كيف ينتهي الحال بالجماعات عديمة القيادة بقادة يديرونها؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
لطالما علمنا أن التواصل مهارة مهمة من مهارات القيادة، لكنّ غالبية الأبحاث والنصائح المتعلقة بالقيادة تركز على أقوال القادة، وكيفية الإدلاء بها، لا على العمليات العصبية الكامنة التي تحكم التواصل بين الناس.

هناك كشف جديد في علوم الدماغ يفصح عن آلية غريبة – نوع من التزامن العصبي – تحدث أثناء التواصل بين القادة والتابعين: فقد تبيّن أنّ النشاط الدماغي للقادة والتابعين أعلى تزامناً من النشاط الدماغي بين التابعين وأقرانهم.

في تجاربهم، طلبت جينغ جان، التي تعمل في معهد “ماكس بلانك” (Max Planck)، وزملاؤها، من 11 مجموعة قوام الواحدة منها 3 أشخاص إجراء حوار بلا قائد، ورصدت نشاط دماغهم وسجلت تحاوراتهم. وعُرض عليهم الموضوع التالي للنقاش: “سقطت طائرة على جزيرة مهجورة، ونجا من حادث تحطمها 6 أشخاص فقط: امرأة حامل ومخترع وطبيب ورائد فضاء وعالم بيئة وشخص متشرد. مَن في رأيك ينبغي أن يُمنح منطاد الهواء الساخن الوحيد الذي يسع شخصاً واحداً فقط ليغادر الجزيرة به؟ خصصتْ لكل مجموعة خمس دقائق للتفكير في المعضلة، ثم خمس دقائق لمناقشتها، وبعد المناقشة، تطلب الأمر اختيار شخص واحد ليكون قائد المجموعة الذي يمثلها ويعلن عن النتائج.

إضافة إلى ذلك، راقب حُكام مستقلون نقاشات المجموعات، وطلب إليهم اختيار قادة وفقاً لمعاييرهم الخاصة، وصنفوا جودة مهارات تواصل المشاركين أيضاً باستخدام المعايير السبعة التالية: التنسيق بين المجموعة، والمشاركة الفعالة، ووجهات النظر الجديدة، ونوعية المشاركات، والمنطق، والقدرة التحليلية، والتواصل الشفهي، والتواصل غير الشفهي.

وتحدد التزامن الدماغي لكل تفاعل بين شخصين داخل المجموعات التي قوام الواحدة منها ثلاثة أشخاص. كلما وجّه شخص حديثه إلى آخر، يتحدد هذا التزامن بمقياس يُعرف باسم “الترابط المنطقي”، ويشير إلى عدد مرات تزامن تردد موجات الدماغ ونطاقها لدى المتحاورين.

وكانت نتائج الدراسة مدهشة: وقع اختيار غالبية الحكام الخارجيين (9 من بين 11 حكماً) على قادة المجموعة أنفسهم الذين اختارهم المشاركون أنفسهم. من الواضح أن هناك سمة بارزة ميزت هؤلاء القادة.

عندما تَحاور قائد وتابع، كانت درجة الترابط المنطقي، أو التزامن العصبي، بينهما أعلى بكثير مما لو تحاور التابعون مع بعضهم البعض داخل المجموعات. ولكن، طرأ السؤال التالي: في أزواج القادة – التابعين، مَن الذي استهل التزامن؟ دماغ مَن الذي يبادر بالتزامن مع دماغ الآخر؟

يمكن استخدام اختبار إحصائي يُعرف باسم تحليل جرانر للسببية (GCA) لتحديد ذلك. أوضح تحليل جرانر للسببية أن القادة والتابعين استهلوا التزامن، غير أن اختباراً إحصائياً آخر – اختبار تي (t-test) ثنائي العينة – كشف أن التواصل الذي يستهله القائد حفز ترابطاً منطقياً وتزامناً أقوى من التواصل الذي استهله التابع. علاوة على ذلك، ارتبطتْ درجة التزامن بجودة مهارات التواصل المذكورة آنفاً.

ولقد اكتشف الباحثون أنّ المرء يستطيع التنبؤ بالقادة بعد 23 ثانية بالنظر إلى بيانات التزامن وحدها، لأن القادة يحفزون ترابطاً منطقياً أقوى. لذا، بالنظر فقط إلى درجة التزامن المحفز عندما يتحدث أي شخص، يستطيع المرء الجزم بهوية القائد.

والواضح أن القائد والتابعين ليسوا على دراية بهذا التزامن العصبي، بما إنه يحدث بالكامل على المستوى البيولوجي. لقد كانت المنطقة الدماغية التي كشف فيها عن التزامن هي نقطة الالتقاء بين الفصيْن الصدغي (الجانبي والسفلي) والجداري (الجانبي والعلوي) (التقاطع الصدغي الجداري الأيسر). وحدث التزامن أثناء التواصل الشفهي، لكنه لم يحدث أثناء التواصل غير الشفهي أو خلال فترات الصمت. وهذه النتائج مهمة لأنها تساعدنا على التفكر في الكيفية التي يؤثر بها التواصل على هوية القائد، وكيف يظهر القادة أثناء عملية التواصل، والعوامل التي تجعل منهم قادة. هناك أربعة تداعيات هامة:

الأمر لا يتعلق بوتيرة التواصل. وإنما بمدى براعتك في التواصل. كثرة حديث القادة من عدمها لا تهم، حتى عندما تحدثوا بوتيرة أقل، كان المهم تزامن أدمغتهم وجودة تواصلهم، واللذان يُقاسان بالمعايير السبعة سالفة الذكر. وكلما كانت الجودة أعلى، كان الترابط المنطقي والتزامن مع الأتباع أعلى. قد يزيد التواصل عالي الجودة التزامن مع التابعين.

مهاراتك الشفهية لا غير الشفهية هي التي تهم عند صناعة القرارات. عامةً، من الممكن أن يرفع التواصل غير الشفهي الستار عن الكثير، غير أنه لم يؤثر في هذه التجربة على اختيار القادة من عدمه، فقد كانت الأهمية محصورة في مهارات تواصلهم الشفهي.

عندما يستهل القادة الحوارات، ينبغي أن يسعوا إلى التزامن مع أتباعهم، أو أن يحثوا أتباعهم على التزامن معهم. وتُساعد الدراية بظاهرة التزامن الدماغي القادة على فهم الأساس البيولوجي للتواصل الفعال على نحو أفضل. ويوحي هذا أنه من الأهمية بمكان أن يستهل القادة حواراتهم بهدف تحقيق التزامن مع أتباعهم. والعثور على أرضية مشتركة ووسيلة للتواصل أمر مهم، ومن الممكن أن يتمخض عن مستوى أعلى من الترابط المنطقي أثناء التواصل بين القادة والتابعين.

في إطار صناعة القرار، المهم تزامنك لا سلطتك. حاول أن تتنبأ برد فعل الآخرين تجاهك بأن تضع نفسك مكانهم، وتتجلى أهمية هذا الأسلوب عند التحكم في مشاعر الآخرين وعواطفهم. وهي مهارة من الممكن تطويرها. سوف يستفيد القادة من تخصيص وقت محدد للتنبؤ بمدى تأثير قراراتهم على الآخرين، ومن ثَم تعديل تلك القرارات إذا دعت الحاجة.

إننا نعلم أيضاً أن التزامن الاجتماعي يضطرب عندما يتعرض الناس للتهديد، عندها يسجل “جرس إنذار” المخ، ألا وهو لوزة المخ، التهديد. وفي المؤسسات، توحي هذه الحقيقة أنه لكي ينظر الناس للقادة على أنهم قادة، يجب أن يتواصلوا مع أتباعهم على المستوى الوجداني، وأن يستوعبوا وجهات نظرهم، ويتعاطوا مع التهديدات التي تزعزع التعاون.

وتشتهر المنطقة الدماغية التي تزامنت في دراسة جيانغ أيضاً بأن لها دوراً بارزاً في مشاركة الحالات الوجدانية وقراءة الحالات الذهنية للآخرين، وهما سمتان بالغتا الأهمية للحفاظ على تماسك المجموعة وتعاونها. ولما يكون العقل متعاوناً، عادةً ما تنشطه المشاعر الاجتماعية المشتركة. وإذا أراد القادة أن يؤثروا بحق في أتباعهم، فعليهم ألا ينسوا هذه الحقيقة، وأن يتحدثوا وفقاً لها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .