استراتيجية تساعد فريقك على إنجاز ما هو أكثر من الوفاء بالمواعيد النهائية للمهام

6 دقائق
إنجاز العمل في الوقت المحدد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليكم هذه القصة التي تتحدث عن إنجاز العمل في الوقت المحدد له. إنها التاسعة من صباح يوم الأحد، وقد وصلت لتوك إلى مقر عملك. وقائمة أعمالك لهذا الأسبوع طويلة: فهي تتضمن الرد على رسائل البريد الإلكتروني والاتصال بالعملاء وحضور الاجتماعات والبحث عن احتياجات العميل وكتابة مقترح وتحديث خطة مشروع والاطلاع على التطورات الجديدة في مجالك، ولا يبدو أن لهذه القائمة نهاية.

إذن ففي زحام هذه المهام الكثيرة، ما المهام التي يجب أن تنجزها أولاً؟

كيفية إنجاز العمل في الوقت المحدد

الطريقة التي كثيراً ما يتبعها أغلبنا بشكل تلقائي هي البدء بالمهام الأسهل في التنفيذ، أو الأقرب من حيث موعد الانتهاء، بغض النظر عن أهميتها – وهي ظاهرة يصفها الباحثون باسم تأثير “الإلحاح البحت”.

في عام 2018، وثق الباحثون هذا التأثير عبر خمس تجارب، إذ طلبوا من المشاركين في إطار هذه التجارب أن يتخذوا قرارات مفاضلة بين مهام اختلفت في درجة إلحاحها (موعد التسليم)، وأهميتها. فالمهام العاجلة كان موعد تسليمها أو إكمالها أقرب، بينما المهام الضرورية كان أجرها أعلى. ولاحظوا أن المشاركين فضلوا إنجاز المهام العاجلة على حساب الضرورية – حتى عندما كان أجر هذه المهام أقل. إذ يبدو أننا نولي قدراً أكبر من الاهتمام إلى الوقت، عندما نشعر أن لدينا قدراً ضئيلاً منه. ولهذا فعندما نشعر أننا مشغولون، فمن الأرجح أن نفضل إنجاز المهام العاجلة غير الضرورية.

اقرأ أيضاً: مجرد سماعك لتنبيه من هاتفك يضرّ بإنتاجيتك

وكلما ازداد انشغالنا، ازداد تفضيلنا للمهام العاجلة على حساب الضرورية. وعندما يجب علينا إنجاز الكثير من المهام، ولا نملك الوقت الكافي لهذا (وذلك ما يطلق عليه الباحثون “ضيق الوقت”)، نفتقد القدرة على تحديد الأهمية النسبية لكل مهمة من مهامنا. ولهذا، فنحن نلجأ إلى حدسنا المهني، أو الإشارات في بيئتنا المحيطة، مثل المدة التي ستستغرقها المهمة، أو موعدها النهائي، بغرض تحديد أولوياتنا، ونركز على المهمات التي نستطيع إنجازها بسرعة وشطبها من القائمة، لكي نشعر بقدر أكبر من التحكم في جدولنا المزدحم.

ولكن إعطاء الأولوية بشكل مستمر للمهام العاجلة يعني أن المهام الضرورية التي ليس لها موعد نهائي عاجل (مثل تحديث سيرتك الذاتية، أو إنجاز عمل إبداعي)، ستؤجل إلى موعد لاحق، وتدخل في حلقة مفرغة دون معرفة علاج التسويف والتاجيل. فبعض الأعمال لا يُنجَز أبداً. عندما نفشل في إنجاز الأعمال الضرورية، فإن أكثر ما يهمنا عادة هو أننا نشعر بالإجهاد والضغط، وأننا غارقون في الأعمال، ومفتقدون للحماس – وبالتالي تصبح الشركات أقل إنتاجية.

إذن، فما الذي بمقدور المدراء أن يفعلوه لمساعدة الموظفين في مقاومة هذا النزوع الطبيعي إلى تأجيل الأعمال غير المطلوبة اليوم إلى الغد؟ يشير أحدث بحث أجريناه إلى حل بسيط: وهو تشجيع الموظفين على تخصيص وقت لإنجاز الأعمال المهمة لكن غير العاجلة. ونحن نطلق على هذا الحل اسم: الوقت الاستباقي، أو “برو تايم”.

اقرأ أيضاً: نصائح عن الإنتاجية للناس الذين يكرهون نصائح الإنتاجية

ولاختبار هذه الفكرة، أجرينا دراسة على مجموعة مؤلفة من 46 موظفاً بدوام كامل من شركة “ماريتز” (Maritz)، وهي شركة أميركية تقدم خدمات تسويقية، وخدمة أبحاث على تجارب العملاء (وهي مكان عمل اثنتين منا أيضاً). قمنا عشوائياً بتعيين نصف الموظفين في مجموعة يُتَبع فيها طريقة “الوقت الاستباقي”، حيث تلقى الموظفون تعليمات بتخصيص وقت في جدول أعمالهم، لعقد اجتماع تخطيط أسبوعي دوري مدته 30 دقيقة. وخلال هذا الاجتماع، طُلب من الموظفين أن يعدوا قائمة تحتوي على أكثر الأعمال أهمية، وأقربها موعداً، مع حجب ساعتين يومياً من جدول أعمالهم على مدار 2-3 أسابيع قادمة، وملء هذه “الأوقات الاستباقية” في جداول الأعمال بالمهام الضرورية لكن غير العاجلة. وبهذه الطريقة، فعندما بدأت فترات “الوقت الاستباقي” الخاصة بالموظفين، كانوا مستعدين للتركيز على الأنشطة التي تتضمن أعمالاً شاقة وضرورية.

أما النصف الآخر من الموظفين فقد تم تعيينه في مجموعة ضابطة – أي لم يطلب منهم تنفيذ استراتيجية “الوقت الاستباقي”، واستمروا في عملهم اليومي الروتيني.

وقبل أن تبدأ فترة “الوقت الاستباقي”، طلبنا من كلتا المجموعتين أن تجيبا على استقصاء مكون من 25 عنصراً، يستنبط مدى شعورهم بالضغط والتوتر والإنتاجية وتنظيم الوقت وقدر عبء العمل، وكفاءة استجابتهم للعملاء. وبعد 6 أسابيع، وعند انتهاء فترة “الوقت الاستباقي”، طلبنا منهم أن يجيبوا عن الاستقصاء نفسه مع الـ 25 عنصراً مرة أخرى.

وفيما يلي نعرض مثالاً على كيفية ترتيب أسابيع موظفينا مع اتباع استراتيجية “الوقت الاستباقي” في جدول الأعمال.

إنجاز العمل في الوقت المحدد

وبعد 6 أسابيع من اتباع إجراء “الوقت الاستباقي”، أفاد الموظفون في مجموعة “الوقت الاستباقي” بأنهم يشعرون بفاعلية أكبر بمقدار 14% فيما يخص إدارة وقتهم وتنظيمه. كما أفادوا أيضاً بشعورهم بأنهم أقل انغماراً في أعباء العمل بنسبة 9%، وازدادت فرص إنجازهم لقدر أكبر من العمل بنسبة 12%، كما أصبحوا أكثر قابلية لموافاة المواعيد النهائية المهمة، وينجزون المهام الضرورية بصورة أسرع. وعلى النقيض من ذلك، فالموظفون في المجموعة الضابطة أفادوا بأنهم يشعرون بفعالية أقل بمقدار 6% فيما يخص إدارة الوقت، وأنهم أكثر انغماراً في أعباء العمل بمقدار 10%، وأقل إنتاجية بمقدار 4%. كما لاحظنا أيضاً أن أكثر الموظفين استفادة من طريقة “الوقت الاستباقي” هم هؤلاء الذين كانوا الأكثر انضغاطاً من حيث الوقت.

والنتيجة الأكثر أهمية بالنسبة للمؤسسات، هي أننا وجدنا أن الموظفين في كلتا المجموعتين يتمتعون بدرجة متساوية من الاستجابة لطلبات العملاء. فيما معناه أن استراتيجية “الوقت الاستباقي” لم تأت على حساب جودة الخدمة المقدمة للعملاء. كما شعر الموظفون في مجموعة “الوقت الاستباقي” بقدر أكبر من الرضا عن مجمل أعمالهم. (وهذه نتيجة ذات أهمية، لأن بحث أُجري حديثاً يقدم دليلاً سببياً على أنه كلما ازدادت سعادة الموظفين، ارتفعت إنتاجيتهم). وأوصى 84% من موظفي مجموعة “الوقت الاستباقي” باستخدام هذه الطريقة في أرجاء مؤسساتهم.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل للحفاظ على إنتاجية فريقك في حالات عدم اليقين؟

ولا شك أننا بحاجة إلى إجراء دراسات أخرى، لفهم كيف يستخدم الموظفون وقتهم خلال فترات “الوقت الاستباقي”، وإلى أي مدى تظل هذه التأثيرات فاعلة، وهل تؤتي هذه الطريقة ثماراً خارج إطار العمل أم لا! لكن بشكل عام، تشير نتائجنا إلى أن مساعدة الموظفين في أن يكونوا محددين في التعامل مع وقتهم، ويظهرون حساً بالالتزام تجاهه، قد يرفع من مستوى رفاه الموظف وسعادته، وإنتاجيته.

كيف يمكن استخدام استراتيجية “الوقت الاستباقي” بفاعلية؟

أخبرنا أحد المشاركين الآتي: “أكثر شيء شعرت أنني أفتقده بعد انقضاء هذه الأسابيع الستة هو التوقف عن أداء مهام متعددة، والتركيز بدلاً من ذلك على البدء في المهام وإنجازها ثم البحث عن نظيرتها التالية. كما راقت لي للغاية فكرة إغلاق هاتفي المحمول، والابتعاد عن برامج الدردشة الفورية لمدة ساعتين يومياً، وسأستمر في فعل ذلك دون أدنى شك. فقد استغرقت أسبوعاً تقريباً للاعتياد على المبدأ ككل، لكن بعد ذلك كان من السهل متابعة العملية”.

ولكي تكون استراتيجية “الوقت الاستباقي” فعالة، يجب أن تخلو من أي مشتتات: أي تخلو من رسائل البريد الإلكتروني، أو رسائل تطبيق “سلاك” (Slack)، أو الرسائل النصية. وبينما قد نميل إلى تفقد بريدنا الإلكتروني، والرد على طلب عاجل من عميل ما لن يستغرق سوى دقيقة من الزمن، يشير البحث إلى أن شعورنا بأننا منهمكين دائماً في الأعمال يؤثر على إنتاجيتنا، فنحن بحاجة إلى مهلة من الوقت كي نصفي أذهاننا من التفكير في مهمة ما قبل أن ننتقل بكامل تركيزنا إلى المهمة التالية. ولهذا السبب، ينبغي على أصحاب العمل أن يحرصوا على أن يكون موظفوهم قاردين على تجنب جميع المشتِتات كلما كان ذلك ممكناً، وأن يخصصوا مساحة في جدول أعمالهم لـ “الوقت الاستباقي”، وأن تُهيأ لهم الظروف بحيث يصبوا تركزيهم على المهام المجدولة لكل فترة من فترات “الوقت الاستباقي”.

كما يجب على أصحاب العمل أن يدركوا أن بعض الموظفين يفضلون ترتيب جدول أعمالهم بناء على الساعة (أي يرتبون جدولهم ساعة بساعة)، بينما يفضل آخرون ترتيب جدولهم بناء على الأحداث (أي يرتبون جدولهم حسب توقيتات الأحداث). وقد تعمل استراتيجية “الوقت الاستباقي” بشكل أمثل مع الموظفين من النوع الذي يفضل ترتيب جدوله حسب الساعة، حيث يصل هؤلاء الموظفون إلى قمة إنتاجيتهم وذروة طاقتهم عندما يجدولون يوم عملهم ساعة بساعة. وعلى النقيض من ذلك، قد يستفاد الموظفون الذين يفضلون ترتيب جدولهم حسب وقت الأحداث من الحصول على فترة زمنية أكثر مرونة ينجزون فيها مهمة بأكملها، مثل تخصيص فترة الصباح بالكامل كل يوم أحد، أو فترة بعد الظهيرة كل خميس.

وقد يرغب المدراء في طرح أسئلة إضافية مثل، هل يجب علينا أن نخصص فترات “الوقت الاستباقي” في جدول أعمال الموظفين نيابة عنهم، بغرض جعل العملية أسهل بالنسبة لهم؟ هل يلزم تنفيذ استراتيجية “الوقت الاستباقي” في كل أيام العمل للخروج بنتائج إيجابية؟ هل ساعتان من الزمن أقل من اللازم أم أكثر من اللازم؟ يمكن أن يبدأ المدراء ببساطة باستشعار اهتمامات موظفيهم واستكشافها، أو يسيرون على خطى شركة “ماريتز”، إذ يمكن للمدراء أن يجربوا استراتيجية “الوقت الاستباقي”، ليعرفوا تأثيرها على موظفيهم (وعلى العملاء أيضاً). ونحن نوصى بتجربة ذلك لمدة 6 أسابيع على الأقل، بحيث يتسنى للموظفين الاعتياد على الإجراء، وتعلم مهارة اختيار المهام التي تتطلب جدولة، ومهارة اختيار الأيام المناسبة في الأسبوع.

وفي النهاية لا شك أننا بحاجة إلى المزيد من الأبحاث لفهم آلية عمل هذه الاستراتيجية المتعلقة بموضوع إنجاز العمل في الوقت المحدد له في السياقات المختلفة، ومن يظفر بالفائدة الأكبر منها، وما هي أفضل ممارسات لاستراتيجية “الوقت الاستباقي”. لكن في الوقت الراهن، حاول أن تخصص وقتاً لنفسك لإنجاز المهام الضرورية غير العاجلة، ودعنا نعرف كيف يسير الأمر معك!

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك تعزيز إنتاجية فريقك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .