العزلة هي ميزة تنافسية في عالم مليء بالتشويش

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في فيلم “حرب النجوم”، يقدم كي غون جين، معلم الجيداي، نصيحة لآناكين سكايووكر، فيقول له: “تذكر دائماً، تركيزك هو ما يحدد حقيقتك”. هذه النصيحة هي ما نحتاجه اليوم في عالم العمل المليء بالتشويش المفرط.

بلا شك، استطاعت التكنولوجيا أن تفتح باب التطور بعدد لا يحصى من الطرق. ولكن هذه القوة ذاتها أدت إلى توليد بيئات عمل يغرق الموظفون فيها بسيل مستمر من الرسائل الإلكترونية والاجتماعات والأمور التي تسهم في تشويشهم. وفي عام 2010، أعلن إريك شميت، الذي كان آنذاك الرئيس التنفيذي في “جوجل” عن قلقه للعالم، فقال: “إن كمية المعلومات التي تتشكل كل يومين تعادل حجم المعلومات التي تشكلت منذ فجر التاريخ حتى عام 2003. وأنا أقضي معظم وقتي في التفكير أن العالم ليس مستعداً للثورة التقنية التي ستحلّ قريباً”. هل نحن قادرون على استيعاب كمية المعلومات والمحفزات وشتى أنواع التشويش المتدفقة علينا كل يوم؟

هناك عدد كبير من البحوث التي لخّصت المشكلة التي نواجهها مع هجمة المعلومات هذه. وكشفت البحوث التي أجرتها جامعة “لندن” أن معدل ذكاء الإنسان ينخفض بمقدار 5 إلى 15 نقطة عندما يقوم بعدة أعمال في وقت واحد. ويشرح ديفيد روك في كتابه “دماغك في أثناء العمل” (Your Brain at Work)، أن الأداء ينخفض بنسبة تصل حتى 50% عندما يركز المرء على مهمتين ذهنيتين في الوقت ذاته. وخلص البحث الذي أجراه كليفورد ناس، الأستاذ الشهير في جامعة “ستانفورد”، إلى أن مشتتات الانتباه تؤدي إلى خفض قدرة الدماغ على استبعاد الأمور التي لا علاقة لها بالعمل من الذاكرة النشطة.

لا يوجد حل سحري لمعالجة المشاكل المعقدة التي قادها إلينا عصر المعلومات. لكن هناك بعض النقاط الجيدة التي يمكننا البدء منها، وإحداها أمر غير متوقع بتاتاً: العزلة. فالقدرة على الابتعاد عن ضجيج العالم أمر أساسي للحفاظ على التركيز. وهو أكثر أهمية في مجتمع له طابع سياسي قوي يحرض عواطفنا باستمرار مسبباً بذلك دوام التأثيرات الإدراكية لمشتتات الانتباه.

في كتابنا “قُد نفسك أولاً” (Lead Yourself First)، عرّفنا أنا وراي كيثليدج، العزلة على أنها حالة ذهنية ومساحة تسمح للإنسان بالتركيز على أفكاره دون التعرض للتشويش، وتسمح للذهن بالعمل لمعالجة مسألة ما وحده.

تُعتبر القدرة على التركيز ميزة تنافسية في العالم اليوم. وإليكم بعض الأفكار عن كيفية الحفاظ على التركيز في أثناء العمل:

خصص فترات للعزلة ضمن جدول أعمالك

تعامل مع فترات العزلة كما تتعامل مع أي اجتماع أو موعد. فإذا لم تخصص وقتاً للعزلة ضمن جدول أعمالك وتلتزم بها، فسيمتلئ الجدول بأمور أخرى. يحتاج المرء إلى أن يكون مثل الكاتب هنري ديفيد ثورو، ويحدد لنفسه فترات عزلة تستمر 15 دقيقة يوزعها على جدوله، فهي شديدة الفعالية. إذا قضينا يوم العمل بأكمله في الاجتماعات والرد على الرسائل الإلكترونية، فلن يتبقى سوى مساحات ضئيلة في أدمغتنا للتفكير بالأمور الصعبة التي تشكل أساس اتخاذ القرارات الجيدة والقيادة.

فكر في أفضل استثمار لوقتك

لدى معظمنا اجتماعات لا ضرر من تفويتها، كما أننا لا نستثمر طاقاتنا بأكملها لأننا لم نخصص وقتاً للتفكير في أولوياتنا والتصرف بحزم تجاهها.

امتنع عن الأمور التي تشتتك

تحيط بنا مواقع التواصل الاجتماعي و”اليوتيوب” والاحتمالات اللانهائية على شبكة الإنترنت باستمرار. وتدعونا للضغط على روابط تأخذنا إلى مقطع فيديو أو مقال يستغرق 5 دقائق أخرى من وقتنا. تعرّف على الطرق التي تستخدمها الشبكة العنكبوتية لاستدراجك، ثم ضع حداً لذلك عن طريق الخروج من حسابات مواقع التواصل الاجتماعي خاصتك وحجب مواقع معينة خلال ساعات العمل، وخاصة المواقع التي تستخدمها للتسلية عندما يكون لديك 10 دقائق من الفراغ.

لا تنشغل عن تعلّم كيف تكون أقل انشغالاً

يُعتبر أحد أهم أسباب معاناتنا في الحفاظ على التركيز، هو أننا نملأ جداول أعمالنا بالتزامات أكثر من اللازم، ونمنح الأولوية للمهام المستعجلة لا الأعمال المهمة. إن فرص تطوير القيادة والتدريب موجودة لتعزيز قدرتك على فهم أفضل لنفسك والتفكير والنمو، فلا تسمح لإيقاع العمل بإعاقة فرص التطور الجيدة ولو من حين لآخر.

أنشئ قائمة الأعمال التي عليك التوقف عنها

تُعتبر عدد ساعات اليوم محدودة. ومع ازدياد الأمور التي يتعين عليك القيام بها لا يمكنك الاستمرار في تكديس المزيد من الأعمال. تمنحك العزلة مساحة للتفكير بالأمور التي يمكن اعتبارها أفضل استثمار لوقتك، الأمر الذي سيمكّنك من الرؤية بوضوح من أجل تمييز الاجتماعات التي عليك التوقف عن حضورها واللجان التي يجب عليك الانسحاب منها والدعوات التي ينبغي أن تعتذر عن تلبيتها بلباقة. هذا ما كان جيمس كولينز، مؤلف كتاب “من جيد إلى عظيم” (Good to Great)، ينصح به الناس لسنوات عديدة.

لقد جعل حجم الاتصالات وإمكانية الوصول إلى المعلومات والأشخاص بلا قيود الحفاظ على التركيز أصعب من أي وقت مضى. وإليك حقيقة أخرى: لا تزال فرص التركيز متاحة بوفرة. ولكن عليك تمييزها والإيمان بأن فوائد التركيز التي تعود عليك وعلى الأشخاص الذين تقودهم تستحق أن تجعله أولوية في حياتك. وبصيغة أخرى، عليك أن تقود نفسك أولاً قبل أن تقود الآخرين.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية التنافسية مايكل بورتر

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .