هل يستطيع مارك زوكربيرغ إعادة بناء الثقة في “فيسبوك”؟

14 دقيقة
إعادة الثقة في فيسبوك
shutterstock.com/Ink Drop
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مقابلة عن إعادة الثقة في فيسبوك مع بيل جورج، أستاذ كلية “هارفارد للأعمال”، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق لشركة “ميدترونيك” (Medtronic).

استمع إلى هذا البرنامج الصوتي (البودكاست) واشترك فيه عبر “آبل بودكاستس” (Apple Podcasts) | “جوجل بودكاستس” (Google Podcasts) | “آر إس إس” (RSS)

عندما تبين أن شركة “كامبريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica) استطاعت الوصول إلى بيانات 87 مليون حساب على فيسبوك في مارس/آذار 2018، واجه الرئيس التنفيذي لشركة “فيسبوك” مارك زوكربيرغ “لحظة اختبار قاسية”، كانت بمنزلة مرحلة جديدة في حياته من شأنها أن تشكّل شخصيته كقائد. يناقش بيل جورج، دراسة الحالة التي قدّمها بعنوان “فيسبوك يواجه أزمة ثقة” (Facebook Confronts a Crisis of Trust)، والتي تتطرق إلى الأسلوب الذي تعامل به زوكربيرغ مع الأزمة، وأهمية كسب ثقة المستخدم والحفاظ عليها، ودور الشركات في حماية الخصوصية، وإيجابيات التنظيم وسلبياته.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص

بريان كيني: أقدم لك مثالاً افتراضياً، تخيل أنك جالس في المقهى المفضل لديك بينما يسحب مراهق أحد الكراسي ويطلب منك أن تشاركه مجموعة من البيانات الشخصية. يريد أن يعرف تاريخ ميلادك، ونوع الطعام الذي تحبه، والمكان الذي تذهب إليه في الإجازات، واسم الشخص الذي انتخبته، والأشخاص الذين تقضي وقتك معهم. ويعدك أنه لن يشارك هذه البيانات مع أي أحد. حقاً؟ هل ستثق به؟ حسناً، 2.3 مليار من مستخدمي الفيسبوك حول العالم يثقون به، ولكن أحد الأشياء التي نعرفها عن الثقة هو أنّه يصعب كسبها، والأصعب من ذلك هو الحفاظ عليها. وفقاً لمؤشر إيدلمان للثقة (Edelman’s Trust Barometer)، فإن ثقة الجمهور في وسائل الإعلام التقليدية عند أعلى مستوياتها في العقد الماضي بواقع 66%. ولكن الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي تنخفض إلى حوالي 43%، وقد أصبحت مسألة كسب ثقة الجمهور أكثر صعوبة من أي وقت مضى، ونحن نعيش في زمن الأخبار الكاذبة والانتخابات غير النزيهة والبيانات الاحتيالية. سنستمع اليوم إلى الأستاذ بيل جورج، حول دراسة الحالة التي قدّمها بعنوان “فيسبوك يواجه أزمة ثقة” (Facebook Confronts a Crisis of Trust). أنا مقدّم البرنامج، بريان كيني، وأنتم تستمعون إلى “كولد كول”. بيل جورج هو خبير في القيادة، ويقوم بتدريس هذا الموضوع ويكتب عنه باستفاضة في العديد من الكتب والمقالات ودراسات حالة العمل. وكان يشغل سابقاً منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “ميدترونيك”. مرحباً بك يا بيل.

اقرأ أيضاً: وسائل التواصل الاجتماعي مناسبة للمبيعات فيما بين مؤسسات الأعمال أيضاً

بيل جورج: شكراً لك. يسرني وجودي معك.

بريان كيني: نحن هنا للحديث عن حالة مقتبسة حرفياً من عناوين الأخبار. يبدو أن الأخبار عن فيسبوك ما زالت تتوارد حتى يومنا هذا منذ سنة على الأقل. إنها موجودة طوال الوقت.

بيل جورج: بالتأكيد هي كذلك، وهذا الأمر مستمر حتى هذه اللحظة.

بريان كيني: أشكر لك تخصيص بعض الوقت للحديث حول هذه الحالة، ونحن سعداء باستضافتك اليوم لأنك قمت بتدريسها في هذا الأسبوع بالتحديد. أنا متأكد أننا سنسمع بعض الرؤى الثاقبة والملحوظات التي تكونت لديك من مناقشة هذه الحالة مع الطلاب، ولكن يمكن أن تبدأ بإخبارنا عما دفعك لكتابة هذه الحالة.

بيل جورج: حسناً، أذاعت صحيفة الغارديان خبر اختراق شركة “كامبريدج أناليتيكا” لموقع فيسبوك وتسريب بيانات المستخدمين وأصدقائهم في شهر مارس/آذار الماضي. وفي ذلك الوقت كنا نقوم بالإعداد لبرنامج مع مجموعة تضم حوالي 60 من الرؤساء التنفيذيين الذين أتوا هنا في يونيو/حزيران، وأردت أن أجهز حالة للمساعدة في استهلال تلك الجلسة التي تُعقد على مدار يوم واحد. وبدا ذلك الموضوع كشيء يمكن أن يكون محلّ اهتمام الجميع، وكيف تحمي البيانات؟ كان الكثير من الحديث يدور حول الأمن السيبراني والاختراق، إلى جانب وجود أشخاص يكسبون مبالغ طائلة من استخدام البيانات. أصبح ذلك موضوعاً مثيراً للغاية، وكان هذا هو سبب كتابتي للحالة.

بريان كيني: هل تستخدم “فيسبوك” يا بيل؟

بيل جورج: أجل. لديّ حوالي 30,000 متابع على “فيسبوك”، ولكن الموقع المفضل لدي هو “لينكد إن” (LinkedIn) لأن الجميع يكشفون عن هويتهم من ناحية مؤهلاتهم التعليمية وشركاتهم، حيث إنهم موجودون على الموقع للحديث بصورة موسعة عن القيادة؛ لأنهم يريدون التقدم في أدوارهم القيادية.

بريان كيني: جميعنا نستخدم منصة أو أكثر، ونقدِّم يومياً الكثير من البيانات حول أنفسنا بطرق مختلفة. لذا أظن أن هذه الرسالة أتت في الوقت المناسب، حيث يفكر الناس في أمور مثل انتحال الشخصية وتسريب البيانات وكيفية استخدام بياناتهم بطرق مختلفة. يقفز “فيسبوك” إلى الواجهة، سواء أكان مثالاً جيداً أم سيئاً أم محايداً بشأن ما يستطيع الأشخاص تعلمه عن مسؤوليتهم كقادة أعمال. وأعتقد أننا سنتطرق إلى ذلك بصورة أوسع مع استمرار الحالة.

بيل جورج: بدأت درس الأمس بطرح سؤال: “إذا كان لديهم أكثر من ملياري مستخدم سنوياً، فكم عدد الذين يعرفون من بين هؤلاء المستخدمين أن هذه البيانات يجري استخدامها وبيعها؟”. يُوضع المستخدمون في تصنيفات كما نرى في الحالة أسفل التفاصيل مباشرة، حتى يستطيعوا تحديد هويتك بدقة.

بريان كيني: دعنا نتناول بداية الحالة. كيف كانت اللحظة الحاسمة التي بدأت بها هذه الحالة؟

بيل جورج: حسناً، من الواضح أن الأمر بدأ مع الخبر المنشور في صحيفة الغارديان، الذي فاجأني كثيراً، وأردت أن أسأل الطلاب حول اعتبار مارك زوكربيرغ شخصية عامة بارزة. تجد أخباره في كل صحيفة، في كل يوم. وتجده في البرامج التلفزيونية والإعلام. هو يريد أن يكون شخصية عامة. وفجأة ربما يواجه أعظم تحدّ واجهه في وسائل الإعلام، ويختفي مدة خمسة أيام. حسناً، قبل كل شيء، أنا درَّست كثيراً. وكتبت كتاباً بعنوان “سبعة دروس للقيادة في زمن الأزمات” (Seven Lessons for Leading a Crisis). إذا كنت قائداً وتتعامل مع أزمة، فعليك أن تخرج على الملأ مباشرة. وفوراً. قام هوارد شولتز بصحبة كيفن جونسون بذلك عندما وقعت حادثة اعتقال رجلين أميركيين من أصول أفريقية من أحد فروع “ستاربكس” في فيلادلفيا، حيث سافر إلى هناك في نفس اليوم، ولسانه حاله يقول: “هيّا نركب على متن طائرة ونذهب إلى فيلادلفيا”. ولكن، كيف لمارك أن يختفي مدة خمسة أيام؟ وكذلك الأمر بالنسبة لشريكته شيريل ساندبيرغ. وأصبح الأمر أكثر سوءاً، حيث كان من المقرر في اليوم الرابع أن يجري لقاءً مفتوحاً، يذهب إليه في كل شهر. هذا لقاء مفتوح عالمي، يُبث بالفيديو إلى جميع أنحاء العالم. أرسل نائب مستشاره العام إلى اللقاء، واعتقدت أن هذه أمور غريبة. لم يكن لديه إجابات. أتساءل لماذا تجعل الناس يتحدثون عن ذلك. وكقائد، لماذا كانت ردة فعلك بهذا الشكل؟ لماذا تختبئ تماماً في الوقت الذي يريد فيه الجميع أن يسمعوا تعليقك؟ ولماذا ترسل نائب مستشارك العام؟

بريان كيني: هذه نقاط جيدة. وأعتقد أن بعضاً منها تعود إلى السمعة التي تمتع بها مارك زوكربيرغ على مر سنوات. فعلى الرغم من حبه لبريق الشهرة بشروطه الخاصة، فقد كان قائداً غامضاً. دعنا نذكِّر الناس أن فيسبوك موجود منذ.. أعتقد أنه أصبح متاحاً للجمهور في عام 2006. لذا فهي شركة شابة نسبياً، وتعد إحدى الشركات التي شهدت نمواً هائلاً. تتطرق الحالة إلى بعض تفاصيل نمو الشركة على مدار السنوات. هل يمكنك أن تسرد لنا بعض هذه التفاصيل؟

بيل جورج: حسناً، كان نمو فيسبوك مذهلاً. بدأ كموقع للمواعدة هنا في هارفارد، عندما كان مارك في السنة الجامعية الأولى، ثم وجد فرصة للانتقال إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة ليقوم بتوسعة نجاحه الاستثنائي. أعتقد أن ثمة ملايين الناس، حرفياً، يريدون أن يصبحوا مارك زوكربيرغ التالي. وأنشئت الكثير من الشركات منذ ذلك الحين، وهذا مُلفت للنظر. كان النجاح المالي مذهلاً، وقد استطاعوا تطوير نموذج الإعلانات هذا بطرق تفوقت على توقعات الجميع. فكّر في الأمر، يوجد سبعة مليارات ونصف مليار شخص في هذا الكوكب، ولدى فيسبوك ثلث هؤلاء؟ أعني أن.. هذا رائع. هذا أمر لا يُصدق.

بريان كيني: ما القرارات الجوهرية التي اتخذوها خلال مسيرتهم؟

بيل جورج: من ناحية بناء عملهم، قاموا بالتوسع ومنحوا الجميع حرية الوصول. ما لم يعلمه الناس هو أن ذلك كان مقابل وضع البيانات في تصنيفات. ومؤخراً كتب مارك بياناً للدفاع عن نفسه في صحيفة وول ستريت جورنال، قال فيه: “نحن لا نقوم ببيع بياناتكم”. هذا حقيقي بالفعل، ولكنهم يصنفونك إلى درجة أنهم قد يمتلكون ملفاً عن الشخصية يعتبرك شخصاً عصبياً أو عدوانياً للغاية، ويتم تصنيفك على هذا النحو حتى يستطيع المعلنون شراء هذه البيانات. المعلنون يحبون ذلك. لديهم الآن شريحة محدودة جداً. وهم يعلمون بالضبط نوع الزبون الذي ينظرون إليه ويمكنهم الذهاب إليه مباشرة. وبالطبع، خضع هذا آنذاك لعوامل أخرى مؤثرة مثل النفوذ الروسي، ولكنني شعرت أن ذلك يتجاوز “كامبريدج أناليتيكا” إلى حد بعيد. فهو يصل إلى قلب نموذج عمله، وما خطر ببالي بالطبع عندما كنت أصف هذا هو “هذا لا يتعلق “بكامبريدج أناليتيكا”، بل بنموذج عمل “فيسبوك” “. هذا هو السبب الوحيد الذي يدفعك للاختباء خمسة أيام. مارك لم يمتلك إجابة عن ذلك.

بريان كيني: برأيك ما المشكلات التي تتعلق بنموذج العمل؟

بيل جورج: هؤلاء الأشخاص الذين هم أكثر من ملياري شخص لا يعرفون أنه يجري تصنيفهم. إذا نظرت في جميع التفاصيل، تقول إحدى النساء في الفصل بالأمس: “حسناً، ملأت جميع أوراق المواد البالغ عددها اثنتي عشرة ورقة، وقرأت كل هذا”، والكثير من الناس سيفعلون ذلك، وخصوصاً الشباب والشابات. وهم يشاركون جميع أنواع البيانات الشخصية للغاية حول علاقاتهم الشخصية. لا يبدو الأمر وكأنهم سيخرجون ويشترون قميصاً أو معطفاً جديداً. إنهم يشاركون بيانات شخصية إلى أبعد الحدود، وربما لا تريد أن يتم تصنيف تلك البيانات عنك، ولكن الناس يفعلون ذلك. هذا هو ما يقلقنا. فحتى لو أحب المعلنون هذا الأمر، ألا يجب أن يعرف الجميع هذا بشكل واضح؟

بريان كيني: هذا غياب فعلي للشفافية.

بيل جورج: عندما كنت أكتب هذه الحالة، كنت في أوروبا بسويسرا في شهر مايو/أيار، وصدرت التشريعات التنظيمية الأوروبية والنظام الأوروبي العام لحماية البيانات (GDPR)، وكان علينا أن نصادق على كل هذا الذي لا بد لكم أيها الناس من المصادقة عليه بشكل صريح. إذاً، قمت بالمصادقة على “جوجل” وكان عليكم المصادقة على “فيسبوك” إذا أردتم استخدام الموقع. ومضى الأوروبيون قدماً في اللائحة التنظيمية لأنهم شعروا بهذه المشكلة.

بريان كيني: يبدو أن الولايات المتحدة تبدأ في المضي في ذلك الاتجاه أيضاً، وقد تكون حادثة “فيسبوك” هذه بمنزلة الحافز الذي يدفع الولايات المتحدة في هذا الطريق بسرعة أكبر مما قد تكون عليه الأمور لو لم يحدث ذلك.

بيل جورج: حسناً، أتفق معك بكل تأكيد. نحن نميل إلى عدم الترحيب باللوائح التنظيمية هنا. ولكنني ظننت أن الشيء المثير للاهتمام على وجه خاص أثناء تسليط الضوء على ذلك في الحالة هو أن تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة “آبل”، خرج وقال: “هذا خطأ”. وقال بالضبط: “الخصوصية هي أحد حقوق الإنسان”. وحظيت بفرصة اللقاء معه ضمن مجموعة صغيرة في يونيو/حزيران، وجلست بجانبه، وكنا حوالي عشرة أشخاص في الغرفة. كان واضحاً للغاية، وشغوفاً حول هذا الأمر، حيث قال: “لدينا جميع أنواع البيانات عنكم من أجهزة الآيفون. لن ننظر إليها أبداً. وأي شخص يفعل ذلك يتم طرده”. إذاً، لديهم نظرة مختلفة تماماً. الآن، قد تقول إن آبل تبيع منتجاً، والمنتج الوحيد الذي تملكه “فيسبوك” هو موقعها الإلكتروني. وبالعودة إلى حيث بدأت أنت، سأقول: إن المنتج الوحيد الذي تملكه آبل هو الثقة، ولهذا أطلقنا على الحالة اسم “فيسبوك يواجه أزمة ثقة” (Facebook Confronts a Crisis of Trust) لأنك إذا خسرت تلك الثقة، فلن يكون لديك أي شيء.

بريان كيني: توجد شركات أخرى تمتلك نماذج عمل مشابهة نوعاً ما. إذا نظرت إلى شركتي “جوجل” و”أمازون”، فإن كلتيهما تمتلكان أكواماً هائلة من البيانات عن زبائنهم ومستخدميهم. وهم لم يجدوا أنفسهم في مثل هذا الوضع.

اقرأ أيضاً: أحد مؤسسي تويتر يتحدث عن صناعة الفرص بدل انتظارها

بيل جورج: ثمة أمران يجب التوقف عندهما. كان لدينا أشخاص من “جوجل” و”أمازون” في قاعة الفصل يوم أمس. أولاً، أنا أشتري الكثير من الكتب من “أمازون”، ويوجد ملايين الكتب هناك، وهم يساعدون في جمع أنواع الكتب التي قد تحظى باهتمامي، وأنا أحب تلك الخدمة حقاً. وإذا أعدتُ النظر في مثالي، فأنا أنظر على الإنترنت إلى بائع تجزئة بحثاً عن قميص معين، ولا أبالي إذا أرسلوا لي إعلانات عن قمصان لأنهم يعلمون أنني أبحث عن ذلك. هذا مختلف جداً عن كوني أبحث عن طبيب معالج، أو أنّ طفلي بحالة صحية سيئة جداً، أو هل أريد أن يعرف صاحب العمل كل هذه الأشياء التي تحدث؟ وأعتبر ذلك في خانة بيانات مختلفة تماماً.

بريان كيني: إذاً دعنا نتحدث قليلاً عن نموذج القيادة في “فيسبوك”. لديك مارك زوكربيرغ، الذي يعتبر المؤسِّس والرئيس التنفيذي. ولديه شيريل ساندبيرغ. ومن المحتمل أنهما الشخصان الأبرز في الشركة، ولكن من الأشخاص الآخرون الذين يتابعون الأمور هناك كما كانت عليه في السابق؟

بيل جورج: مارك يتمتع بسلطة مطلقة. فهو يمتلك أكثر من 50% من حصص التصويت، وأنت تذكر ما قاله اللورد أكتون: “السلطة تؤدي إلى الفساد. والسلطة المطلقة تؤدي إلى الفساد المطلق”. أعتقد أنّ مارك وقع في شيء اسمه الغرور. من الصعب تحديد معنى تلك الكلمة، ولكنني أعتقد أنه نسي نفسه في نجاح الشركة وسلطته الخاصة، وبهذا فإنه لا يصغي فعلاً إلى الأشخاص الآخرين. كتبت ذلك في كتاب قبل ثلاث سنوات ونصف. اعتقدت أنه يستمع إلى أشخاص مثل دونالد غراهام من صحيفة واشنطن بوست، ولكنني أعتقد أنه كمّم الكثير من هذه الأفواه الآن ولم يتبع طرقهم الخاصة. وأعتقد أن ذلك ازداد بوتيرة سريعة جداً. يبدو قليلاً مثل وحش فرانكنشتاين الذي خرج عن السيطرة، وثمة الكثير من الأمور التي تحدث في الخارج، وهو يلتزم وضعية دفاعية ويحاول إيجاد المواقع التي استغلت ثغرات “فيسبوك”، بدلاً من التركيز على تغيير نموذج العمل. وأعتقد أنه يشعر بأنه محاصر، ولا أظن أنه يستمع حقاً. قال أعضاء سابقون في مجلس إدارة شركة “فيسبوك” إن المجلس هو المدير في العادة. إنهم يتولون القيادة. هذا ما ندرِّسه هنا في كلية “هارفارد للأعمال”. ولكن في هذه الحالة، المجلس يمثل مستشاراً لأنه لا يستطيع القيام بشيء إن لم يرغب مارك في فعله. يمكنهم التصويت. وهذا ليس له معنى لأن مارك يتحكم في أكثر من نصف حصص التصويت. ولديه نوعان من الأسهم التي يتمتع حاملها بحق التصويت. وثمة أسئلة تثار حول ذلك. وبالتأكيد، في هذه الحالة، لا أعتقد أن هذا أمر جيد.

بريان كيني: تحدثنا سابقاً لأنك حضرت إلى البرنامج عدة مرات، وتحدثنا في حلقات البرنامج الصوتي عن مارتن لوثر كينغ، عن لحظات اختبار قاسية، كانت إحدى الأفكار التي كتبت عنها فيما مضى. فهل هذه لحظة اختبار قاسية لمارك زوكربيرغ؟

بيل جورج: كبيرة. إنها أكبر لحظات اختباره. من المحتمل أنه لم يمر بمثل هذه اللحظات من قبل. كانت الشركة مزدهرة، وهو الآن في بداية الثلاثينات من عمره، وفجأة يواجه شيئاً ما. والسؤال هو: متى سيعترف أنه لم يتعامل مع الأمر بطريقة جيدة؟ هذا هو السؤال. يتمثل الاختبار في أنك لا تستطيع تخطي ذلك حتى تعترف بتقصيرك. إذا طردتني من وظيفتي في مرحلة ما من الوقت، أستطيع النظر إلى نفسي في المرآة وأن أقول: “ماذا فعلتُ لأستحق الطرد؟” بدلاً من إلقاء اللوم على رئيسي. وطالما أنني أستطيع توجيه اللوم للغرباء.. ففي المقابلة التي أجراها مارك مع قناة “سي إن إن” بعد خمسة أيام، والتي نعرضها في الفصل ويُشار إليها في الحالة، يضع مارك كل اللوم على ألكسندر كوجان، وهو روسي يعيش في إنجلترا، استغل ثغرات “فيسبوك” بالنيابة عن “كامبريدج أناليتيكا”. وأعتقد أن هذا خطأ. أرى أنك إن كنت رئيساً، فعليك تحمل المسؤولية عن كل ما يحدث. أنت مسؤول ولا يمكنك الاكتفاء بإلقاء اللوم على أطراف أخرى.

بريان كيني: ما نوع التأثير الذي يُحدثه ذلك على الأشخاص الآخرين في “فيسبوك”؟ وهي شركة كبيرة. ويوجد الكثير من الأشخاص يعملون هناك. نعلم أن هذا جيل من الموظفين وجيل الألفية الذي يريد الانتماء إلى شيء ما، إلى شركة لها معنى وهدف. ربما شعروا أن ذلك هو المكان الذي يتوجهون إليه عندما بدأوا العمل مع “فيسبوك”. ولكن هل يؤثر هذا عليهم بطريقة ما؟

بيل جورج: نعم، بالتأكيد. وهو خسر قدراً ملحوظاً من الإيرادات، لأنك على حق، فهم كانوا يتبعون رسالة مارك وشغفه “دعونا نبني جسور التواصل بين الجميع في مختلف أنحاء العالم”. هذه رسالة لا عيب فيها، ولكن إذا تحولت هذه الرسالة إلى شيء أشبه بالمذهب، فهي خطيرة للغاية. أعتقد أنهم لم يقوموا بذلك، ولكنهم يوشكون على فعلها إلا إذا تراجعوا، وربما عليهم التوقف عن الركض خلف أسعار الأسهم والقيمة السهمية، وأعتقد أنهم لا يزالون يركضون خلفها حتى هذا الأسبوع، وأرى أنه قد يكون عليهم التراجع. ربما ينبغي ألا يكون لديهم مستخدمون كثر. قد يكون عليهم إزالة الكثير من هؤلاء المستخدمين وتنظيف موقعهم أكثر.

بريان كيني: أنت تعود وتنظر إلى ذلك القرار بخصوص طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام، الذي ربما حدث قبل أربع أو خمس سنوات.

بيل جورج: هذا ما حدث.

بريان كيني: هل كان ذلك خطأ؟ هل يقود ذلك إلى شيء من السلوك الذي نراه؟

بيل جورج: أقوم بتعليم الحوكمة، وأعمل في العديد من مجالس إدارة الشركات، وأستطيع أن أقول لك إنك بمجرد أن تتخذ قراراً بالتحول من شركة خاصة مملوكة بالكامل إلى طرح جزء من أسهم الشركة للاكتتاب العام، ستحصل على المال العام، وستحصل على أموال المستثمرين، وأموال المعاشات التقاعدية، وأموال الصناديق التحوطية، وستحصل على جميع أنواع المال العام. ولديك التزام تجاه هؤلاء المستثمرين، والأمر ليس بيدك لتفعل ما تريد فعله. لديك التزام عميق يتجاوز كل ذلك بكثير.

بريان كيني: لنفترض أن “فيسبوك” يريد أن يعيد كسب الثقة هنا. وهذه لحظة عظيمة للتعلم، بالمناسبة. أود الحديث عن الفصل ثواني معدودة. هل توجد أمثلة لشركات أخرى يمكن أن تخطر على بالك؟ أفكر في شركة “فولكس فاغن” (Volkswagen) وما مرت به خلال السنوات الماضية مع مشكلة الانبعاثات، والأكاذيب التي كانوا يتفوهون بها حول انبعاثات سياراتهم. هل توجد شركات أخرى كانت قادرة على التغلب على شيء مثل هذا؟

اقرأ أيضاً: أفكار القرن السابع عشر تزعزع شبكات التواصل الاجتماعي

بيل جورج: “فولكس فاغن” لم تتغلب على ذلك بالكامل. أحد تلاميذي عمل لصالح “فولكس فاغن”. وتحدث عن غرامات بقيمة 27 مليار دولار. مليارات، هذه مبالغ كبيرة. أتذكّر شهادة الرئيس التنفيذي لشركة “فولكس فاغن” في الولايات المتحدة أمام الكونغرس حيث قال إنه لا أحد يعلم بهذا الشأن سوى مهندسَين اثنين. وهذا ببساطة غير صحيح. الجميع علِم بشأن هذه المخالفات المرتكبة في اختبار الانبعاثات. إذاً، إذا قمت بعمل خاطئ، فمن الأفضل لك الاعتراف بذلك؛ لأن التستر سيؤدي إلى الإضرار بك كثيراً، وستفقد ثقة الجمهور. أضر ذلك بمبيعات “فولكس فاغن” بصورة جسيمة. إذا لم تكن صادقاً حول هذه المشاكل، فستضر بك بشكل كبير. جنرال موتورز. إنها مثال جيد لشركة مرت بمشكلة في مفتاح الإشعال، تولّت على إثرها ماري بارا قيادة الشركة. هي تقر بذلك وقالت: “إنها ليست مشكلة مع الأمان فحسب، سنقوم بإصلاحها. لدينا مشكلة ثقافية، وسنقوم بتصحيحها”. وقد قامت بذلك. وها نحن الآن، بعد خمس سنوات من توليها. لقد قامت بتغيير ذلك المكان بشكل ملحوظ، وهم الآن يحققون نتائج رائعة بسبب القيادة. أعتقد أنه قد حان الوقت ليتولى مارك زوكربيرغ وشيريل ساندبيرغ دفّة القيادة، فالصناعات لا تقوم بعمل جيد في تنظيم ذاتها، ولذلك لدينا هيئات تنظيمية. نحن لم ندع قطاع الأدوية ينظم نفسه. عليهم أن يحصلوا على مصادقة من إدارة الدواء والغذاء الأميركية على كل منتج. هذا شيء جيد. إنه يحمي الجمهور، تماماً كما كان على “ميدترونيك” (Medtronic) أن تحصل على مصادقة من إدارة الدواء والغذاء الأميركية على كل منتج يساعد في حماية الجمهور. أعتقد أنه قد حان الوقت لإصدار لائحة تنظيمية جيدة حول استخدام البيانات. المشكلة هي أن هذا المجال يتطور على نحو سريع، ويتقدم على نحو أسرع من فهم الهيئات الرقابية لما ينبغي أن تفعله. ومع وجود الذكاء الاصطناعي، فإن هذه المشاكل ستكبر بسرعة أضعافاً مضاعفة لتكون أكثر خطورة. إذا أرادت هذه الشركات الكبيرة الاستمرار في العمل، فسيكون عليها التصرف بطريقة تتسم بقدر كبير من المسؤولية. وفي الواقع، يمكن للائحة التنظيمية أن تساعد الشركات القوية.

بريان كيني: يبدو وكأنك بحاجة إلى توازن. أنت بحاجة إلى امتلاك بعض اللوائح التنظيمية المتوازنة، إلى جانب بعض الاستقلالية في العمل حتى تستمر هذه الشركات في الازدهار.

بيل جورج: بالضبط.

بريان كيني: وبالمناسبة، للزبائن كلمة في هذا أيضاً. لا أحد مُجبر على استخدام “فيسبوك”، فالناس يختارون الوجود على تلك المنصة. وقام كثير منهم بالخروج منها بعدما سمعوا عن هذه المشكلة. ولكن مع مرور الوقت تبدو هذه الأشياء وكأنها تتراجع قليلاً حتى تطفو المشكلات على السطح مرة أخرى. ناقشت هذا في الفصل يوم أمس.

بيل جورج: نعم.

بريان كيني: أفترض أن الجميع في ذلك الفصل ربما استخدموا فيسبوك بعض الوقت؟ ماذا كانت أنواع المواضيع التي لاحظت ظهورها في النقاش؟

بيل جورج: بعض الأشخاص كانوا غاضبين جداً، حتى إنهم شعروا بانتهاك حقيقي لخصوصيتهم. وأيد آخرون إصدار لائحة تنظيمية. ولم يحبذ آخرون اللوائح التنظيمية، ولكنهم أقروا أنها ضرورية. وبعضهم كانوا مرتبكين بشكل عام حول مسألة أن شخصاً ناجحاً مثل مارك زوكربيرغ يمكن أن يعجز عن التقدم والقيادة في مثل هذه الأزمة. تحدثنا بعمق حول هذا الموضوع وكنا قادرين على المقارنة بين القادة في بعض الشركات التكنولوجية الأخرى، وسبب امتلاكها نتائج مختلفة. تحدثنا إلى نطاق أوسع حول المسؤولية العامة للشركات عندما تمتلك ذلك القدر من القوة. فحسب خبرتي، إذا لم تتصرف الشركات على نحو مسؤول، فهي لن تؤدي إلى إصدار لوائح تنظيمية فحسب، بل ستهدد بتصفية الشركات وإقامة دعاوى قضائية ضد الاحتكار. كما تحدثنا عن أشياء أخرى كثيرة. تحدثنا عن عامل الإدمان، وخصوصاً لدى الأطفال. ألاحظ هذا عند أحفادي. يريدون البقاء على هذه الأجهزة طوال الوقت. وما الآثار المترتبة على ذلك؟ ونحن بصدد البدء في دراسة هذا، وكل شيء يأتي بسرعة شديدة. ولكن من ناحية أخرى، كما قلت لك، أنا من أشد المؤمنين بوسائل التواصل الاجتماعي. لدي 180,000 شخص أستطيع التواصل معهم بضغطات أزرار قليلة. أحب القيام بذلك. أحب مشاركة أفكاري حول القيادة وما أعتقد أنه مهم لتكون قائداً جيداً. لذا من الواضح أنني شاركت الكثير من الأشياء على “فيسبوك”، ولكنني أتحدث عن الكثير من الشركات الأخرى التي تقوم بأشياء جيدة وأشياء سيئة؛ لأن هذه هي الوظيفة التي أحاول القيام بها.

بريان كيني: تطرقت إلى وضع شركة “جنرال موتورز” وما وصلت إليه الأمور، أعني أنها تغيرت بشكل جذري بسبب وصول قائد جديد كان قادراً على تغيير الثقافة هناك. هل هذا هو الخيار الوحيد لدى “فيسبوك”؟ هل هذا هو الخيار الأفضل لشركة “فيسبوك”؟

بيل جورج: إنه سؤال جيد بالفعل. هل سيكون عليك امتلاك قيادة جديدة هناك؟ هم بالتأكيد يحتاجون إلى مجلس إدارة أقوى بكثير. يحتاجون إلى مجلس إدارة حقيقي، وليس مجموعة من المستشارين. أعتقد أن عليهم فتح الباب أمام المشاركة في رأس المال حتى لا تكون لمارك القوة المطلقة. أشك في أن يفعل ذلك. إذا لم يقم مارك بتولي القيادة، أعتقد أنه سيضطر إلى توظيف شخص ما لإدارة الشركة. ظننت أن شيريل بوسعها ذلك، ولكنها صارت أقل أهمية. لا أعلم لماذا.

بريان كيني: ربما ستكون ثمة حالة “ب” حول هذا الأمر يا بيل. يمكننا التحدث عنها في العام القادم.

بيل جورج: أعتقد أنه سيتوفر الكثير من المواد للحالة “ب”، والحالة “ج”. إنها ملحمة مستمرة. لن ينتهي الأمر هنا. لقد بدأت للتو.

بريان كيني: شكراً جزيلاً لانضمامك إلينا هذا اليوم يا بيل.

بيل جورج: شكراً لاستضافتكم لي. أسعدني ذلك.

بريان كيني: إذا استمتعتم ببرنامج “كولد كول”، عليكم الاستماع إلى برنامج “آفتر أورز”، حيث يتناول أعضاء هيئة التدريس في كلية “هارفارد للأعمال” التطورات الأخيرة التي تجمع بين عالم الأعمال والثقافة. يمكنكم العثور عليه على “آبل بودكاستس” أو أي منصة أخرى للاستماع. شكراً مرة أخرى لاستماعكم. أنا مقدّم البرنامج، بريان كيني، وقد كنتم تستمعون إلى “كولد كول”.

“إتش بي آر برزنتس” (HBR Presents) هي شبكة من البرامج الصوتية (البودكاست) يتولى تنظيمها محررو “هارفارد بزنس ريفيو”، ويقدمون لك من خلالها أفضل أفكار الأعمال من العباقرة في مجال الإدارة. الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال هي للكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن السياسة الرسمية “لهارفارد بزنس ريفيو” أو شركائها أو موقفهم تجاه أي من الأفكار المطروحة.

اقرأ أيضاً: القفزة النوعية للرؤساء التنفيذيين وشبكات التواصل الاجتماعي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .