كيف تستطيع الشركات والحكومات الارتقاء بتعليم الموظفين؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتغير عالم الأعمال بمعدلات غير مسبوقة. وبينما تعتبر المقاييس الأساسية مثل فترة ولاية الرئيس التنفيذي لمنصبه وفترات المساهمة ومستويات المخزون من المنتجات مستقرة أو بطيئة، إلا أنّ وصولنا إلى كمية كبيرة من البيانات، من وسائل التواصل الاجتماعي والتصفح عبر الإنترنت والعدد المتزايد من أجهزة المحمول، يجعلها تبدو كما لو أنّ الأمور تتحرك بوتيرة سريعة. وكلما ازدادت كمية المعلومات التي نصل إليها، نصبح قادرين على الاستجابة والتحول والتحسن على نحو أسرع. وتميل الشركات التي تفعل ذلك إلى اكتساب ميزة تسويقية، وبالمقابل يستمر الضغط في الارتفاع.

يعزى هذا بشكل كبير إلى الرقمنة. واليوم، تستند أنظمة الشركات وعملياتها ومنتجاتها إلى طبقة من التكنولوجيا. وقال تقرير صادر مؤخراً عن شركة “ماكنزي أند كومباني” (McKinsey & Co): “ستكون الاستراتيجيات الرقمية الشجاعة شديدة التكامل بمثابة عامل التمييز الأكبر بين الشركات التي تفوز والشركات التي لا تفوز، وستكون أعظم المكاسب من نصيب تلك الشركات التي تبدأ الزعزعة الرقمية”. باختصار، ستحظى الأعمال التي تقوم باستثمارات سريعة وشجاعة في مجال الرقمنة بمكاسب هائلة.

اقرأ أيضاً: التنافس في العمل

إذن، ما الذي يلزم لتنفيذ عمليات الرقمنة بنجاح؟ يُختزل الأمر في الموهبة. يمكن لأي عمل الاستثمار في التكنولوجيات المتقدمة، لكن بناء بيئة عمل جاهزة لاستخدامها هو أمر أصعب بكثير. إذ يتطلب عمالاً يمكنهم فهم البيانات، وخدمة الزبائن في مختلف نقاط التفاعل الافتراضية والمادية، ومواكبة لغات البرمجة سريعة التغير. وللأسف، في أحوال كثيرة لا تقوم أنظمة التعليم التقليدية بتدريس هذه المهارات. كما يفتقر معظم أساتذة الجامعات إلى خبرات حقيقية في القطاع، وقد تصل مدة دورات تطوير المناهج إلى سبع سنوات. هذا الإطار الزمني هو مشكلة، حيث تبين إحدى الدراسات الاستقصائية العالمية التي شملت 4,300 مدير ومسؤول تنفيذي أنّ 90% من العمال يشعرون أنهم بحاجة إلى تحديث مهاراتهم بشكل سنوي لضمان الاستمرار في المنافسة.

ولسد الفجوة بين المرحلة التي ينتهي عندها التعليم والمرحلة التي تبدأ عندها احتياجات القرن الحادي والعشرين، تبدأ بعض الشركات والحكومات بتولي زمام الأمر بنفسها. في يوليو/تموز 2019، أعلنت شركة “أمازون” أنها كانت تستثمر 700 مليون دولار لتحسين مهارات 100,000 موظف (7,300 دولار لكل شخص). وهم ليسوا وحدهم. تعمل جهة التوظيف التي أعمل لديها، مؤسسة “جنرال أسمبلي” (General Assembly)، مع أكثر من 500 مؤسسة عالمية، بما فيها “وول مارت” و”لوريال” ومصرف “بي إن بي باريبا”، ومجموعة مختلفة من الحكومات الدولية التي تسعى إلى إيجاد وضع نهج جديدة للتعليم.

وفيما يلي ثلاثة أمثلة على استراتيجيات ناجحة لبناء قوة عاملة متعلمة أكثر، إضافة إلى النتائج التي تشهدها الشركات والحكومات نتيجة لجهودها.

1) تحسين المهارات

تحسين المهارات هي ممارسة تعليم الموظفين كيفية استخدام أدوات وممارسات جديدة ستساعدهم على أداء وظائفهم على نحو أفضل أو أسرع. ويعتبر تحسين مهارات الموظفين بالغ الأهمية في ظل التوقعات التي تشير إلى إنفاق المؤسسات الكبيرة نحو 3.8 مليار دولار على تكنولوجيا المعلومات في عام 2019 وحده. ووفقاً لأحد التقارير الحديثة الصادرة عن شركة “ديلويت” (Deloitte): “نادراً ما يفشل تطبيق التكنولوجيا بسبب عجز فيها، لكن سبب فشلها هو عدم رغبة الموظفين باستخدامها أو بسبب اعتبارها صعبة جداً”. تدرك بعض الشركات ذلك جيداً، وقد بدأت بالفعل الاستثمار تبعاً لهذا الأمر.

وتعتبر “مايكروسوفت” واحدة من هذه الشركات. لقد أنجزت الشركة بإدارة رئيسها التنفيذي “ساتيا ناديلا” أحد أنجح تحولات الشركات في عصرنا الحالي. وتعتبر منصة الشركة للحوسبة السحابية “أزور” (Azure) بمثابة أحد المحركات الرئيسة لذلك التحول. لكن “مايكروسوفت” تعترف أنه بينما تدعم منصة “أزور” شركات في قطاعات مثل الفضاء الجوي والتصنيع، لا يعرف الكثير من موظفي زبائنها كيفية الاستفادة من قدراتها. وهذا سبب رئيس لقيام شركة “مايكروسوفت” في وقت سابق من هذا العام بتوقيع عقد شراكة مع مؤسسة “جنرال أسمبلي” لتحسين مهارات 15,000 عامل بحلول عام 2022، ولوضع معايير للمهارات التي تشغِّل الحوسبة السحابية. وهي تراهن على أنّ القوة العاملة التي تفهم كيفية استخدام منصة “أزور” والتكنولوجيا التي تدعمها ستكون أكثر ميلاً إلى الاستفادة من إمكاناتها، ما يعزز المركز السوقي للشركة وجميع “مقاييس التشغيل” المهمة التي يُقاس بموجبها أداء ناديلا وفريقه.

يمكن أن يساعد تحسين المهارات أيضاً في ضمان الاستخدام الأفضل لخبرات الموظفين عندما تتصدر الأدوات والتكنولوجيا المشهد. تعتقد ديانا موليجان، الرئيسة التنفيذية لشركة “ذا غارديان لايف إنشورانس كومباني” (Guardian Life Insurance Company) للتأمين على الحياة، أنّ تحسين مهارات خبراء حسابات التأمين بالغ الأهمية لنجاح شركتها التي يبلغ عمرها 160 عاماً. وتعتمد عملية شركة “غارديان” كغيرها من شركات التأمين على القدرة على بلورة أنماط كامنة في كميات هائلة من البيانات والعمل بموجبها. تاريخياً، أنجز هذا العمل خبراء حسابات التأمين، وهم إحصائيون متمرسون يحسبون مخاطر التأمين وأقساط التأمين باستخدام عدد من المتغيرات. أما اليوم، فتقوم تكنولوجيات جديدة مثل شاشات “فيتبيت” (Fitbit) ومستشعرات السيارات وغيرها بإنتاج بيانات مهمة حول المخاطر على الصحة وعادات القيادة وقدر هائل من البيانات التي تستطيع مساعدة الشركات في حساب المخاطر أو التأمين على الأشخاص أو الأعمال بدقة أكبر. تتمخض هذه الموارد عن كمية أكبر بكثير من البيانات مقارنة بالبيانات التي كانت جداول خبراء حسابات التأمين العادية والمقاييس الديموغرافية تنتجها في السابق.

وهنا تبدأ فجوة المهارات. إذ يحتاج خبراء حسابات التأمين إلى أدوات جديدة للاستفادة من كل البيانات التي في متناول يدهم، لتتمكن شركات التأمين من إجراء حسابات أفضل وتبقى قادرة على المنافسة. شراء هذه الأدوات هو شيء واحد، لكن تدريب الموظفين على استخدامها هو شيء آخر.

قامت شركة “غارديان لايف” تحت قيادة كبير موظفي المعلومات فيها “دين ديل فيكيو” ومدير الاستراتيجية “بوب طمسون” بتطوير استراتيجية مواهب تهدف إلى سدّ هذه الفجوة. وأجروا استثماراً كبيراً في الشركة لتحسين مهارات خبراء حسابات التأمين وغيرهم من العمال وصقلها من خلال ورشات عمل قصيرة ومعسكرات تدريب مكثفة. لا تهدف هذه الدورات القصيرة إلى تغيير مهارات الموظفين تماماً، بل تطوير خبراتهم الأساسية. وبعبارة أخرى وردت على لسان أحد الطلاب: “فتحت [الدورة] عقلي للتفكير أكثر بشأن البيانات. أرى مهمة قد تكون كثيرة الحدوث أو متكررة الحدوث أو روتينية، وأستعين بأفكار يمكنني فيها استخدام لغة بايثون (Python) أو عملية الأتمتة لإتاحة وقتي للعمل على أنشطة أخرى”.

2) صقل المهارات

يعتبر صقل المهارات شكلاً من أشكال التعليم الذي يركز على مساعدة الموظفين في إجراء التحولات الوظيفية. ويتعلم أولئك الذين يستثمرون في صقل المهارات أدوات وممارسات جديدة في محاولة لاكتساب القدرات التي ستسمح لهم بتغيير وظائفهم بالكامل. ويعتبر صقل المهارات خياراً جذاباً للقطاعات التي تكون فيها نسبة العرض من المواهب لا تتناسب مع كمية الطلب الموجود عليها. يمكن لهذه الاستراتيجية أن توفر وفورات هائلة في التكاليف إذا استُغلت بشكل جيد، مقارنة بتكلفة فصل الموظفين والتوظيف وإعداد الموظفين الجدد.

بدأت الشركة المصرفية القابضة “كابيتال وان” (Capital One) ببناء كلية تقنية (Tech College) لصقل مهارات موظفيها والمرشحين للعمل فيها قبل نحو عامين. وقال رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في الشركة “روب ألكساندر”: “الرابحون في هذا القطاع هم من سيعرفون كيفية استغلال التكنولوجيا وتسخيرها بطرق تستخدمها أفضل الشركات التكنولوجية”. وتعتبر الكلية التقنية استثماراً قيمته عدة ملايين من الدولارات. وتقدم أكثر من 250 دورة في مواضيع تتراوح بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية. وهي دورات مجانية ومفتوحة لجميع موظفي شركة “كابيتال وان”، وتقدّم بشكل شخصي وعبر الإنترنت.

ويضع أحد برامجها الأكثر فعالية، “كابيتال وان دفيلوبر أكاديمي”، الخريجين الجامعيين الجدد الذي لا تتوفر لديهم خبرة في علوم الحاسوب في خضم تجربة مكثفة تمتد على مدار 6 أشهر لتطوير مهاراتهم في هندسة البرمجيات. ويمنح البرنامج، الذي يتضمن تدريباً في الفصل وتدريباً على رأس الوظيفة، شركة “كابيتال وان” وصولاً إلى مجموعة جديدة كلياً من المواهب. بدلاً من التنافس على عدد خريجي علوم الحاسوب القليل نسبياً، فهم يعلمون خريجي تخصصات الفنون المتحررة كيفية النجاح في مناصب يريدون منهم شغلها. قال “ديفين ليباوسكي”، نائب الرئيس لشؤون التكنولوجيا: “عندما تنشئ مساراً حيوياً للتدريب على رأس الوظيفة، تستطيع إطلاق العنان لشغف المرشحين غير التقليدين وإمكاناتهم (أو الاستفادة منه)”.

اتخذت شركة “والت ديزني” نهجاً مشابهاً لصقل المهارات. ففي محاولة لزيادة التنوع في قطاعها التكنولوجي، أطلقت شركة ديزني معسكر تدريب مكثف يحمل اسم “كود: روزي” (CODE: Rosie)، ويقوم بتدريب الموظفات في مجال هندسة البرمجيات. البرنامج الذي يستمر على مدار 15 شهراً مفتوح للنساء من مختلف الأقسام، ويشتمل على تدريب رسمي لمدة 3 أشهر وتدريبين مهنيين داخليين كل منها لمدة 6 أشهر، وبعدها تنتقل الخريجات إلى مناصب فنية في الشركة. البرنامج الذي تقوده منذ البداية نائبة رئيس ديزني للتكنولوجيا، “نيكي كاتز”، له رسالة قوية. قالت نيكي: “سنأخذ الكثير من المرشحات، ونعلمهن الكثير من مجموعات مهارات هندسة البرمجيات، ونرجو أن يكتشفن مسارات وظيفية جديدة”.

بدأت المبادرة على نطاق صغير، لكنها شهدت نجاحات منذ ذلك الحين. ومن بين 169 موظفة أكملت عملية التقديم القاسية، نجحت 112 في إكمال الدورة. واختارت ديزني 20 فقط من هؤلاء الموظفات لملء المجموعة الأولى. والآن، بعد ثلاث سنوات من الانطلاق المبدئي لبرنامج “كود: روزي”، يعتبر البرنامج جزءاً أساسياً من استراتيجية المواهب في ديزني، ويُنظر إليه على أنه طريق مؤثرة وقليلة التكلفة لزيادة التنوع وسدّ الفجوات الخطيرة في المواهب.

 3) الاستثمارات الحكومية

لعالم الشركات دور مهم يؤديه في بناء القوة العاملة في المستقبل، إلا أنه لا يستطيع تحقيق النجاح لوحده. نحتاج إلى بنية تحتية متعددة الأوجه للتعلم والتعليم على مدى الحياة، حيث يستطيع الموظفون وجهات التوظيف والحكومة ومقدمي خدمات التعليم جميعاً أن يكون لهم دور يقومون به.

بدأت بعض الحكومات بالفعل بالتقدم لتولي زمام القيادة. في سنغافورة، يحصل جميع المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 25 عاماً على “رصيد مهارات المستقبل” بقيمة 360 دولاراً يمكن استثمارها في التعليم. يستطيع الناس استغلال هذه الفرصة لتحسين مهاراتهم الفنية، مثل الأمن السيبراني والتصنيع المتقدم، إضافة إلى المهارات الأساسية، مثل القيادة والمحاسبة. وقد شهد البرنامج نجاحاً كبيراً. يتحدث ثمانية من كل 10 مشاركين عن الأثر الإيجابي الذي حققوه في عملهم. ويعتبر البرنامج بحد ذاته مسرِّعاً قوياً للتقدم الاقتصادي، مع مشاركة 10% تقريباً من إجمالي عدد السكان في البلاد.

لكن سنغافورة مجرد مثال على ذلك. تقوم فرنسا بتحفيز الاستثمارات في تدريب العمال من خلال تقديم ائتمان ضريبي لروّاد الأعمال مساوٍ لعدد ساعات التدريب مضروبة في الحد الأدنى للأجور. وفي المملكة المتحدة، تلزم ضريبة التدريب المهني جهات التوظيف برصد أموال لتوظيف المتدربين.

تتجاوز هذه الاستثمارات الإنفاق العادي على التعليم والتطوير. وبوجه عام، تشكل تحولاً في عالم الأعمال. تدرك الشركات والدول أنّ التعليم هو أداة فعالة لتصحيح ما يعتبر بشكل أساسي انعداماً للكفاءة في سوق العمل. في مؤسسة “جنرال أسمبلي”، اعتقدنا دائماً أنه من أجل مواكبة احتياجات جهات العمل، فإنّ التعليم لا يمكن أن يكون شيئاً يحدث فقط قبل بدئك العمل. يتعين أن يكون التعليم شيئاً ينفّذ على مراحل عديدة طوال حياتك المهنية. تبين الأمثلة والقصص التي سلطت الضوء عليها، إضافة إلى آخر التطورات من مجتمع الأعمال، أنّ ثمة اتفاق على ذلك بين كبرى جهات التوظيف في العالم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .