كيف تستبعد بلباقة زملاء العمل من الاجتماعات ورسائل البريد الإلكتروني والمشاريع؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تجلس مع نحو عشرين من زملائك في العمل حول طاولة اجتماعات مزدحمة لمناقشة تفاصيل بعض المشاريع. وفيما يحاول البعض جعل الآخرين يستمعون لما يقولونه، يتحدث آخرون دون توقف، بينما ينشغل الباقون بأجهزة الكمبيوتر المحمولة أو بهواتفهم بعيداً عما يجري. وفي النهاية، يخرج هذا الاجتماع بنتيجة وحيدة فعلية، ألا وهي اتخاذ قرار بتحديد موعد لعقد اجتماع متابعة مع مجموعة أصغر، مجموعة يمكنها بالفعل اتخاذ بعض القرارات وتنفيذها.

لماذا يحدث هذا؟ يبغض الناس استبعادهم، لهذا غالباً ما يدعو منظمو الاجتماعات أي شخص قد تكون هناك حاجة لحضوره لتجنب إيذاء مشاعره. ونتيجة لذلك، معظم حاضري الاجتماع لا يفعلون شيئاً سوى إضاعة الوقت، حتى أن البعض منهم لا يعرفون حقاً سبب وجودهم فيه.

سواء تعلق الأمر باجتماع ما أو بإحدى سلاسل رسائل البريد الإلكتروني أو بفريق عمل أحد المشاريع، يجب استبعاد بعض الأشخاص من وقت لآخر. حيث يسمح اختيار الحاضرين بتوفير مزيد من الوقت لأولئك المعفيين من الحضور  للاهتمام بمسائل اكثر إلحاحاً وإنجاز الأعمال الخلاقة والتركيز على مهامهم الأهم. كيف يمكن إذن للقادة أن يفعلوا ذلك بلباقة؟

نوصي هنا بثلاث خطوات.

التركيز على الموظفين الرئيسيين كي لا يتحملوا المزيد من أعباء العمل. يحاول معظم القادة تقليص قائمة المشاركين في اجتماع ما أو في سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني من خلال استبعاد الموظفين الذين لا حاجة لهم للحضور أو المشاركة. لكننا نقترح اتباع النهج المعاكس. حدّد مَن هي الموظفة القيّمة والمتعاونة التي ترغب في دعوتها؟ ثم اسأل نفسك: هل حضورها ضروري حقاً؟

نطرح هذا السؤال لأن أحد المفاهيم الأساسية للاستبعاد المدروس هو ما يُعرف باسم “العبء التعاوني الزائد” (collaborative overload). وهو مصطلح صاغه في أحد مواضيع غلاف مجلة هارفارد بزنس ريفيو في سنة 2016 الأساتذة في علم القيادة وعلم النفس: روب كروس وريب ريبل وآدم غرانت. حيث قالوا، استناداً إلى بحوث أصلية، إن ما يصل إلى ثلث الجهود التعاونية في العمل تُبذَل عموماً من 3% إلى 5% فقط من الموظفين. وغالباً ما يكون عبء العمل ثقيلاً إلى حد كبير على هؤلاء الموظفين، ويكونون بالتالي معرضين للإصابة بالإنهاك والإرهاق.

فإذا دُعيت المجموعة الصغيرة نفسها من الموظفين للمشاركة في كل مهمة وكل مشروع خاص وكل جلسة لتبادل الأفكار، فإنهم لن يتمكنوا بأي حال من متابعة المهام الأكثر أهمية. لهذا السبب، فإن الخطوة الأولى في تطبيق الاستبعاد المدروس هي تحديد هؤلاء الموظفين الأكثر عرضة لخطر العبء التعاوني الزائد، ومن ثم التعامل بدرجة كبيرة من الحرص بشأن متى يتم اختيارهم وضمهم إلى الاجتماعات أو المشاريع الأخرى.

يجب مراعاة الاحتياجات الاجتماعية الطبيعية للموظفين. حيث أن إجراءات الاستبعاد والتعرض للإقصاء تنطوي على جانب عاطفي كبير حتى وإن كان الموظفون يدركون أنهم يُدعَون لحضور عدد كبير جداً من الاجتماعات ويبدون استياءهم من تلقي عدد كبير جداً من رسائل البريد الإلكتروني.

يحدث هذا لأن البشر مخلوقات اجتماعية؛ فنحن بطبيعة الحال نريد أن نساعد أولئك الذين نعتبرهم قريبين منا. ومن ثَمّ، فإن أحد الأسباب التي تجعل الموظفين الذين يعانون من العبء التعاوني الزائد يأخذون على عاتقهم تَحمُّل كل تلك الأعباء الثقيلة، هي أن في داخلهم شعوراً دفيناً يملي عليهم التصرف بهذه الطريقة. وهذا هو السبب نفسه الذي يدفع القادة إلى ضم عدد أكبر من الأفراد إلى مختلف الأنشطة؛ فهُم يريدون أن يخلقوا لدى الآخرين شعوراً بالانتماء.

يجب أن يراعي الاستبعاد الاحتياجات الاجتماعية المختلفة للناس حتى لا يؤدي إلى رد فعل عكسي أو عرقلة الإنتاجية. وإذا حددنا مَن هم الأكثر معاناة من عبء تعاوني زائد، فسينتهي بنا الأمر إلى رصد مجموعتين من الموظفين: الموظفون كثيرو الانشغال بحيث لا يمكن أن يُطلب منهم المشاركة في كل شيء، والموظفون الذين يعتقدون أن إشراكهم الزائد عن اللزوم في كل شيء دليل على هيبتهم وعلى أهمية مكانتهم في الشركة.

وبالتالي، فالأمر متروك للقادة لتحديد أي من الموظفين ينتمي لكل مجموعة، وكذلك أن يشرحوا لهؤلاء الموظفين أن من الأفضل تكريس وقتهم للمشاريع ذات العائد الأعلى. وهنا يمكن استخدام عبارات بسيطة قد تتضمن:

  1. “أعرف أن لديك الكثير من المهام الهامة في جدول أعمالك، لذا أفكر في عدم إشراكك في هذا المشروع الجديد حتى يتسنى لك التركيز على ما أنت منهمك في إنجازه. فما رأيك؟”.
  2. “أود أن أعفيك من المشاركة في هذا المشروع، فهناك شخص آخر لديه وجهة نظر مماثلة. وفي الوقت نفسه، سيكون بإمكانك إضافة الكثير من القيمة إلى المشروع الآخر بفضل رؤيتك الفريدة. فهل توافقني الرأي؟”.
  3. “لاحظت أنك تخطيت الموعد النهائي للتسليم مرتين مؤخراً وهذا أمر غير معتاد بالنسبة إليك. هل هناك اجتماعات أو مشروعات أو أشياء أخرى على جدول أعمالك تستنفد وقتك وطاقتك يمكن تكليف شخص آخر بها؟ جميعنا نحتاج إلى فسحة من الوقت للاستراحة والتقاط الأنفاس. كيف يمكنني أن أساعدك في هذا؟”.

عندما يراعي القادة طبيعة الأدمغة الاجتماعية للموظفين عند إعفائهم من أداء بعض المهام، سيكونون أكثر حرصاً في اختيار العبارات التي سيملون من خلالها توجيهاتهم.

حدد توقعات واضحة. يشعر الناس بالضيق لدى استبعادهم من نشاط ما فقط عندما يتوقعون إشراكهم في ذلك النشاط.

عندما يتعلق الأمر بالتوقعات، يوضح علم الأعصاب أن الكلفة تكون باهظة لدى وجود فجوة بين ما نتوقعه وما نحصل عليه. عندما ترصد “القشرة الحزامية الأمامية؛ وهي منطقة في مقدمة الدماغ على صلة كبيرة بمطابقة التوقعات واستيعاب الاستبعاد الاجتماعي” خطأ ما، فإنها تعطي إشارة الانطلاق لعملية تستنزف كميات هائلة من الطاقة المعرفية. يحدث هذا في كل مرة نواجه فيها أمراً غير متوقع، مثل أن نرى أن مطعمنا المفضل قد أغلق، أو عندما لا نتلقى دعوة لحضور اجتماع اعتدنا أن نشارك فيه. ذلك لأن الدماغ يريد فهم الوضع؛ حيث كان يتوقع شيئاً وحصل على شيء آخر. ولهذا يتعين على القادة فهم هذا الجانب من سلوك الدماغ وتقديره لدى سعيهم للحصول على أفضل أداء من أعضاء فريقهم، من خلال إعادة توجيه جهودهم نحو أنشطة ذات قيمة أعلى بالنسبة للشركة أو المؤسسة.

إذا كنت تحتاج فقط إلى مجموعة فرعية صغيرة من الموظفين لحضور اجتماع ما، تواصل مع باقي أفراد المجموعة للتأكد من فهم كل منهم سبب إعفائه من الحضور. يساعد هذا التمهيد أيضاً في تخفيف ما يسميه علماء النفس “التهديد الاجتماعي”. فمثلما تجعل الأصوات الصاخبة والصور المخيفة المرء يشعر بتهديد جسدي، لدى البشر آليات تساعدهم في تجنب التهديدات في المواقف الاجتماعية، سواء عبروا عن ذلك من خلال الشعور بالقلق أو الريبة أو اختاروا العزلة.

يمكن لإدارة توقعات الناس في وقت مبكر أن تشكل حاجزاً يحول دون أن يشعروا بمثل هذه الأنواع من التهديدات الاجتماعية. على سبيل المثال، يميل الدماغ إلى التأكد والتثبُّت، وهذا ما يمكن أن توفره الصراحة بشأن دور المشاركين في الاجتماع. ويتطلع معظمنا أيضاً إلى تحقيق الإنصاف، وهذا ما يمكنك تقديمه من خلال الشفافية حول أسباب استبعاد شخص ما. وبهذه الطريقة، يمكن استبعاد الناس دون أن يشعروا بمرارة الاستبعاد.

تطبيق الاستبعاد المدروس. يقع على عاتق القادة مسؤولية تقدير هذه الفروق الأساسية الدقيقة في الإدراك على الرغم من هشاشتها. وعندما يحين الوقت لإطلاق مشروع جديد أو عقد اجتماع موسع، يجب أن يوضحوا تماماً مَن يتعين عليهم الحضور ومَن لا يلزم حضورهم، وأسباب ذلك. وبهذه الطريقة، سيفهم الموظفون بشكل أفضل دورهم في إطار المهمة الأوسع للفريق، ومع معرفتهم بأدوار الأشخاص الآخرين، سيعرفون مَن يعمل على كل جزء في المشروع.

والآن عُد بذاكرتك إلى ذلك الاجتماع الفوضوي الذي ضم عشرين شخصاً. سيقلص الاستبعاد المدروس عدد الحضور إلى فريق أساسي من ستة أو سبعة أشخاص. وبما أن مديرة المشروع تفكر الآن بجدية في مَن هم الأفراد الذين تثمن مهاراتهم ووقتهم بصورة أكبر- والتي سيكون من الأفضل أن يوظفوها في مكان آخر – فستقرر بلباقة أنك، وأكثر من عشرة آخرين من زملائك، لديكم أشياء أكثر أهمية تؤدونها. ونتيجة لذلك، سيصل المشروع إلى خط النهاية في وقت مبكر وسيحقق هؤلاء الموظفون المستبعدون تقدماً أكبر في المهام المنوطة بهم.

إذا عملت على تطبيق هذا السلوك في جميع أنحاء المؤسسة، سيكون لديك عدد أكبر من الموظفين الذين يستطيعون استغلال وقتهم بشكل أفضل، ويعملون على مشروعات من المعروف، وليس من المفترض، أن مساهماتهم فيها تضيف إليها قيمة.

قد يكتسب مفهوم الاستبعاد سمعة سيئة في أجواء القادة فيها حساسون وحريصون تماماً على إشعار الآخرين بالانتماء. ومن المهم أن نتذكر أن الاستبعاد المدروس لا يكون ممكناً إلا من خلال تقدير مزايا توافر وجهات النظر المختلفة وعملية اتخاذ القرار الشاملة للجميع. ولكن من أجل تفادي الآثار المخيفة والمعيقة للإفراط في شمول الجميع، يوضح علم الدماغ أنه باتباع النهج الصحيح، يمكن أن يصبح استبعاد البعض من بعض المهام بشكل مدروس، من بين أعظم المبادرات الإدارية التي يقوم بها القادة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .