نم جيّداً لتكون قائداً أفضل

10 دقائق
دور النوم في القيادة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
المدراء بحاجة إلى قسط إضافي من الراحة قما دور النوم في القيادة؟ إليكم كيفية ذلك 

كم ساعة تنام كلّ ليلة؟ يعلم معظمنا بأنّ ثماني ساعات هو عدد ساعات النوم التي ينصح بها، ولكن مع زيادة حجم الالتزامات المهنية والأعباء العائلية والاجتماعية والتي تستهلك أكثر من 16 ساعة يومياً، قد يبدو من المستحيل الحصول على هذا القسط من الراحة. ولربّما تشعر بأنّك قادر على أن تعمل على ما يُرام لمجرّد أن تنام أربع أو خمس ساعات. ولعلك بتّ معتاداً على السفرات الجوية الليلية، والتغيّر في المناطق الزمنية، ووصل نهارين ببعضهما دون النوم ليلاً بين الفينة والأخرى. وربّما تكون من النوع الذي يتباهى حتى بحرمان نفسه من النوم.

إذا بدا كل ذلك مألوفاً بالنسبة لك، فاعلم بأنّك لست الوحيد في ذلك. ورغم تزايد أعداد المدافعين عن ضرورة النوم وتصاعد مرتبتهم – وفي طليعتهم أشخاص مثل أريانا هافينغتون وجيف بيزوس – إلا أنّ نسبة مئوية كبيرة من الأشخاص، والمدراء التنفيذيين الأميركيين تحديداً، لا يحصلون على القسط الكافي الذي يحتاجون إليه من النوم. ووفقاً لأحدث البيانات المستقاة من الاستطلاع الوطني الصحي، فإنّ نسبة الأميركيين الذين يحصلون على ما لا يزيد عن ست ساعات من النوم في الليلة الواحدة (وهو الحد الأدنى لقسط جيّد من الراحة ليلاً بالنسبة لمعظم الناس) قد ارتفعت من 22% في 1985 إلى 29% في 2012. وقد وجدت دراسة دولية أجراها مركز القيادة الإبداعية عام 2017 بأنّ هذه المشكلة تزداد سوءاً بين صفوف القادة حيث أنّ 42% منهم يحصلون على ست ساعات أو أقل من النوم في الليلة.

دور النوم في القيادة

لعلك تتفهّم أصلاً، وإلى حدّ ما، فوائد الراحة، ومساوئ عدم الحصول عليها. فالنوم يسمح لنا بتعزيز ذكرياتنا وتخزينها، واستيعاب تجاربنا العاطفية، وتعويض النقص في السكّر (وهو الجزيء الذي يشكّل وقود الدماغ)، والتخلّص من بروتين بيتا أميلويد (وهي الفضلات التي تتراكم لدى مرضى الزهايمر وتعوق النشاط الذهني).

وفي المقابل، فإنّ النوم غير الكافي والتعب يدفعان الإنسان إلى إطلاق أحكام سيئة وعدم التحكّم بنفسه، وتضعف قدراته الإبداعية. وعلاوة على ما سبق، فإنّ لذلك تأثرات ثانوية غير معروفة بما يكفي في المؤسسات. فقد أظهرت أبحاثي بأنّ الحرمان من النوم لا يؤذي الأداء الفردي فحسب: فعندما لا يحصل المدراء على القسط الكافي من النوم ليلاً، فإن خبرات موظفيهم وإنتاجيتهم تتراجع أيضاً.

كيف يحصل القادة على الراحة المطلوبة؟

ولذا كيف بوسعنا تحويل هذه المعلومات إلى تغيّر مستدام في السلوك؟ تتمثّل الخطوة الأولى بالنسبة للقادة المحرومين من النوم في أن يتعرّفوا على مدى الضرر الذي يترتّب جرّاء التعب – ليس فقط الضرر الذي يطالهم وإنما أيضاً الذي يطال من يعملون تحت إمرتهم. أمّا الخطوة التالية فهي اتباع بعض النصائح البسيطة والعملية والمدعومة بالأبحاث لضمان حصولهم على قسط أفضل من الراحة، وتقديم الأداء المتناسب مع إمكانياتهم، ودفع الناس الذين من حولهم إلى تقديم أفضل ما لديهم.

تعميم الضرر

تاريخياً، كان الباحثون قد وصفوا “الإشراف” بأنّه مستقر عبر الزمن – فبعض المدراء سيئون وبعضهم الآخر ليس كذلك. لكنّ أبحاثاً حديثة تشير إلى أنّ السلوك الفردي يمكن أن يتباين تبايناً هائلاً من يوم إلى آخر ومن أسبوع إلى آخر – ويمكن تفسير معظم هذا التفاوت بجودة النوم الذي يحصل عليه المدير. وقد وجدت الدراسات فعلياً بأنّه عندما يأتي المدراء إلى مكان العمل دون الحصول على القسط الكافي من الراحة فإنهم سيكونون أكثر ميلاً إلى فقدان صبرهم مع موظفيهم، وإلى التصرّف بطريقة مسيئة، وإلى أن يُنظر إليهم بوصفهم يتمتّعون بقدر أقل من الكاريزما. كما أنّ هناك احتمالاً أكبر أيضاً بأن يعاني مرؤوسوهم من الحرمان من النوم – بل وقد يتصرّفون حتّى بطريقة غير أخلاقية.

في دراسة أجريت مؤخراً، قسنا أنا وكريستيانو غورانا مقدار النوم الذي يحصل عليه 40 قائداً ومرؤوسيهم البالغ عددهم 120 شخصاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى التي أنيط بهم العمل معاً، إضافة إلى قياس جودة هذه العلاقات بين الموظف رئيسه في العمل. وقد وجدنا بأنّ القادة المحرومين من النوم كانوا أقل صبراً، وأكثر قابلية للانزعاج، وعدوانيين، الأمر الذي أفضى إلى علاقات أسوأ.

وقد توقعنا أن يتلاشى هذا التأثير مع مرور الوقت بعد أن يتعارف الناس، لكنه لم يتلاشَ. فالحرمان من النوم كان مضرّاً في نهاية الأشهر الثلاثة تماماً، كما كان في بدايتها. لكن القادة كانوا غير مدركين تماماً لهذه الديناميكية السلبية.

دور النوم في القيادة

وقد توصّلنا أنا ولورينزو لوسيانيتي، وديفاشيش بيف، ومايكل كريستيان إلى نتائج مشابهة عندما طلبنا من 88 قائداً ومرؤوسيهم أن يملؤوا استمارات مسحية يومية لمدّة أسبوعين. فقد اكتشفنا أنه عندما كان المدراء ينامون نوماً سيئاً، كانوا أكثر ميلاً إلى إبداء سلوك مسيء في اليوم التالي، الأمر الذي قاد إلى مستوى أدنى من التفاعل بين صفوف المرؤوسين. فعندما لا يشعر المدير بالراحة، فإنّ القسم بأكمله يدفع الثمن.

كما يؤثّر النوم في قدرة المدراء على إلهام المحيطين بهم وتحفيزهم. ففي تجربة أجريت عام 2016، أجرينا أنا وكريستيانو غورانا، وشاذيا ناومان، وديجون توني كونغ، تجربة تقوم على التلاعب في نوم عيّنة من الطلاب: فالبعض منهم سمح له بالحصول على قسط طبيعي من النوم الليلي، في حين طلب من أفراد عيّنة أخرى منتقاة عشوائياً أن يصحوا لساعتين إضافيتين بهدف حرمانهم من النوم. ثمّ طلبنا من كل مشارك أن يلقي خطاباً حول دور القائد، وسجّلنا هذه الخطابات، وأوكلنا إلى طرف ثالث مهمّة تقويم الكاريزما لدى المتحدّثين. وقد حصل الأشخاص الذين حرموا من النوم على علامات أقل بنسبة 13% ممّن كانوا في مجموعة الضبط. لماذا؟ كانت أبحاث سابقة قد أظهرت بأنّه عندما تبدر عن القادة عواطف ومشاعر إيجابية، فإن مرؤوسيهم يحسّون بشعور طيب ولذلك ينظرون إلى قادتهم على أنهم أشخاص يتمتّعون بالكاريزما. ولكن إذا لم نحصل على قدر كافٍ من النوم، فإننا سنكون أقل قدرة على الإحساس بشعور إيجابي وأقل قدرة على إدارة أمزجتنا أو تزييفها؛ إذ من الصعب جدّاً أن نخرج أنفسنا من حالة الغرابة الناجمة عن الأرق. علاوة على ما سبق، فإنّ القادة الذين يقللون من قيمة النوم يمكن ألا يؤثّروا سلباً على مشاعر أعضاء فريقهم فحسب بل على سلوكياتهم أيضاً. فقد أجريت أنا وكل من لورينزو لوسيانيتي وإيلي أوتري، وغريتشن سبريتزر سلسلة من الدراسات أطلقنا عليها اسم “التقليل من قيمة النوم” – وهي عبارة عن سيناريوهات يحاول فيها القادة أن يبلغوا مرؤوسيهم بأنّ النوم غير مهم. كان بوسعهم فعل ذلك من خلال ضرب مثال على هذه الحالة (على سبيل المثال، التباهي بالنوم لمدّة أربع ساعات فقط أو إرسال رسائل إلكترونية لها علاقة بالعمل عند الثالثة فجراً)، أو بوسعهم التأثير في عادات الموظفين مباشرة من خلال تشجيعهم على العمل أثناء ساعات النوم المعتادة (ربما من خلال انتقاد المرؤوسين على عدم الرد على الرسائل الإلكترونية المرسلة عند الثالثة فجراً، أو امتداح الموظفين الذين يعملون حتى ساعة متأخرة ليلاً). وقد وجدنا في دراستنا بأنّ الموظفين ينتبهون إلى مثل هذه الإشارات ويعدّلون سلوكهم بناءً عليها. وبالتحديد، فإنّ المرؤوسين العاملين تحت إمرة القادة الذين يضربون مثلاً يحتذى في عادات النوم السيء ويشجّعون عليها ينامون عادة لمدّة 25 دقيقة أقل ليلاً من بقية الناس الذين يقدّر مدراؤهم النوم، ويقولون بأنّ جودة رقادهم أقل.

ثمّة نتيجة إضافية – ولعلّها أقوى – توصّلنا إليها في هذا البحث ألا وهي أنّ تقليل القادة من قيمة النوم قد يدفع اتباعهم إلى التصرّف بدرجة أقل من الناحية الأخلاقية. فالقادة الذين امتنعوا بطريقة منهجية عن أخذ قسط من الراحة – بالمقارنة مع القادة الآخرين – صنّفوا موظفيهم على أنهم أقل ميلاً إلى فعل الشيء الصائب. ونحن نعتقد بأنّ ذلك لم يكن مجرّد إعطاء القادة المحرومين من النوم تقييمات أكثر قسوة لمرؤوسيهم؛ بل على الأغلب أن الموظفين كانوا فعلياً يتصرّفون بطريقة أقل من الناحية الأخلاقية كنتيجة للظروف السائدة في بيئة العمل أو نظراً لحرمانهم شخصياً من النوم. وكنا قد أشرنا في دراسات سابقة أن نقص النوم يرتبط ارتباطاً مباشراً بتراجع الأخلاقيات.

الحلول المهملة

لحسن الحظ، فإنّ هناك حلولاً لمساعدة القادة على تحسين جودة نومهم وعدد ساعاته. ويُعتبر العديد من هذه الحلول معروفاً جيداً، لكنّه غير مستغلّ بما يكفي، وتشمل الالتزام بوقت محدّد ومنتظم للخلود إلى النوم والاستيقاظ، وتجنّب تناول بعض المواد قبيل الذهاب إلى السرير (مثل عدم تناول الكافيين قبل سبع ساعات، وتحاشي النيكوتين قبل ثلاث أو أربع ساعات)، وممارسة التمارين الرياضية (ولكن ليس قبل الخلود إلى النوم مباشرة). إضافة إلى ما سبق، يمكن أن تساعد تمارين الاسترخاء والتأمّل واليقظة الذهنية في التقليل من التوتر، الأمر الذي يسهّل الاستغراق في النوم بسرعة.

ثمّة فرع بحثي جديد بدأ يُظهِر أهمية تغيير سلوكيات التعامل مع الهواتف الذكية أيضاً. فالميلاتونين هو مادة كيميائية حيوية مهمّة للاستغراق في النوم، لكنّ الضوء (وخاصّة الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الأجهزة) يحدّ من الإنتاج الطبيعي لهذه المادة. وفي بحث ركّز على مدراء الإدارة الوسطى، اكتشفنا أنا وكلوديانا لاناج، وراسل جونسون بأنّ الوقت الذي نقضيه في استخدام هواتفنا الذكية بعد التاسعة مساءً يكون على حساب نومنا، ممّا يقوّض تفاعلنا مع العمل في اليوم التالي. والنصيحة البسيطة التي يمكن أن نقدمها لكم في هذا الصدد هي التوقف عن النظر إلى شاشات أجهزتكم ليلاً. وإذا لم يكن ذلك ممكناً من الناحية العملية، فبوسعكم تجربة النظارات التي تفلتر اللون الأزرق. وقد توصّل بعض الباحثين إلى أنّ هذه النظارات يمكن أن تخفّف من التأثير على إنتاج الميلاتونين، ممّا يساعد الناس على الخلود إلى النوم بسهولة أكبر؛ وأنا حالياً في المراحل المتأخّرة من دراسة تبحث في مدى تأثير ذلك على تحسين محصلات عملنا أيضاً.

اقرأ أيضاً: بإمكانك أن تكون قائداً ناجحاً وأن تستمع بحياتك في الوقت ذاته

وقد بدأ القادة الفطنون أيضاً يراقبون طريقة نومهم، إمّا من خلال استعمال المذكّرات الشخصية أو أجهزة التتبّع الإلكترونية. لكن لا بدّ من توخّي الحذر: فمعظم أجهزة تتبّع النوم لم تخضع لتدقيق صارم للتثبّت من دقتها. (يمكن لجهاز فيت بيت (Fitbit) القيام بأشياء كثيرة، لكنها لا تنفع كثيراً لقياس النوم). وهناك العديد من التطبيقات الهاتفية تحديداً التي تقدّم مزاعم غير مثبتة في هذا الصدد. فهي على سبيل المثال، تزعم قدرتها على تحديد مرحلة النوم التي أنت فيها. ولكنّ بعض أجهزة المراقبة والرصد مثل (ActiGraph) التي تعتبر دقيقة للغاية يمكن أن تساعدك في تحديد ما إذا كنت تبالغ في تقدير عدد ساعات نومك (فنحن غالباً ما ننسى الأوقات التي نصحو فيها ليلاً) وإذا ما كانت هناك أنماط نوم بوسعك تغييرها. على سبيل المثال، قد تجد بأنك على الرغم من كونك تقضي سبع ساعات في الفراش، إلا أنك لا تنام فعلياً سوى خمس ساعات فقط وموزعة على فترات زمنية صغيرة. أو ربما تلاحظ بأنّ أوقات خلودك إلى النوم تنزاح إلى فترات متأخرة خلال عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي يقود إلى شعورك يوم الاثنين وهو أول أيام الأسبوع بشعور مشابه لذلك الذي ينتابك عند سفرك بالطائرة إلى بلد يقع في منطقة زمنية بعيدة حيث تجد نفسك مضطراً للعودة إلى الاستيقاظ في أوقات أبكر. هذه المعلومة يمكن أن تساعدك في إدخال تعديلات مثل الاستحمام بهدف الاسترخاء قبل الخلود إلى السرير على أمل أخذ قسط أكثر استدامة من الراحة، أو النوم في وقت أبكر ليلتي السبت والأحد.

غالباً ما يتجاهل القادة أيضاً أداتين أخريين: الأداة الأولى هي الحصول على علاج لاضطرابات النوم. فبحسب بعض التقديرات، يعاني ما يقارب 30% من الأميركيين من الأرق، وأكثر من 5% يعانون من “انقطاع النفس النومي”. والغالبية العظمى من الناس الذين يواجهون هذه المشاكل لا يخضعون للتشخيص أو المعالجة أبداً. فإذا كنت من أصحاب الوزن الزائد، ولديك رقبة سمينة، وتشخر، وتقضي وقتاً كافياً في السرير ليلاً ومع ذلك تظل تشعر بالتعب، فإنك ربما تعاني من “انقطاع النفس النومي”. وغالباً ما يكون الشركاء أو الأزواج هم أوّل من يلاحظ هذه الأعراض، لكنّ التشخيص الرسمي يتمّ عادة بعد دراسة للنوم تقيس مستويات الأوكسجين والأمواج الدماغية. عندئذ قد يوصف لك ارتداء قناع خاص ليلاً بهدف المحافظة على ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر؛ وبما أنّ هذه الأجهزة تبقي على مجريي الأنف والحنجرة مفتوحين، فإنها يمكن أن تقدّم مساعدة كبيرة لمرضى “انقطاع النفس النومي”.كبسولا الخلوات

أمّا بالنسبة لمن يعانون من الأرق، فإنهم عادة ما يدركون المشكلة لكن لا يعلمون كيف يعالجونها. وقد درسنا أنا وجاريد ميلر وصوفي بوستوك برنامجاً عبر الإنترنت يستعمل العلاجات السلوكية المعرفية لمكافحة هذا الاضطراب. وجدنا بأنّ المشاركين الذين أُشْرِكُوا في البرنامج عشوائياً تحسن نومهم، وحققوا قدراً أكبر من التحكم بالنفس، وأمزجةً أفضل، ورضى وظيفياً أعلى، وأصبحوا أكثر عوناً لزملائهم. لا يكلّف العلاج أكثر من بضع مئات من الدولارات للمشارك الواحد، ممّا يدل على العوائد الكبيرة المتحققة من هذا الاستثمار. وأنا حالياً في المراحل المبكرة من دراسة أخرى تهدف إلى قياس تأثيرات هذا العلاج على سلوكيات القائد والمحصلات التي تجنيها الأتباع، وأتوقع تحقيق نتائج إيجابية مشابهة.

الأداة الأخرى المهملة للحصول على قسط إضافي من الراحة هي القيلولة. ففي غالب الأحيان، ينظر القادة إلى الاستراحات المخصّصة للقيلولة على أنها وقت مخصّص للتكاسل وليس العمل. لكنّ الأبحاث تشير بوضوح إلى أنّ الإغفاءة لمدّة 20 دقيقة فقط يمكن أن تقود إلى استعادة كبيرة للطاقة وتحسّن جودة العمل. فالقيلولة القصيرة يمكن أن تسرّع المعالجة الذهنية، وتقلّل الأخطاء، وتزيد من القدرة على إيلاء الانتباه المستمر للمهام الصعبة في وقت لاحق في اليوم. وقد توصّلت إحدى الدراسات إلى أنّ ثمانية دقائق من النوم فقط خلال اليوم كافية لإحداث تحسّن كبير في الذاكرة.

ثمّة ثقافات عديدة خارج الولايات المتحدة الأميركية تبنّت القيلولة بوصفها نشاطاً طبيعياً ومرغوباً. ففي اليابان، يُنظر بإيجابية عادة إلى ظاهرة القيلولة في العمل والتي تسمّى إنيموري (Inemuri). كما أن قيلولة منتصف النهار تُعتبرُ ومنذ فترة طويلة جزءاً من الحياة العملية في إسبانيا. وقد بدأ بعض القادة الأميركيين الآن تبنّي هذا النوع من الراحة. توني شيه الرئيس التنفيذي لشركة زابوس (Zappos) هو من مؤيّدي القيلولة، كما أنّ مؤسسات مثل جوجل و “برايس ووتر هاوس كوبرز” (PwC PriceWaterhouseCoopers) وفّرت كبسولات (خلوات) للموظفين للقيلولة، بناءً على فهمها بأنّ أخذ استراحة لمدّة 20 دقيقة يمكن أن يزيد من فعالية هؤلاء وإنتاجيتهم لمزيد من الساعات الإضافية في ذلك اليوم.

الترويج للسلوكيات الصحيحة الخاصة بالنوم

بصفتك قائداً، فإنّك حتى لو أخفقت في الحصول على القسط الكافي من النوم لنفسك، فإنك يجب أن تنتبه إلى الترويج للسلوكيات الصحيحة الخاصة بالنوم. فموظفوك يراقبونك ليلتقطوا الإشارات منك حول الأشياء الهامّة. تجنّب التبجّح بأنك لا تنام بما يكفي، خشية أن تبعث إلى مرؤوسيك برسالة بأنهم هم أيضاً يجب ألا يعطوا النوم الأولوية التي يستحقّها. وإذا كنت مضطراً اضطراراً كبيراً إلى كتابة رسالة إلكترونية عند الثالثة فجراً، استعمل خيار الإرسال المتأخر بحيث لا تذهب الرسالة حتى الثامنة صباحاً. وإذا كنت مضطراً لقضاء الليل صاحياً في إحدى المرّات لإنجاز مشروع معيّن، لا تمتدح هذا السلوك بوصفه سلوكاً يُحتذى.

إذا كنت تريد نماذج مثالية للمدافعين عن النوم عليك برؤساء تنفيذيين من قبيل ريان هولمز من شركة هوتسويت (Hootsuite) الذي صرح قائلاً: (“ليس من المجدي أن تحرم نفسك من النوم لفترة طويلة من الزمن، مهما بدت الأشياء ملحّة”)؛ أو جيف بيزوس من أمازون عندما أعلن أن (“ثمانية ساعات من النوم تحدث فرقاً كبيراً بالنسبة لي، وأحاول أن أعطي الأولوية لذلك”)؛ وأريانا هافينغتون، الرئيس التنفيذي لشركة ثرايف غلوبال (Thrive Global) التي ألّفت كتاباً حول الموضوع.

من الواضح أنّك قادر على زيادة ساعات عملك إذا نمت أقل، ولكن تذكّر أن جودة عملك – وقيادتك لمرؤوسيك – سوف تتراجع في نهاية المطاف عندما تفعل ذلك، وغالباً ما يكون هذا التراجع من النوع غير الظاهر بالنسبة لك. فكما يقول بيزوس: “اتخاذ عدد ضئيل من القرارات الأساسية بشكل جيّد أهم من اتخاذ عدد كبير من القرارات. وإذا ما قلّلت من نومك، فإنك قد تحصل على ساعتين إضافيتين “منتجتين”، لكنّ هذه الإنتاجية قد تكون وهماً.” لا بل الأسوأ من ذلك هو أنك، وكما تشير نتائج أبحاثي، تؤثر سلباً على مرؤوسيك.

ولكن عوضاً عن ذلك، إذا أعطيت الأولوية للنوم فإنك ستصبح قائداً أنجح وقادراً على إلهام موظفيك لأداء عمل أفضل. فلا تحاول أن تعوق نفسك أو فريقك بعدم حصولك على قسط كافٍ من الراحة بسبب دور النوم في القيادة الفعالة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .