كيف يمكن للإعلانات الموجهة والتسعير الديناميكي تكريس التحيز؟

4 دقائق
التسعير الديناميكي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرف على مفهوم التسعير الديناميكي من خلال هذا المقال.

من الناحية النظرية، ينبغي أن يكون إضفاء الطابع الشخصي على التسويق عرضاً يكسب فيه كلا الطرفين بالنسبة إلى الشركات والزبائن. ويمكن لتقنيات التسويق، بتوفير المزيج المناسب فحسب من أدوات الاتصال والتوصيات والتخفيضات – المصممة جميعها لتتوافق مع الأذواق الخاصة لكل فرد – أن تسفر عن تجارب مرضية للزبائن بصورة فريدة.

اقرأ أيضاً: كيف تخفض الخطوط الجوية متدنية التكلفة أسعار تذاكرها؟

في حين يمكن للمحاولات الخرقاء في إضفاء الطابع الشخصي أن تضفي على هذه العملية سمعة سيئة، فإن تقنيات الاستهداف آخذة في التطور بدرجة أكبر يوماً بعد يوم. وتجعل أوجه التطور في تعلم الآلة والبيانات الضخمة وإضفاء الطابع الشخصي أكثر جدوى وأقل تطفلاً وأقل إزعاجاً للزبائن. بيد أنه توجد مخاطر مستترة تصاحب أوجه التطور هذه، تتمثل في قدرة الأنظمة المؤتمتة على تكريس التحيزات الضارة.

التسعير الديناميكي

وقد درسنا، في بحث جديد أجريناه، استخدام التسعير الديناميكي والتخفيضات الموجهة، وتساءلنا في هذا البحث عما إذا كان من الممكن حدوث التحيزات وكيفية حدوثها إذا كانت الخوارزميات هي التي تحدد الأسعار التي يدفعها الزبائن. وتعتبر شركة “برينستون ريفيو” (Princeton Review) عِبرة يمكن الاستشهاد بها فيما يتعلق بهذا النوع من عمليات التسويق ذات الطابع الشخصي. ففي عام 2015، كُشف النقاب عن أن الشركة التي تقدم خدمات التحضير للاختبارات الدراسية كانت تفرض على الزبائن أسعاراً مختلفة حسب الأحياء والضواحي التي يقطنونها، وتصل الفوارق بين بعض المناطق إلى مئات الدولارات، على الرغم من أن جميع دوراتها التدريسية كانت تتم باستخدام تكنولوجيا التداول عن بعد. وفي المدى القصير، يمكن أن يبدو هذا النوع من أنواع التسعير الديناميكي كربح سهل لزيادة الإيرادات. بيد أن الأبحاث تُظهر باستمرار أن الزبائن ينظرون إليه باعتباره تسعيراً مجحفاً في صميمه، وهو ما يؤدي إلى تدني ثقتهم واعتزامهم إعادة الشراء. وفضلاً عن ذلك، فإن التحيز الذي كانت تمارسه شركة “برينستون ريفيو” ينطوي على العنصرية في أحد جوانبه، فقد أوضحت تحقيقات المتابعة الرفيعة التي أعلِن عنها لهذه القضية، والتي أجراها صحفيون يعملون في مركز الأخبار غير الربحي “برو بابليكا” (ProPublica)، كيف أن نظام الشركة كان، في المتوسط، يفرض بصورة منهجية أسعاراً أعلى على العائلات التي تنحدر من أصول آسيوية مقارنة بالعائلات الأخرى ذات الأصول غير الآسيوية.

بل إنه قد تعذّر على كبريات شركات التقنية وخبراء الخوارزميات تقديم خدمات ذات طابع شخصي للغاية وفي الوقت نفسه تجنب التمييز. وقد أوضحت العديد من الدراسات أن الإعلانات المتعلقة بفرص الوظائف مرتفعة الأجر على منصات مثل “فيسبوك” و”جوجل” يتم توفيرها بشكل غير متكافئ لمصلحة الرجال. وقد جرت مقاضاة شركة “فيسبوك”، خلال هذا العام فحسب، وثبت أنها تنتهك “قانون العدالة في الإسكان” (Fair Housing Act) بسماحها للمعلنين عن العقارات بتوجيه إعلاناتهم إلى الفئات المحمية بموجب القانون، بما في ذلك العِرق والنوع الاجتماعي والعمر وغيرها الكثير.

ولكن ما خطب خوارزميات إضفاء الطابع الشخصي ولماذا يعد من الصعب الجدال بشأنها؟ الإجابة هي أنه في بيئة العمل في الوقت الحاضر – التي تتسم بوجود برمجيات أتمتة التسويق، وإعادة التوجيه الآلي للإعلانات، ومنصات اختبارات أ/ب التي تعمل بصورة ديناميكية على تحسين تجارب المستخدمين بمرور الوقت، ومنصات الإعلانات التي تختار بصورة آلية قطاعات الجمهور المستهدف – تُتخذ قرارات العمل بصورة آلية دون الحاجة إلى الرقابة البشرية. وفي حين أن البيانات التي يستخدمها قادة التسويق لتقسيم زبائنهم إلى قطاعات ليست بيانات ديموغرافية في حد ذاتها، إلا أن هذه المتغيرات غالباً ما ترتبط بالخصائص الاجتماعية للزبائن.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر شخصية الرئيس التنفيذي على سعر أسهم شركته؟

ولفهم كيفية عمل هذه المنظومة، لنفترض أن شركتك تريد استخدام بيانات قديمة لتدريب خوارزمية على تحديد الزبائن الأكثر تجاوباً مع التخفيضات في الأسعار. فإذا كانت ملفات المعلومات الموجزة عن الزبائن التي تمد بها الخوارزمية تحتوي على سمات ترتبط بالخصائص الديموغرافية للزبائن، فمن المرجح بشدة أن ينتهي بك الأمر إلى الخروج بتوصيات مختلفة لمجموعات مختلفة من الزبائن. ولننظر، على سبيل المثال، في عدد المرات التي يتم فيها تقسيم المدن والأحياء إلى فئات إثنية واجتماعية، وفي عدد المرات التي يمكن أن ترتبط فيها بيانات التصفح الخاصة بالمستخدمين بمواقعهم الجغرافية (مثلاً، من خلال عناوين بروتوكول الإنترنت الخاصة بهم أو من خلال سجل البحث). ماذا لو أن المستخدمين في الأحياء التي يقطنها سكان من ذوي البشرة البيضاء كانت استجابتهم هي الأقوى لمجهوداتك التسويقية في الربع الأخير؟ أو ربما كان المستخدمون الذين يقطنون المناطق ذات الدخل المرتفع أكثر تأثراً بالتخفيضات في الأسعار. (من المعروف أن هذا يحدث في بعض الأحوال ليس لأن الزبائن ذوي الدخل المرتفع لا يمكنهم تحمل دفع السعر الكامل، بل لأنهم يتسوقون على نحو أكثر تواتراً عبر الإنترنت وينتظرون نزول الأسعار). ومن شأن الخوارزمية التي تم تدريبها على مثل هذه البيانات القديمة – حتى دون معرفة الأصل العِرقي للزبائن أو مستوى دخلهم – أن تتعلم منح المزيد من التخفيضات في الأسعار للزبائن ذوي البشرة البيضاء والزبائن الميسورين.

وللتحقيق في هذه الظاهرة، بحثنا في العشرات من تجارب التسعير الضخمة في مجال التجارة الإلكترونية لتحليل كيفية استجابة الأشخاص في شتى أنحاء الولايات المتحدة لمختلف عمليات التخفيض في الأسعار. وباستخدام عناوين بروتوكول الإنترنت الخاصة بالمستخدمين بصفتها تمثل تقديراً تقريبياً لمواقعهم الجغرافية، كان بوسعنا المطابقة بين كل مستخدم وبين منطقة من مناطق التعداد السكاني في الولايات المتحدة لتكوين فكرة عن متوسط الدخل في مناطق هؤلاء المستخدمين. وقد تأكدنا، بتحليل نتائج ملايين الزيارات إلى الموقع الإلكتروني، على غرار ما هو موضح في المثال الافتراضي السابق، أن الأشخاص الذين يقطنون مناطق ذات دخل مرتفع كانت استجابتهم للتخفيضات في التجارة الإلكترونية أقوى من الأشخاص الذين يقطنون المناطق الفقيرة، ونظراً لأن خوارزميات التسعير الديناميكي مصممة لتمنح عروضاً للمستخدمين الذين يرجح أن يستجيبوا إليها، فعلى الأرجح أن تقدم الحملات التسويقية، بصورة منهجية، أسعاراً أقل للأشخاص ذوي الدخل المرتفع من الآن فصاعداً.

اقرأ أيضاً: فن رفع الأسعار دون إزعاج الزبائن

ما الذي يمكن لشركتك فعله لتقليل هذه النتائج غير المرغوبة اجتماعياً؟ تتمثل إحدى الإمكانيات للتخفيف من حدة المخاطر الخوارزمية في الإشراف الرسمي على الأنظمة الداخلية لشركتك. ومن المرجح أن تكون “أعمال المراجعة على الذكاء الاصطناعي” على هذه الشاكلة عمليات معقدة، حيث إنها تتضمن عمليات تقييم للدقة والإنصاف وإمكانية الاستقراء وصلابة جميع القرارات الخوارزمية المترتبة لدى مؤسستك.

وفي حين أن القيام بذلك يبدو باهظ التكلفة في المدى القصير، قد يتضح أنه أمر ذو جدوى للكثير من الشركات في المدى الطويل. ونظراً لأنه من الصعب تعريف “الإنصاف” و”التحيز” بشكل عام، فإن الانخراط في عملية استخدام نظرة أكثر تكاملاً وشمولية للبحث عن أوجه الإجحاف الخوارزمي في أنظمتك من شأنه زيادة احتمالات معالجتك السليمة للجوانب السالبة قبل أن تتفاقم. وبالنظر إلى التعقيدات الاجتماعية والتكنولوجية والقانونية المرتبطة بالإنصاف الخوارزمي، فمن المرجح أن يصبح من المعتاد وجود فريق يتكون من الخبراء المدربين داخلياً أو خارجياً يحاول اكتشاف المشكلات المستترة والثغرات في أساليب العمل التي تعتمد على أتمتة عمليات اتخاذ القرارات.

وحيث إن أوجه التطور في تعلم الآلة تواصل صياغة نظامنا الاقتصادي، ومع ازدياد قلقنا بشأن التسعير الديناميكي والتفاوت في الثروة والعدالة الاجتماعية، يجب على قادة الشركات أن يكونوا مدركين للسبل التي يمكن أن تُلحق بها القرارات المؤتمتة الضرر بزبائنهم ومؤسساتهم على حد سواء. وقد أضحى إيلاء الاعتبار لمدى ممارسة الحملات التسويقية المؤتمتة التمييز ضد المجموعات الاجتماعية والإثنية أمراً أكثر أهمية من ذي قبل. وسيكون المدراء الذي يتنبؤون بهذه المخاطر ويتصرفون وفقاً لها هم المدراء الذين يهيئون شركاتهم لتحقيق النجاح في المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: عندما يرضى ويعترض العملاء على شخصنة الأسعار

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .