دراسة حالة: هل يجب عليك اتباع أحلامك أم تجاوزها والمضي إلى الأمام؟

13 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
تعرض دراسات الحالة التي تصوغها هارفارد بزنس ريفيو، على هيئة قصص، مشكلات يواجهها القادة في شركات حقيقية، ومن ثم تقدّم لها حلولاً من الخبراء والمختصين. وتستند هذه القصة إلى دراسة حالة في “كلية هارفارد للأعمال” بعنوان “إطلاق شركة “توماتو جوز” في نيجيريا” من تأليف سوفوس راينرت وريزا كافاليريك، وهي متاحة باللغة الإنجليزية على موقع (HBR.org).

اخترقت أشعة الشمس نافذة مكتب سونيا هيدلي الواقع بمنطقة “كانو” الريفية في نيجيريا. لقد كانت تحاول الاستمتاع بزرقة السماء الصافية، ولكنها لم تستطع، إذ شغل تفكيرها أنها كانت في شوق شديد إلى بداية موسم المطر. فحقولها كانت عطشى وتحتاج إلى مياه الأمطار لترويها. ولم تكن هذه إلا واحدة من عقبات كثيرة واجهتها سونيا منذ تأسيسها لشركة “إنغانشي توماتير” (Inganci Tumatir) قبل ثلاث سنوات.

لكن الأمر لم يخلُ من النجاحات أيضاً، فقد كانت هي وشريكتها أماندا إبراهيم قد اشترتا قطعة أرض لتحويلها إلى مزرعة صغيرة، واختارتا مصنعاً متخصصاً بتصنيع الأغذية، بل واستكملتا أولى التجارب لإطلاق منتج “إنغانشي” المميز، وهو عبارة عن معجون البندورة النيجيري المصنع من ثمار مزروعة محلياً. لكنهما، رغم ذلك، لم تتمكنا من بيع المنتج تحت اسم شركتهما، لأن اسم الشركة كان قد طُبع خطأ على العبوة، الأمر الذي لم يترك لهما أي خيار سوى بيع معجون البندورة الذي أنتجتاه إلى شركة منافسة.

كانت أماندا قد تركت الشركة قبل بضعة أشهر للانضمام إلى مكتب متخصص بتقديم الاستشارات في لندن. لطالما كانت هذه هي خطتها. لكن سونيا كانت تشتاق إلى العمل معها، وخاصة الآن.

كانت السيدتان تمزحان دوماً بقولهما إن “إنغانشي” وُلدت في موقف سيارات تابع لأحد متاجر البقالة. وبدأ الأمر معهما، خلال صف كلية الأعمال، التي أمضيا به عامين معاً، وكانتا قد اعتادتا على تسوّق الطعام معاً. وذات سبتٍ، وجدت الفتاتان نفسيهما تتحدثان عن التنمية الاقتصادية في غرب أفريقيا. كانت سونيا قد انضمّت إلى “هيئة السلام الأميركية” في ليبيريا بعد تخرجها من الجامعة، في حين كانت أماندا المولودة لأب نيجيري وأم سويدية قد عاشت في جميع أنحاء العالم لأن والداها كانا يعملان في “الأمم المتحدة”. وكانت الفتاتان سعيدتين بمشروع أوكل إليهما لقياس حجم السوق في غرب أفريقيا1.

وتتذكر سونيا محادثتها هذه مع أماندا بشكل واضح، حينما أخبرتها: “هناك أكثر من مليون ونصف المليون من صغار مزارعي البندورة في ريف نيجيريا، ومعظمهم بالكاد ينجح في تغطية مصاريفه”.

وما كان من أماندا إلا أن سألتها: “لماذا؟” لتجيب سونيا: “هناك الموسمية التي تقود إلى تقلب في الأسعار، وتسبب تخمة في السوق، وهناك الأمراض التي تتسبب بها الحشرات2، والمصدرون الصينيون الذين تدعمهم الحكومة مالياً، والوسطاء الجشعون، فضلاً عن الاستثمار غير الكافي في رأس المال البشري”.3

فقالت أماندا: “يبدو أنه السيناريو الأسوأ بجدارة”، لترد سونيا: “أو ربما الفرصة المثالية بجدارة”.

وراحت سونيا فكرتها المتمثلة في إنشاء شركة لمعجون البندورة تسيطر على سلسلة القيمة الكاملة لمنتجها، بداية من زرع البذور حتى تغليف العبوات، وكل ذلك في نيجيريا. وعلى الفور، أيدت أماندا الفكرة. فإذا ما تمكنتا من إثبات قدرة شركة نيجيرية على التقليل من هدر المحاصيل في مرحلة ما بعد الحصاد وزيادة عوائد المزارعين، فإنهما ستتمكنان من سد فجوة في إنتاج البندورة تبلغ قيمتها 900 مليون دولار وفقاً لحساباتهما.4 وبالفعل، أعدت الفتاتان خطة تجارية، وعثرتا على مستثمرين في الولايات المتحدة الأميركية ونيجيريا، وانتقلتا إلى “كانو” بعد التخرج.

بطبيعة الحال، كانت الفتاتان تتوقعان مواجهة مصاعب، لكن سونيا لم تكن مستعدة تماماً للتعامل مع هذا القدر من الصعوبة. فقد كانت نيجيريا في المرتبة 131 من إجمالي الدول البالغ عددها 189 دولة على مؤشر “سهولة ممارسة الأعمال” وفقاً للبنك الدولي. وكانت هناك مشاكل مرتبطة بالبنية التحتية أيضاً، كالطرقات التي كانت قد أنشئت بطريقة سيئة ولم تكن تحظى بالصيانة المناسبة، علاوةً على الانقطاع غير المحدد في الكهرباء، والذي يضطر الناس إلى الاعتماد على المولدات الكهربائية لسد النقص في التيار الكهربائي من الشبكة العامة، وكذلك غياب النظام المركزي للإمداد بالمياه. بالإضافة إلى ما سبق، تعيّن عليهما تقبّل البروتوكولات الحكومية الصارمة وأنظمة المعاملات الورقية الروتينية البائدة، وتخمين ما يمكن أن يحدث في كل عملية مع البائعين وفي بعض الأحيان مع موظفيهما – الذين كانوا يسعون دائماً إلى تحقيق دخل إضافي – ناهيك عن التعامل مع التقبل المتفاوت لفكرتهما على المستوى المحلي.

أسدلت سونيا ستائر النوافذ في مكتبها، وراحت تفكر بخطتها الجديدة لزراعة الذرة كمحصول إضافي خلال الأشهر الماطرة. ورغم أنه كان من الصعب عليها تخيّل استجماع طاقتها لتجاوز موسم آخر، لكنها لم تكن مستعدة للاستسلام بعد.

فقالت بصوت مرتفع لنفسها، بعد أن اعتادت على تشجيع نفسها كثيراً في الآونة الأخيرة: “كل الشركات الناشئة تواجه عوائق، وخاصة الشركات التي تنشط في الأسواق الناشئة”.

أرادت أن تصل برؤيتها الخاصة بشركة “إنغانشي” – وإدخال التحولات على جزء من الصناعات الغذائية في نيجيريا – إلى النهاية السعيدة. ولكن راحت تسأل نفسها مجدداً: هل كانت هذه الرؤية ضرباً من الطيش والتهور؟ كانت لديها بدائل، بما في ذلك عرض مغرٍ للعمل كمحللة في “إل إف إم كابيتال” (LFM Capital)، وهي عبارة عن مجموعة استثمارية تعمل انطلاقاً من نيروبي وتركز على تمويل الشركات الصغيرة في عدة دول أفريقية. هل ستكون قادرة على ترك الأثر ذاته – أو ترك أثر أكبر حتى – إذا ما عملت داخل شركة من هذا النوع؟ أم أنها كانت تدرس العرض لمجرد أنه كان يشكل لها مخرجاً من مصاعبها الحالية؟

ولكنها هزت رأسها في محاولة لطرد هذه الأفكار من رأسها. بوسعها أن تفكر في مستقبلها لاحقاً. أما الآن فهي مشغولة ولديها الكثير لتنجزه.

“نحتاج إلى كثيرين مثلك”

في اليوم التالي، اجتمعت سونيا مع عبد السلام ساني، المسؤول الزراعي في “كانو”. فقد كان داعماً لها منذ زيارتها وأماندا المنطقة للاستعلام عن شراء أراض زراعية. وها هو اليوم يرحب بسونيا في مكتبه مصافحاً إياها بحرارة.

قال لها: “آمل ألا تكوني قد انزعجت من موضوع الطباعة الخاطئة على العبوة، هذه أشياء تحدث”.

لم تكن سونيا تعلم مدى معرفته بحجم النكبة، لكنها كانت تعلم سرعة انتقال الأخبار في المنطقة الصغيرة.

فردت عليه: “كانت نكسة. لكننا حالياً نحضّر للموسم التالي”.

فبادرها بسؤاله: “وسوف تزرعين الذرة خلال الأشهر الماطرة، أليس كذلك؟”.

هزت رأسها موافقة. إذ يبدو أنه قد سمع الكثير.

فسألها: “أود أن أعرف كيف بوسعنا دعم عملك” واستطرد مبتسماً: “لهذا طلبت منك القدوم إلى هنا. نحتاج إلى كثيرين مثلك. نحن بحاجة إلى المزيد من الأشخاص مثل سونيا في نيجيريا”.

فكرت سونيا في قرارة نفسها أن موقف هذا المسؤول كان مرحّباً خلافاً لمواقف نيجيريين آخرين بدوا متشككين بامرأة أميركية بيضاء رغبت في مزاولة النشاط التجاري في أفريقيا.5 إذ سيكون هؤلاء الأشخاص سعداء إذا ما أغلقت شركة “إنغانشي” وغادرت البلدة وذهبت إلى “إل إف إم”.

ولكن عبد السلام قطع تفكيرها هذا ليعيدها إلى الحديث الدائر مرة أخرى مكرراً سؤاله: “أخبريني يا سونيا كيف بوسعي أن أساعدك؟”.

بدأت سونيا قائلة: “أنت تعلم، تماماً كما أعلم، أن هناك عقبات رئيسة، لوجستية وسياسية وثقافية”.

فقاطعها قائلاً: “مرحباً بكِ في عالم ممارسة الأعمال في نيجيريا.. هذا هو الحال هنا”.

فاستطردت: “مسألة الأسعار هي أكثر ما يقلقني، ولاسيما بعد تراجع حجم الاستيراد. فما لم نتمكن من خفض تكاليفنا، فإننا لن نتمكن من المنافسة”.

ورد عليها عبد السلام: “لدي أخبار سارة، فقد سمعت أن الحكومة تدرس فرض تعريفات جمركية على بعض الأغذية الأساسية قد تصل إلى 50% لمساعدة المنتجين المحليين على منافسة المستوردات الصينية”.6

لتقاطعه قائلة: “هذه خطوة مفيدة، وإن كنت أعتقد أنهم يستطيعون فعل المزيد”. وطمأنها بدوره: “اتفق معك تماماً. وعلى ما يبدو فإن الرئيس قد دعا خلال اجتماع لمجلس الوزراء إلى فرض حظر كامل على استيراد معجون البندورة لتشجيع الصناعة المحلية وحماية صحة النيجيريين”.

لقد كانت هذه أخباراً سارة بحق، لكنها لم تكن إلا جزءاً من الصورة الإجمالية. فكانت “الضرائب” غير الرسمية المفروضة على الشركات من سلسلة لامتناهية، على ما يبدو، من المؤسسات على المستويين المحلي والفِدرالي وعلى مستوى الولايات، إضافة إلى التكلفة العالية جداً لنقل السلع ضمن البلد، تزيد المصاريف التشغيلية وتوصلها إلى مستويات غير مقبولة.7 ولكي تنجح “إنغانشي”، كان على الحكومة أن تقلل من كل تلك البيروقراطية، أو أن تزداد هوامش أرباح الشركة زيادة كبيرة. وغالباً كانت سونيا تتساءل ما إذا كانت الشركة ستتمكن في يوم من الأيام من أن تبلي بلاءً حسناً كما كانت هي وأماندا قد تنبأتا في ملفاتهما.

نظرت إلى عيني المسؤول، وقالت في نفسها إن الشركة لا بد أن تنجح. وكان واضحاً أنه يوافقها الرأي، فقال لها: “الموجة بدأت تنقلب لصالحنا يا سونيا. ابقِ إلى جانبنا”.8

الأشخاص النافذون

“تهانينا على العرض!”

اتصلت سونيا بتينداي بارك، وهو أحد أصدقائها من “كلية الأعمال”، طلباً للنصح. كان تينداي يعمل في “إل إف إم كابيتال” منذ تخرجه، وكان منذ العام الماضي يحث سونيا على دراسة فكرة الانضمام إلى الشركة، بل أنه ساعد في تهيئة الأمر لكي تحصل على العرض الذي تلقته. كانت مرتاحة لوجود شخص مطلع على بواطن الأمور في الشركة ليعطيها رأيه.

فقال لها مازحاً: “حان الوقت لكي تنضمي إلى قائمة الأشخاص النافذين”. فقد كانت “إل إف إم” قد تحولت إلى شركة كبرى في المنطقة تحظى بدعم عدد من المستثمرين المؤثرين، إضافة إلى أنها كانت تمتلك الموارد التي تسمح لها بإحداث فرق كبير بالنسبة للعديد من رواد الأعمال الأفارقة. كانت سونيا قد حصلت بالفعل على فرص أخرى للسير في طرق مغايرة لطريق “إنغانشي”. فقد جاء من يطلب منها زراعة البندورة لصالح مصنع كبير، كما طُلبَ منها إدارة العلامة التجارية لمنتج معجون البندورة في شركة متعددة الجنسيات. واقترح عليها بعض المستثمرين أن توحد جهودها مع شركة نيجيرية كبيرة لتزيد من قدرتها الإنتاجية بسرعة أكبر، في حين أن المسؤولين المحليين نصحوها بعدم الانخراط في أي نشاط غير التصنيع مما يمنحها مزايا ضريبية كثيرة. لكنها رفضت كل هذه الفرص، إلا أن عرض “إل إف إم” جعلها تفكر في الأمر مرتين.

فقالت سونيا: “نعم إنه مغرٍ. لقد أخبروني أنه يتعين عليّ الانتقال إلى نيروبي، ولكن بوسعي الاستمرار في العمل في نيجيريا والتركيز على قطاع الأغذية في مختلف الأسواق”.

فرد عليها قائلاً: “لكنك ستغلقين “إنغانشي”؟”.

وأجابته: “نعم، أعتقد أنني مضطرة إلى إغلاقها”.

فأردف: “لكن هذا العرض سيسمح لكِ بتمويل عدد أكبر من الشركات الناشئة. أعلم أننا أضعنا فرصة الاستثمار في شركتك، لكننا الآن نمتلك كل هذه الأموال ونريد استثمارها. ألا تريدين أن تكوني جزءاً من ذلك؟” كانت سونيا تشك أن تينداي سيدفعها لقبول العرض، لكنها كانت تظن أنه كان سيخفي نواياه أكثر من ذلك.

واستمر في محاولته قائلاً: “فكري في الأمر. ستحصلين على ضمان مالي، وعلى أسلوب حياة أجمل، بل وستنالين فرصة لزيارة الولايات المتحدة الأميركية بين الفينة والأخرى، فضلاً عن منصب يسمح لك بالتأثير في القطاع الزراعي في أفريقيا على نطاق أوسع”.9

ردت سونيا على أسبابه: “لكنني لن أعود رائدة أعمال تعمل في الميدان بعد الآن. بل سأصبح مضطرة إلى رفع التقارير لمن هم أعلى مني”.

ليبادرها: “أتفهم هذه النقطة. لكن “إل إف إم” هي مكان جميل يستحق العمل فيه، ولست واثقاً ما إذا كان التعامل مع مدرائنا أصعب من التعامل مع الموظفين النيجيريين البيروقراطيين. هناك دائماً شيء من التنازلات والمساومات. ولطالما كانت لديك رؤية لتشجيع الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية. سيكون أثرك أكبر بكثير إذا ما فعلت ذلك مستفيدة من أموال “إل إف إم” ونفوذها. فقادتنا يجتمعون بانتظام مع صناع السياسات النيجيريين والغانيين والكينيين. وبوسعك المشاركة في هذه الاجتماعات”.

وأردفت سونيا: “كنت أريد تحقيق ذلك من خلال بناء “إنغانشي” وتحويلها إلى نقطة أستطيع بعدها تركها والبحث عن فرص جديدة أخرى. ولكنني لم أصل إلى هذا الهدف بعد”.10

فسألها بشيء من القسوة: “هل ستصلين إليه في حياتك أصلاً؟ لقد قلتيها بنفسك. هل بوسع أي منتج محلي أن ينافس المنتجات المستوردة من الصين حقاً؟ وإذا كانوا قادرين على تزويد النيجيريين بمعجون البندورة الرخيص، هل سيكون المواطن العادي أفضل حالاً إذا ما اقتنى المنتجات المحلية الأغلى ثمناً؟”.

فقالت: “منتجاتهم ليست محلية والنيجيريون يستحقون الحصول على منتجات ذات جودة عالية – والاستفادة من إنتاج الغذاء الذي يتناولونه”.

فأردف بالنبرة ذاتها: “لست بحاجة إلى أداء دور الشهيدة يا سونيا. أعلم أن المستثمرين والداعمين كانوا يقدمون لك العون، لكنهم سيتفهمون قرارك. يجب أن تطرحي على نفسك السؤال التالي: هل أنا الشخص المناسب لمواجهة هذا التحدي؟ وهل “إنغانشي” هي الشركة المناسبة؟”.

“هل ستصابين بخيبة أمل؟”

بعد أن أنهت سونيا المكالمة الهاتفية، فتحت تطبيق “واتساب” لتبعث رسائل نصية إلى أماندا، وجرت المحادثة كالتالي:

سونيا: هل أنت مستيقظة؟

أماندا: بالطبع. ما تزال الساعة العاشرة ليلاً. ما خطبك؟

سونيا: لقد تحدثت للتو إلى تينداي. هو يعتقد أنني يجب أن أذهب إلى “إل إف إم”.

أماندا: التعيس يبحث عن خائب الرجاء كما يقول المثل الشعبي.

سونيا: لا، هو سعيد جداً في الشركة. ويعتقد أنني سأكون سعيدة مثله أيضاً. هل ستصابين بخيبة أمل إذا انسحبت؟

أماندا: قليلاً بطبيعة الحال. لكنني سأتفهم وضعك. فهذا سيريحك نوعاً ما.

سونيا: لست واثقة أنني أستطيع العيش بمفردي.

أماندا: حسناً، لقد قدمتُ التنازلات في سبيل تحقيق مكاسبي الشخصية ولم تصرعني أي صاعقة لذلك لا تقلقي كثيراً. 🙂

سونيا: 🙂 أنت تقومين بعمل مهم ولكن بطريقة مختلفة ولطالما كانت هذه هي خطتك. أما خطتي فكانت تقتضي السير في مشروعي حتى نهايته.

أماندا: الخطط تتغير. ولكن ما يهم أنه لا يبدو أنكِ تقاتلين للذهاب إلى “إل إف إم”.

سونيا: ربما لا أسمح لنفسي بأن أشعر بالسعادة تجاه هذا الأمر فحسب. قد يكون تأثير الشركة أكبر. لكنني أشعر بالتشتت.

أماندا: هل أنت مضطرة إلى اتخاذ قرار الليلة؟

سونيا: لا.

أماندا: إذاً اخلدي إلى سريرك فالبندورة لا تنمو وحدها.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

ملاحظات على دراسة الحالة

1- غالباً ما توضع نيجيريا في مجموعة تضم كلاً من البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتسمى جميعها”دول بريكس”.

2- في ربيع عام 2016، أعلنت ولاية “كادونا” حالة الطوارئ بعد تدمير العث لحقول البندورة. وقد أطلق المزارعون على هذا الوباء اسم “إيبولا البندورة”.

3- مع وجود أكثر من 90 مليون نسمة يعيشون في حالة من الفقر في نيجيريا، فإن هذا البلد يضم واحداً من أعلى معدلات الفقر في العالم.

4- نيجيريا هي ثاني أكبر منتج للبندورة في أفريقيا، وأكبر مستورد لمعجون البندورة في العالم.

5- هل سونيا هي الشخص المناسب لإدارة الشركة؟ هل سيكون من الأفضل نقل الإدارة إلى شخص نيجيري؟

6- هل سيكون فرض تعريفات جمركية على المستوردات أمراً مفيداً؟ أم أن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بحيث يصبح النيجيريون غير قادرين على تحمّل ثمن معجون البندورة – الذي يعتبر مكوناً أساسياً في غذائهم؟

7- يقال إن تكلفة نقل بعض المنتجات خلال نيجيريا أكبر من تكلفة شحنها من الولايات المتحدة الأميركية أو الصين.

8- 23% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة “أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” يأتي من الزراعة، ويعتقد الخبراء أن معظم القدرات الزراعية الكامنة للقارة غير مستغلة بعد.

9- خلال العقد الماضي، نما إنتاج البندورة الطازجة في نيجيريا بنسبة 25%، فحسب التقديرات نما من 1.8 مليون طن إلى 2.3 مليون طن. 10- ما هي المعايير التي يجب على المؤسسين استخدامها ليقرروا متى يكون الوقت المناسب قد حان لإغلاق شركاتهم؟

[/su_expand]

رأي الخبراء

هل يجب على سونيا أن تقبل عرض “إل إف إم” أم أنها يجب أن تلتزم برؤيتها التي رسمتها لشركة “إنغانشي”؟

آتشا ليكي: مدير قسم أفريقيا في “ماكنزي & كومباني” (McKinsey & Company)، ومشارك في تأليف كتاب بعنوان “ثورة قطاع الأعمال في أفريقيا” (Africa’s Business Revolution).

رغم إعجابي بطموحات سونيا الريادية واحترامي لها، إلا أنني أحثها جدياً على التفكير في قبول عرض “إل إف إم”.

تحتاج سونيا إلى التفكير ملياً في سبب رغبتها بإنشاء شركة “إنغانشي توماتير”. هل حلمها هو إنشاء شركتها الخاصة وإدارتها؟ أم هل تريد مساعدة صغار المزارعين؟ أم ترغب في إحداث تحول في القطاع الزراعي في نيجيريا؟ وحصولها على وظيفة في “إل إف إم” يمكن أن يمهد لها الطريق لكي تحقق كل هذه الأحلام دفعة واحدة.

وبما أن سونيا ما تزال في بدايات مسيرتها المهنية، سيكون بمقدورها أن تستفيد من التدريب والتطوير اللذين ستحصل عليهما في شركة كبيرة وراسخة مثل “إل إف إم”. فهي لن تكتفي بتعلم الاستثمار الفاعل، وحل المشاكل، وإدارة الموظفين، وعمليات بناء الشركات، وإنما ستكون قادرة على الاطلاع على مجموعة متنوعة من القطاعات والدول في أفريقيا، وعلى التعامل مع شبكة ضخمة من المستثمرين والمشغلين والمسؤولين الحكوميين. وستمنحها هذه التجربة أفكاراً جديدة – وربما أفضل – بخصوص الفرص المتاحة في أفريقيا، ولعلها تجعلها رائدة أعمال أفضل في حال رغبت في إطلاق مشروع آخر خلال بضع سنوات.

وأرى أن هناك توافقاً بين رسالة “إل إف إم” ورسالة سونيا المتمثلة في مساعدة مالكي الشركات الصغيرة. فإذا انضمت إلى هذه الشركة الاستثمارية، سيكون بوسعها إنجاز تلك المهمة على نطاق أوسع بكثير، حيث ستكون لديها بنية منظمة وستحظى بالدعم والتمويل المضمون. وقد تظل قادرة على التركيز على نيجيريا أو الزراعة أو كليهما.

وعلى الجانب الشخصي، أعتقد أنها ستشعر بعزلة أقل. ففي “إل إف إم” ستكون محاطة بزملاء يشاركونها طريقة التفكير، ويعملون انطلاقاً من نيروبي التي تضم مجتمعاً حيوياً من المواطنين والمحليين والمغتربين. كما أنها ستكسب دخلاً جيداً عوضاً عن السعي الدائم للحصول على المال من المستثمرين في حين أنها لا تحقق دخلاً كبيراً هي نفسها.

كما أنها قد لا تكون مضطرة إلى اتخاذ قرار للاختيار بين هذا وذاك. فإغلاق شركة “إنغانشي” هو مجرد خيار واحد في حال قررت سونيا الانتقال إلى “إل إف إم”. وثمة خيارات أخرى ومنها تعليق أنشطة الشركة الناشئة وإعادة إطلاقها بعد بضع سنوات، أو توظيف شخص ليدير “إنغانشي” عوضاً عنها، وبوسعها الإشراف على استراتيجية الشركة بصفة مستشارة أو عضو مجلس إدارة بل ربما يكون بوسعها أيضاً توفير الدعم المالي من خلال الراتب الذي تتقاضاه من “إل إف إم”، دون الاضطرار إلى الاضطلاع بشؤون إدارة العمليات اليومية للشركة.

هذا هو النموذج الذي اتبعته أنا شخصياً. فقد انضممت إلى “ماكنزي” بعد تخرجي من الجامعة مباشرة، وأنا أعمل مع الشركة منذ 20 عاماً. وقد أطلقت على هامش عملي هذا عدداً من الشركات الناشئة وقدمت لها المشورة ومولتها. وهذا يعني أنني لا أقدم المشورة للعملاء فقط، ولكن أساعد أيضاً في تنمية المؤسسات التي يمكن أن تسهم في إحداث التحولات في القارة. وهنا يتمثل المفتاح الأساسي في العثور على الشركاء الصحيحين، أي الأشخاص الذين سيلتزمون بقيادة هذه المؤسسات بتفاصيلها اليومية ويفهمون الآليات المحلية. كما يحتاج هؤلاء الشركاء إلى المهارات التشغيلية التي لا تدرّسها كليات الأعمال، وهي المهارات التي بدأت سونيا للتو في اكتسابها.

نصيحتي إلى سونيا هي: تأملي في غاية حياتك، ثم قرري ما إذا كانت “إل إف إم” أقدر من “إنغانشي” على مساعدتك على تحقيقها بسرعة وبكفاءة.

ميرا ميتا: الشريكة المؤسسة لشركة “توماتو جوز” (Tomato Jos) ورئيستها التنفيذية.

إذا كان حلم سونيا هو بناء شركة زراعية ناجحة في نيجيريا، فيجب عليها أن تعمل على تحقيقه.

أعلم تماماً ما الذي تشعر به سونيا وما الذي يدور في خلدها، لأن قصتها مشابهة إلى قصتي. فلقد افتتحت شركتي المتخصصة في إنتاج معجون البندورة في عام 2014. كنت أعتقد أنه بحلول هذا الوقت سأكون مديرة لشركة كبيرة ذات أرباح طائلة، لكن كل شيء استغرق ضعف الوقت الذي كنت قد توقعته. نحن نعمل الآن على إطلاق منتجنا الجديد في 2021 أي بعد مرور سبع سنوات على انطلاقة الشركة! كانت رحلة طويلة ومفعمة بالتحديات. ولكن إذا كنا قادرين على إيصال منتج مزروع ومصنّع محلياً إلى الرفوف وأيدي المستهلكين قبل منافسينا، الذين يمتلكون موارد أفضل من مواردنا، فإنني سأشعر أنني قد حققت إنجازاً كبيراً.

ونصيحتي إلى سونيا هي البقاء في شركة “إنغانشي”، لعدة أسباب. أولاً، يبدو أنها رائدة أعمال شغوفة عموماً ولديها شغف بهذا المشروع خصوصاً. فهي تؤمن بالشركة وبقدرتها على إدارتها. إنها بمثابة طفلها الصغير، ومن الواضح أنها غير مستعدة لتركه.

ثانياً، أفضل وقت لكي تدير هذا النوع من الشركات الناشئة هو الآن. فهي عازبة، وليس هناك أي ذكر لديون جامعية، لذلك فإن العوائق المالية تبدو في حدودها الدنيا. ربما يعيش أصدقاؤها حيواتهم الفارهة في الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وأماكن أخرى في أفريقيا، ولكن متى سيأتي وقت آخر ستكون قادرة على العيش في “كانو” وبناء شيء من الصفر؟ ربما ستظل فرصة العمل في “إل إف إم” وما شابهها من الوظائف متاحة بعد بضع سنوات. بل ربما وقتها وبعد أن تكون سونيا قد أثبتت ذاتها في إدارة الشركات الناشئة ستحصل على وظيفة نائب رئيس أو عضو مجلس إدارة عوضاً عن الاكتفاء بتولي وظيفة محللة.

ثالثاً، أعتقد أن أفضل أنواع التعلم هو الذي يحدث في الميدان. سوف تكون هناك أخطاء ونكسات بطبيعة الحال، لكن هذه هي الأشياء التي تعلم الإنسان كيف يثبت في وجه الشدائد. وبصفتها رئيسة تنفيذية لشركة ناشئة، فإنها تكتسب خبرة حياتية حقيقة لا تقدّر بثمن. ومن الأصعب بكثير أن يتعلم المرء كيف يكون مديراً عملياً أثناء عمله في شركة استثمارات.

رابعاً، المكاسب النفسية والمعنوية من إدارة شركة صغيرة تعتبر ضخمة. فأنا أتيت إلى نيجيريا لإيجاد فرصة اقتصادية أكبر لمواطنيها، ولا شيء يثير إلهامي أكثر من رؤية موظفي شركتي يطورون مهاراتهم، أو مراقبة شركائنا المزارعين وهم يتعلمون التقنيات والاستراتيجيات التي ستساعدهم في تسويق محاصيلهم تجارياً. لست واثقة ما إذا كانت سونيا سينتابها ذات الشعور السامي وهي توقع الشيكات من نيروبي.

على افتراض أن سونيا قررت المضي قدماً في إدارة “إنغانشي”، سيكون بوسعها فعل بضعة أشياء لزيادة فرصها في النجاح وتعزيز رفاهيتها. وتشمل قائمة هذه الأشياء إجراء مراجعة دائمة لخطتها التجارية للتأكد من أنها ما تزال قابلة للنجاح، وتوظيف فريق محلي قوي بوسعها أن توكل إليه بعض المهام (لتتجنب بذلك التعب الناجم عن اتخاذ القرارات)، وأخيراً السيطرة على سلسلة توريدها كاملة، من المزرعة إلى المصنع إلى التوزيع، رغم أن الحديث عن هذه النقطة الأخيرة أسهل بكثير من وضعها موضع التطبيق العملي. ويجب عليها أن تدرك أن التقدم قد يكون أبطأ مما تشتهي، وأن تأخذ وقتاً أطول لتعيد شحن نفسها بالطاقة الإيجابية ولتتواصل مع الأصدقاء بحيث تشعر بقدر أقل من الوحدة والتوتر.

يقولون إن كل شركة ناشئة هي مشروع فاشل حتى ينجح، وبما أنك لا تعرفين متى سيأتي النجاح، فإنك يجب أن تستمري في النضال فحسب. لو كنت أعلم منذ البداية أنني سأمضي أول عامين في مزرعة كانت سابقاً مدجنة وتفتقد إلى الكهرباء دون تقاضي أي أجر، وأنني سأحتاج إلى سبع سنوات قبل أن يكون لدينا منتج لنبيعه، ربما لم تكن لتواتيني الشجاعة لأطلق الشركة. ولكن الآن وبعد أن انطلقت الرحلة، فإنني لن استسلم البتة. سونيا أيضاً انطلقت في رحلتها، وهي تحبها، ويجب عليها أن تمضي فيها حتى خط النهاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .