كان قادتها قد تمكّنوا من اتخاذ قرارات استثمارية جريئة من أجل إعادة تمييز الشركة عن غيرها، وعادة ما كان يجري تحقيق ذلك من خلال إضافة قدرة رئيسية جديدة تطلق موجات من النمو.

بعد أن تكون الشركات قد عادت إلى وضعها الطبيعي، يتعيّن عليها أن تجدّد النظر إلى نفسها بوصفها شركات ثورية في قطاع الأعمال. لكنّ ذلك لا يستدعي الترويج لثقافة قتالية، أو إساءة استعمال التعبير المجازي “شنّ الحرب” على المنافسين. وإنّما يجب على هذه الشركات أن تنظر إلى زبائنها بوصفهم غير حاصلين على ما يكفي من الخدمات، وأن تنظر إلى القطاعات التي تنشط فيها بوصفها تضع معايير غير كافية، ويجب عليها أن تشدّد دائماً على ما يميّزها عن غيرها. لكن الذي سيحافظ على استدامة النمو هو الأهداف الجريئة، وليس مجرّد السعي للعيش والقتال يوماً آخر. وقد تجد المؤسسات عندما تصبح ضخمة جدّاً صعوبة في المحافظة على رسالتها الثورية، لكنّ الأمر ليس بمستحيل. فشعار غوغل الرامي إلى “تنظيم معلومات العالم”، على سبيل المثال، هو شعار خاصّ بغوغل، ولكنّه يعبّر في الوقت ذاته عن طموح لا نهاية له.

ويجب أن تكون الشركة مستعدّة لإجراء تقليص كبيرفي حجمها إذا كان ذلك هو المطلوب لاستجماع قواها، وإعادة الانتشار، والبدء مجدداً في عملية النمو المُربح. ولنأخذ على سبيل المثال حالة شركة بيربيتشوال (Perpetual)، وهي أقدم صندوق اتئماني في أستراليا، تمكّن من التعافي من الجمود من خلال التقليل من تكاليفه التشغيلية بنسبة 25%، والتخلّص من بعض الأعمال غير الأساسية، وإعادة إحياء الرؤية الأساسية لمؤسس الشركة.

تأسسّت شركة بيربيتشوال عام 1886 بهدف إدارة الأموال الوقفية والممتلكات لصالح نبلاء استراليا، وقد ظلّت في موقع رائد في السوق طوال تاريخها. ولكن بعد نموّ الشركة وتنويع أعمالها لتشمل 11 مجالاً جديداً، بدأت بحلول العام 2011 تشعر بالمعاناة. فقد انخفضت قيمة سهمها من 84$ وهو أعلى مستوى وصل إليه إلى 24$ خلال أربع سنوات فقط، وتراجعت أرباحها بنسبة 70% تقريباً، ولم يكن أحد يعلم إن كانت الشركة قد وصلت إلى القاع بعد أم لا، الأمر الذي دفع المساهمين فيها إلى المطالبة علناً بإجراء إصلاح شامل، بينما عيّنت الشركة ثالث رئيس تنفيذي لها خلال اثني عشر شهراً، وهو جيف لويد (Geoff Lloyd).

عندما استلم لويد منصبه، “وجد مؤسسة كانت تتمتّع بالتنافسية على المستوى الداخلي وبالتعاون على المستوى الخارجي”، كما أخبرنا. “كان التعقيد في شركتنا قد وصل مع مرور الوقت إلى مستويات لا تصدّق  نتيجة لدخولنا في المزيد من المجالات، علماً بأنّنا لم نكن الشركة الرائدة في السوق في معظم هذه المجالات”. وقد خلص لويد إلى أنّ إنقاذ الشركة يتطلّب منه إعادتها إلى رسالتها الأساسية، وهي حماية ثروة استراليا. وقد أدرك بأنّ ذلك يعني جعل الشركة “أسرع، وأكثر ثقة، وقبل كلّ شيء، أبسط”.

بدأ لويد جهوده باستبدال عشرة من أصل أحد عشر عضواً في فريق الإدارة بأناس لم تكن لديهم مصالح من وراء القرارات التي اتّخذت في الماضي. وبعد تعيين موظفيه الجدد، أطلق حملة بعنوان (Transformation 2015) هدفت إلى إجراء تحوّلات بحلول العام 2015، وكانت الحملة مؤلفة من خمس مبادرات صممت للتقليل من حجم التعقيد على المستويات كافّة. واحدة منها كانت مبادرة “المحفظة”، التي قلّلت من عدد المجالات التي تنشط فيها الشركة من 11 إلى 3 (فقد كان قسمان فقط من الأقسام الأحد عشر مسؤولين عن توليد 95% تقريباً من الأرباح)، وخفّضت عدد العقارات التي تمتلكها الشركة إلى النصف، والتخلّص من أكثر من 100 هيكل تمويل موروث من الماضي. وكان هناك مبادرة أخرى هي مبادرة “النموذج التشغيلي” التي قلّلت من أعداد الموظفين في المقر الرئيس للشركة بأكثر من 50%. وقد وجد لويد وفريقه بأنّ مكتب الدعم الخلفي، والموظفون المساعدون للموظفين الأساسيين، والضوابط الفائضة عن الحاجة قد شكّلت 60% من التكاليف الإجمالية. بعبارة أخرى، لم تكن الشركة تستثمر في المبيعات وخدمة الزبائن والاستثمار، وهي أنشطتها الأساسية، أكثر من 40% من أموالها. إضافة إلى أنها كانت تعتمد على أكثر من 3.000 نظام كمبيوتر وتطبيق.

وبالتالي، فإنّ عمليات الخفض التي قامت بها الشركة – في مجالات العمل، والموظفين، وأنظمة الكمبيوتر، وغيرها – كانت بنداً أساسياً وحاسماً في مخطط التحولات. لكنّ لويد وفريقه وضعا أيضاً خطّة تهدف إلى اكتساب حصّة سوقية إضافية من خلال الاستثمار في النشاط الأساسي للشركة. وقد عقد اجتماعات عامّة مع الموظفين، وهي سابقة لم تحصل من قبل في تاريخ بيربيتشوال، لمناقشة وضع الشركة ومستقبلها، ومن أجل إعادة بثّ الحماسة تجاه القيم الأساسية للشركة. “لقد قضينا وقتاً طويلاً في انتقاء الكلمات التي استخدمناها في رسالتنا واستراتيجيتنا”. هذا هو ما قاله لويد لنا شارحاً كيف أنّه  شعر بأنّ من الضروري جدّاً بالنسبة لموظفيه أن يعاودوا التركيز على المبادئ التأسيسية للشركة. وفي سياق هذه العملية، اكتشف لويد معلومة مذهلة، فقد كان النشاط الأساسي للشركة في مجال الحفاظ على الأموال الوقفية قويّاً إلى درجة أن الشركة كانت لا تزال تحتفظ بزبونها الأوّل بعد مرور 125 عاماً على إنشائها. وقد قادت استراتيجياته إلى حصول انقلاب مذهل في الأوضاع، حيث تضاعفت قيمة سهم الشركة منذ استلام لويد لمنصبه؛ وازداد تفاعل الموظفين مع العمل تزايداً كبيراً؛ كما تزايدت حصّة الشركة السوقية في مجال نشاطها الأساسي؛ وتضاعفت أرباحها الصافية ثلاث مرّات.

2 امنحوا أكبر اهتمام ممكن للميدان
وللخطوط الأمامية في شركتكم

تتميّز الشركات التي تحافظ على استدامة نموّها بأنّها تولي أقصى قدر من الاهتمام للميدان وللخطوط الأمامية في الشركة، إلى حدّ أنّ هذا الاهتمام يتحول إلى هاجس بالنسبة لها. وغالباً ما ستجد بأنّ هذا الهاجس يعود في الأصل إلى وجود شخص مؤسِّس قوي. ويتجلّى هذا الهاجس عادة بثلاث طرق هي: منح مكانة أرفع للموظفين الميدانيين والعاملين على الخطوط الأمامية، ووجود اهتمام بالزبائن الأفراد على جميع مستويات الشركة، ووجود فضول معرفي في المؤسسة بخصوص تفاصيل العمل. ويتجلّى هذا الهاجس بالخطوط الأمامية بأوضح صوره في الشركات التي تتميّز بالتماس المباشر مع الزبائن مثل قطاع الضيافة الفاخرة. لكنّ هذه السمة يمكن أن تكون موجودة، وإن بقدر أقل من الوضوح، في مجموعة واسعة من القطاعات: ومن الأمثلة على ذلك، الهاجس الذي كان موجوداً لدى ستيف جوبز بالمنتج، والاهتمام الأسطوري بالتفاصيل لدى الرائد الصناعي روبيرت موندافي (Robert Mondavi)، والذي كان يؤمن بالمقولة التالية: “أفضل سماد لأرض مزروعة بأشجار الكرمة هو خطوات مالكها”.

تُعتبرُ شركة هوم ديبوت (Home Depot)، وهي أكبر متجر تجزئة متخصّص بشؤون إصلاح المنازل وتحسينها في العالم، مثالاً يبيّن كيف يمكن لفقدان الهاجس بالخطوط الأمامية وبالميدان أن يقود إلى حالة الجمود التي نتناولها في هذا المقال – وكيف يمكن لإعادة تجديد هذا الهاجس أن توقد جذوة النمو من جديد. يعود النجاح المبدئي للشركة إلى مؤسسيها المذهلين بيرنارد ماركوس (Bernard Marcus) وآرثر بلانك (Arthur Blank)، واللذين كرّسا نفسيهما لبناء علاقة وثيقة مع الزبائن تقوم على التشاور معهم. فقد كان الشعار الذي رفعاه لشركتهما هو “سنقدّم كل ما هو مطلوب مهما كان”، إلى درجة أنّ هذين المؤسسين عملا على تدريب الموظفين في المتجر على خدمة الزبائن بنفسيهما. أمّا الموظفون، بدورهم، فقد كانوا يقدّمون النصائح للزبائن بخصوص مشاريعهم الخاصّة بتحسين منازلهم وإصلاحها، وكانوا دائماً حاضرين في المتاجر لتقديم النصائح المبنية على معرفة وثيقة. وقد أسهمت هذه الاستراتيجية في تمييز الشركة عن غيرها، وفي الوصول إلى حالة من الولاء القوي جدّاً بين صفوف الزبائن، الأمر الذي جعل شركة هوم ديبوت تُعتبرُ نموذجاً مثالياً للشركة الناجحة لسنوات طويلة. ومنذ تأسيسها عام 1978، وحتى العام 2000، كانت، وبصورة متّسقة، تتجاوز أهداف النمو في الأرباح السنوية والتي كانت مُحدّدة عند 20%. ولكن في ديسمبر (كانون الأول) 2000، وبعد أن فشلت الشركة في تحقيق هدف النمو المحدّد، وبعد أن تزايدت مخاوفها من الأنظمة المتقادمة التي تستعملها، وتحديداً أنظمة المعلوماتية والكمبيوتر، في شركة كانت إيراداتها تقترب من 50 مليار دولار، لجأ مجلس الإدارة إلى تعيين روبرت نارديللي (Robert Nardelli)، وهو أحد كبار المدراء التنفيذيين في شركة جنرال إلكتريك، في منصب الرئيس التنفيذي ليفرض حالة من الانضباط الكبير في صفوف الشركة.

أنشأ نارديللي بيئة هرمية قائمة على سلسة قيادة وتحكّم. وبحلول العام 2006، كان 98% من كبار المدراء التنفيذيين في الشركة والبالغ عددهم 170 مديراً أشخاصاً جدداً في مناصبهم، في حين أنّ 56% من المدراء الجدد في المقر الرئيس للشركة كانوا قد جاؤوا من خارجها. كانت هناك حاجة ربّما إلى دماء جديدة في القيادة، وتحديداً في مجال النظم، لكنّ هذه التغييرات الواسعة التي طالت المدراء فشلت في البناء على نقاط القوّة العميقة التي كانت يوماً هي ما يميّز الشركة والتي كان الموظفون يحبّونها. وقد أهمل نارديللي وفريقه العلاقات مع الزبائن، والحماسة الميدانية على الخطوط الأمامية، لصالح تعزيز الأرباح الفصلية. واستبدل العديد من الموظفين المتفرّغين والذين كانوا يخدمون الشركة منذ فترة طويلة بعمّال يعملون بدوام جزئي ويتقاضون أجوراً متدنّية، وحصل انهيار في خدمة الزبائن. وبحسب النكتة المتداولة بين الموظفين، تحوّل شعار “افعله بنفسك” ليصبح الآن “اعثرعليه بنفسك”. وعندما أصدرت جامعة ميشيغان مؤشر رضى المستهلك الأمريكي للعام 2006، كانت شركة هوم ديبو قد هبطت إلى ذيل قائمة كبار متاجر التجزئة الأمريكية. وقد عقد مجلس إدارة الشركة اجتماعات ميدانية ووجد نمطاً متّسقاً: خوف على المستقبل، وإضعاف لموظفي المتاجر الذين كانوا يخدمونها منذ أمد بعيد، وشعور بأنّ العقد الاجتماعي بين الشركة، وموظفيها، وزبائنها قد تعرض للانتهاك.

من جهته، أخبرنا غريغ برينيمان (Greg Brenneman)، أقدم أعضاء مجلس الإدارة، والخبير العالمي في مجال إحداث التحوّلات في الشركات بما يلي: “كان بوسعك أن ترى اضطراباً خطيراً يجيش تحت السطح. فقد كان مدراء المتاجر يشعرون وكأنّهم مكبّلون بعشرات النماذج والمقاييس المالية التي تأخذ الكثيرمن وقتهم، وتبعدهم عن الزبائن وعن إدارة المتاجر. أمّا أكثر موظفي المتاجر خبرة، والذين يُعتبرون الخبراء الحقيقيين في مجال السباكة أو الكهرباء، فكانوا قد سرّحوا واستُبْدِلوا بعمّال أقل خبرة يعملون بدوام جزئي مقابل أجور أقل. ورأينا حصول تراجع في أعداد الزوّار، وهم الشريان الحيوي لأي متجر تجزئة. ولم تكن المتاجر الجديدة تولّد عوائد جيّدة، الأمر الذي قاد إلى تسريح المزيد من الموظفين. كنّا ندخل في حالة جمود واحتجنا إلى تغيير المسار”.

لقد كان التدهور الذي طال تجربة الزبائن مع الشركة هو أصل كافة مشاكلها. وشكل هذا الأمر بالتالي المنارة التي تشير إلى الطريق الذي يجب انتهاجه للعودة إلى حالة النمو المستدام. وفي العام 2007، استبدل مجلس الإدارة نارديللي بفرانك بليك (Frank Blake). وفي اليوم الأوّل لفرانك في وظيفته، خاطب جميع الموظفين مستخدماً القناة التلفزيونية الداخلية لشركة هوم ديبوت، حيث استعمل اقتباسات مطوّلة من كتاب “البناء من الصفر” (Built from Scratch) من تأليف ماركوس وبلانك. وبالتحديد، سلّط الضوء على اثنين من الرسوم البيانية المستعملة في الكتاب. أحد هذين الرسمين كان يضمّ قيمهم الأساسية، في حين أنّ الرسم الثاني كان يمثّل مثلثاً مقلوباً يمنح مكان الصدارة للعاملين في الخطوط الأمامية في الشركة، وتحديداً في المتاجر، حيث يحصل التفاعل الحقيقي بين الزبائن والموظفين. وقد ركّزت مبادرات عديدة تبنّاها بليك على استعادة “جماعة المئزر البرتقالي”، من خلال موظفي المتاجر ذوي المعرفة والخبرة الواسعة الذين يمكن التعرّف عليهم بسهولة من لون المئزر الذي يلفّونه حول خصرهم، والذين ركّزوا على تحقيق مستويات رفيعة من خدمة الزبائن. وقد استفاد بليك من نصائح ماركوس حيث بدأ بالقيام بزيارات سرّية إلى المتاجر متنكّراً. وأثبتت هذه الخطوات نجاحها الكبير إلى حدّ أنّه طلب من كبار المدراء التنفيذيين لديه تبنّي نهج يقوم على الإدارة من خلال النزول إلى أرض الميدان، وهو نهج لم يكن أيّ منهم قد اتّبعه من قبل قطّ.

وكما هو حال لويد في شركة بيربيتشوال، بدأ بليك بعد ذلك بالتقليل من التعقيدات، وإعادة هيكلة الشركة، وإغلاق المتاجر الخاسرة مالياً، فقد كان هدفه الأساسي تقليص حجم الشركة لمساعدتها على النمو. كما زاد من حجم الصندوق المخصّص لعلاوات الموظفين بمقدار سبعة أضعاف، وأعاد توظيف بعض الموظفين القدامى، وطلب من مدراء المتاجر العودة إلى السياسة التي كانت مطبّقة في الحقبة التي سبقت ترؤس نارديللي للشركة والمتمثّلة بإعطاء أوسمة تقديرية للموظفين الذين كانوا يولون الزبائن اهتماماً استثنائياً.

قبل ثمانية أعوام، كانت شركة هوم ديبوت قد مرّت بحالة جمود وواجهت احتمال السقوط الحر. ولكن مع حلول نهاية العام 2015، وبفضل إحياء بليك لعقليّة المؤسِّسين، تمكنت الشركة من إعادة تحفيز موظفيها، وأعادت الطابع الشخصي المميّز للعلاقة مع الزبائن – وكان ذلك بمثابة عودة إلى المبادئ الجوهرية التي نقلت سعر سهم الشركة من حوالي 25$ في 2009 إلى أكثر من 130$ بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2015.

3 رسّخوا عقلية المالك في الشركة

يشتمل العامل الثالث المطلوب للخروج من حالة الجمود على فكرة في مجال الإدارة كانت قد ظهرت إلى حيّز الوجود قبل 40 عاماً، وهي “عقلية المالك” (Owner’s Mindset). وغالباً ما يسيء الناس فهم هذه الفكرة التي كانت قد صُمِّمت لترسيخ الإحساس بالانضباط والمساءلة بخصوص الميزانية، من خلال تحقيق التواؤم بين الموظفين والمساهمين. ففي غالب الأحيان، يتحوّل مضمون هذا المفهوم في نظر الناس ليعكس “عقلية المدير الحالي” القائمة على الخوف من حصول جمود حالي في الشركة واستنزاف مواردها، والخوف من فقدان الاهتمام بالابتكار، وبتقديم خدمة فريدة من نوعها للزبائن، وبإيلاء التقدير الكامل للموظفين العاملين على الخطوط الأمامية.

يركّز مفهوم “عقلية المالك”، في أفضل حالاته، على المدى البعيد، وهو يميل بشدة إلى السرعة والتحرّك. ويقوم على مبدأ تحمّل الموظفين المسؤولية عن تصرّفاتهم وعن الطريقة التي تُسْتَعْمَلُ بها الموارد. وتُعتبرُ قوّة عقلية المالك هذه سبباً أساسياً في صعود قطاع إدارة الأموال الخاصّة (private equity)، إذ جاء ذلك كردّ فعل على البيروقراطية وسوء إدارة التكاليف والتعقيد التي حاصرت العديد من الشركات الكبيرة. وعندما حلّلنا عوائد الصفقات التي أبرمت ضمن عدد من صناديق إدارة الأموال الخاصة وجدنا بأن الأقسام التي باعتها الشركات الكبيرة المدرجة في البورصة، والتي فقدت إدارتها على ما يبدو حوافز الملكية، قد كسبت لاحقاً ما يُقارب 50% أكثر من الأرباح الإضافية مقارنة مع الآخرين. وبعد أن استعادت صناديق الأموال الخاصة عقلية المالك، تمكّنت من زيادة السرعة في العمل، وتقليل البيروقراطية، وإجراء تقويم أكثر نقدية للأقسام والأعمال غير الأساسية، وتحسين عملية إدارة التكاليف.

من الأمثلة على ذلك شركة ديل (Dell)، وهي أفضل الشركات الكبيرة أداءً في تسعينيات القرن العشرين. فقد بدأت تدخل في حالة جمود بعد مرور عقد من الزمن، عندما أخذت بعض مزايا نموذجها الأسطوري في المبيعات المباشرة تقل. وقد تراجعت القيمة السوقية للشركة من 107 مليارات دولار في 1999 إلى 25 مليار دولار فقط في 2013، أي ما يمثّل تراجعاً بنسبة 77%. وعندما عاد مايكل ديل (Michael Dell) إلى منصب الرئيس التنفيذي، لتجديد الشركة التي كان قد أسّسها، استنتج بأنّ إدخال ما يريد من تغييرات على الشركة بفعالية يقتضي منه تحويل ديل من شركة مدرجة في البورصة إلى شركة خاصّة، وهذا ما فعله بالشراكة مع سيلفير ليك (Silver Lake) في العام 2013.

وقد قال مايكل ديل لنا ما يلي: “سوف أحوّلها إلى شركة خاصّة. لقد تمكّنا من تسريع الأمور بشكل مذهل، وبسّطنا هيكلية الاجتماعات، وقلّصنا عدد أعضاء مجلس الإدارة إلى ثلاثة أشخاص فقط، وزدنا من شهية المخاطرة لدينا. فعندما تتحدّث اللجان الكبيرة عن المخاطر، فهي تتحدّث عن اللجان المتخصّصة بالمخاطر، وعن أذى المخاطرة، وعن إجراءات التقليل من المخاطر، وردود أفعال المحلّلين. أمّا بالنسبة لنا، فالمخاطر تعني الابتكار والنجاح. لقد شعر موظفونا الذين يزيد عددهم على مئة ألف شخص بحماسة كبيرة للغاية عندما أحسّوا بأنّ الشركة قد عادت للتركيز على المدى البعيد”.

لقد حصل ارتداد إيجابي في علامات رضى الزبائن، بينما وصلت مستويات رضى الموظفين في شركة ديل إلى أعلى درجاتها في تاريخ الشركة. وقد عادت الأقسام الأساسية في الشركة إلى التفوّق في النمو على نظيراتها في هذا القطاع مجدّداً، بينما تنفق ديل استثمارات هائلة حالياً لتعيد تعريف نموذجها الخاص بالمستقبل على المدى البعيد.

ليس الانتقال من شركة مدرجة في البورصة إلى شركة خاصّة هو الوصفة الأنسب للجميع بطبيعة الحال. ومن الممكن غرس “عقلية المالك” دون إخراج الشركة من البورصة. وبوسع الشركات خلق عدّة تجارب نموذجية تُعتبرُ نسخة مصغّرة عن تجربة المالك. فعلى سبيل المثال، يمكن فعل ذلك من خلال منح امتيازات للعلامة التجارية (Franchises) وامتلاك أسهم مباشرة فيها، أو من خلال تشجيع الموظفين على إنشاء شركات صغيرة ناشئة على المستوى الداخلي يمكن الاستحواذ عليها لاحقاً. وبوسعهم تشجيع المستثمرين الذين يركزون على الاستثمار فيها في المدى البعيد، وربط أجور المدراء التنفيذيين ربطاً أوثق بمقاييس الأداء البعيد المدى كذلك. وبوسعهم تغيير توقيت الاجتماعات الداخلية لزيادة سرعة اتّخاذ القرارات (فبعض الفرق القيادية، على سبيل المثال، تعقد اجتماعات يوم الاثنين وتقوم بالمتابعة يوم الثلاثاء بهدف إزالة العوائق من طريق القرارات والإجراءات الهامّة). وبوسعهم البحث خارج الشركة عن شركاء ثوريين للدخول في شراكة معهم، وربّما الاستحواذ عليهم في نهاية المطاف. وبوسعهم إدخال مؤسسِّي شركات أخرى إلى الشركة من خلال عمليات الاستحواذ، والسعي إلى المحافظة عليهم وعلى روحهم وطاقتهم الريادية. كان هذا هو النهج الذي اتبعته شركات مثل سيسكو، وغوغل، وإيباي (eBay).

كانت شركة إيباي في بادئ الأمر قصّة نجاح كبيرة، وواحدة من أوائل شركات الانترنت التي وسّعت نشاطها بصورة جذرية، لكنّها عادت لتدخل في حالة جمود في أواسط العقد الأوّل من الألفية الجديدة – حيث وقعت ضحيّة لشركة أمازون وغيرها من المنافسين من شركات التجزئة العاملة على الانترنت، كما كانت ضحيّة لتنويع أنشطتها، ومن ضمن ذلك الاستحواذ على سكايب. وقد بدا بأنّ نموذجها القائم على مزادات التجارة الإلكترونية قد أصيب بالشيخوخة وأصبح ضعيفاً في مواجهة المنافسين، وهبط سعر سهمها من 59$ في 2004 إلى مستوى متدنّ بلغ 10$ في 2009.

عندما تولّى جون دوناهو (John Donahoe) منصب الرئيس التنفيذي لشركة إيباي، أدرك بأن تنشيط الشركة مجدّداً يتطلّب منه التخلّص من الأقسام والأعمال غير الأساسية، وإصلاح منصّة التجارة الإلكترونية في الشركة، والأهم من ذلك، الانتقال إلى التركيز على مجال آخر واعد في قطاع الابتكار هو التجارة عبر الهاتف المحمول. لكنّ الدخول بنجاح إلى عالم الهواتف المحمولة كان يستدعي منه ضخّ الطاقة في خط الابتكارات والقدرات الابتكارية في الشركة. وقد قال لنا بأنّ الطريقة الوحيدة التي كانت ستسمح لها بإدارة كلّ هذه الأمور هي “ملء إيباي بروّاد الأعمال الشباب”. وما دفعه إلى السير في ذلك الطريق هو رغبته  في العمل وفق الحقيقة العامّة القائلة بأنّ إدخال التحوّلات على الشركات التي أصيبت بالجمود غالباً ما يتطلّب الاستعانة بقوى خارجية وإدخالها إلى الشركة.

وبعد مرور فترة قصيرة على تولّي دوناهو لمنصبه، بدأ بالاستحواذ على شركات صغيرة يقودها مؤسسوها، بمعدّل شركة واحدة تقريباً كل ثلاثة أشهر. وهو لم يكن مهتمّاً فقط بالاستحواذات وبالابتكارات التكنولوجية، وإنّما أراد الاحتفاظ بمؤسِّسي هذه الشركات وبفرقهم، بحيث يمكنه دفعهم لتولي مناصب في القسم الأساسي للشركة. وقد أخبرنا دوناهو بما يلي: “العديد من هؤلاء المؤسِّسين يحبّون نهجنا، لأنهم قادرون على الابتكار على نطاق واسع ضمن إيباي، وبوسعهم عرض ابتكاراتهم على 130 مليون زبون في أنحاء العالم”.

كان أحد هؤلاء هو جاك أبراهام (Jack Abraham)، البالغ من العمر 25 عاماً، ومؤسِّس محرّك التسوّق ميلو (Milo) القادر على البحث في المتاجر عن السلع الأفضل سعراً. وفي أحد اجتماعات يوم الجمعة التي كان دوناهو يعقدها بصورة منتظمة مع قادة الشركة الذين يقل عمرهم عن 30 عاماً، رفع أبراهام يده واقترح إدخال ابتكار أساسي على الصفحة الرئيسة للموقع. وقد طلب دوناهو منه الذهاب وتحديد الموارد التي كان يحتاجها لاستكشاف الفكرة. وفي أعقاب الاجتماع مباشرة، بحث أبراهام عن أفضل خمسة مطوّرين في الشركة، ودعاهم لتناول طعام العشاء معه في تلك الليلة، وأقنعهم بأن يغادروا معه في صباح اليوم التالي في رحلة لمدّة أسبوعين إلى استراليا، حيث سيكونون في أبعد مكان منعزل عن المقر الرئيس للشركة في كاليفورنيا ليتفرّغوا للعمل على تطوير النموذج الأوّلى للصفحة الرئيسة للموقع.

النتيجة التي توصّلوا إليها في رحلتهم تلك، أذهلت دوناهو وفتنته. يقول دوناهو: “لو أنّني طلبت ذلك من فريق عادي متخصّص بالمنتجات، لعادوا إليّ بمئات شرائح “باوربوينت” وبإطار زمني يمتد عامين وبموازنة تبلغ 40 مليون دولار. لكنّ هؤلاء الشباب ذهبوا في رحلة بعيدة، وعملوا على مدار الساعة وعلى مدار أيام الأسبوع، وبنوا نموذجاً أولياً. هؤلاء الشباب يبنون. إنهم لا يقدّمون عروضاً على باور بوينت، بل يبنون وحسب”.

من الواضح بأنّ مقاربة دوناهو تُعتبرُ الأنسب للأسواق ذات الحركة السريعة، والتي تحتاج الشركات الراسخة فيها إلى إضافة التكنولوجيات وبناء القدرات الجديدة بشكل دائم. لم تكن هذه المبادرات جميعها بمثابة نجاحات دائمة. فتضاعف قيمة سهم إيباي خمس مرّات تحت إدارة دوناهو كان ناجماً عن أشياء عدّة، بما في ذلك نجاح باي بال (PayPal) وبيعها (حيث أنّ الوضعية المستقلّة التي تمتّعت بها باي بال قد عزّزت عقلية مؤسسِّها). ومع ذلك، فإنّها مثال واضح على قوّة فكرة الاستعانة بمالكي شركات من الخارج والاستفادة من طاقتهم وروحهم الريادية.

تُعتبرُ حالات الجمود التي تدب في الشركات أمراً فظيعاً يصيبها بالذعر. وإذا ما تمّ تجاهلها أو أسيء التعامل معها، فقد تقود إلى حصول انقلاب دائم في مسار الشركة. ولكن كما هو الحال في أيّ تحدّ كبير آخر، فإنّ حالات الجمود هذه يمكن أن يُنظرَ إليها بمثابة فرصة. فعندما أجرينا تحليلاً للوفورات في القيمة في البورصة، وجدنا بأنّ بعض أكبر القفزات في قيمة سهم شركة ما نحو الأعلى قد حدثت عندما اضطرت تلك الشركة إلى العودة إلى عملها الأساسي وإعادة تعريفه في سياق هذه العملية.  ويجب ألا يصاب  المدراء بالذعر عندما تحصل حالات الجمود، فالشركات التي تعيد تفعيل رسالتها الأساسية، وتجدّد اهتمامها الكبير بالميدان وبالخطوط الأمامية للشركة، وتغرس عقلية المالك في جميع أنحاء المؤسسة بوسعها أن ترتقي إلى مراتب جديدة أعلى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .