أكبر العقبات التي يواجهها الخريجون الجدد عند الدخول إلى سوق العمل

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“شعور بالإرهاق”. “شعور بالضياع”. “شعور بالقلق”. “كل شيء بمثابة صراع”.

في مقابلات أجريناها مؤخراً مع 54 خريجاً جامعياً، وصف هؤلاء الخريجون تجربة انتقالهم من الحياة الجامعية إلى الحياة المهنية بعدد محدود من الأوصاف. إذ شعر الكثير من الشباب والشابات الذين تحدثنا معهم بالحيرة والارتباك وعدم الرضا، وفي أحوال كثيرة استحوذ عليهم شعور بالصدمة في “العالم الحقيقي” على الرغم من تلقيهم نصائح بالانطلاق إلى العمل بقوة. وبالإضافة إلى تأثير هذه التجربة الشديد والصعب على الشباب أنفسهم وعلى رفاههم، فإنها تؤثر أيضاً على الشركات التي تهدر الوقت والمال في توظيف هؤلاء الشباب والشابات وتدريبهم للالتحاق بصفوفها والمساهمة مباشرة في المؤسسة.

وربط البعض هذه الصراعات بجيل الألفية، حيث يميل الشباب والشابات من هذا الجيل على نحو خاص إلى الصراع بسبب انهماكهم في شئونهم الخاصة واعتدادهم بذواتهم. وبغض النظر عن إحساسنا تجاه الأمر، تبين لنا من خلال مقابلات مع خريجين جدد والعمل معهم عن كثب بينما ينتقلون من الحياة الجامعية إلى الحياة المهنية، أنّ ثمة شيء آخر يساهم في هذا الأمر.

وفي نظرتنا، فإنّ السبب الرئيس وراء صراع الشباب والشابات لا يتعلق بالجيل، بل بالثقافة. ويكمن على وجه التحديد في التحول الثقافي المهم، والذي يتم عادة التقليل من أهميته، بين الحياة الجامعية والحياة المهنية. ويتبين لنا في بحثنا أنّ هذا التغير الثقافي يحدث على ثلاثة مسارات رئيسة على الأقل.

الآراء التقويمية

تقول ساندرا، وهي مساعدة لشؤون البحث في مجال الرعاية الصحية تبلغ من العمر 23 عاماً،: “كانت الدرجات ترافقني طوال حياتي ومنذ بداية المدرسة. يمكنك الحصول على تقييم فوري لأدائك. ولكنك لا تحصل على ذلك التقييم الفوري في العمل، وأعتقد أنّ ذلك كان بمثابة أحد أكبر التحديات خلال مرحلة انتقالي إلى الحياة المهنية”.

في الجامعة، يكون التقييم واضحاً ومستمراً. لديم مخطط مقرر دراسي، يسرد متطلبات الفصل والمعايير التي سيتم تصنيفك بناء عليها. ثم تحصل على تقييم من أستاذك الجامعي بعد كل تعيين تقوم بتسليمه. ليس عليك أن تطلب التقييم، حيث يُقدّم إليك مباشرة، وفي العادة دون كثير من التوضيحات الشخصية. وعلاوة على ذلك، من السهل جداً فهم مستوى أدائك الشخصي بالمقارنة مع أداء الآخرين أو مع نفسك في فصول أو سنوات دراسية سابقة، نظراً لأنّ الدرجات معيارية.

وكما يمكن أن تتخيل، يتغير نموذج التقييم بأكمله بمجرد دخول الطالب إلى الحياة المهنية. فبادئ ذي بدء، يكون التقييم الذي تتلقاه في العمل في أحوال كثيرة أقل انسجاماً وليس من السهل تفسيره مقارنة بما هو عليه الحال في الجامعة. وحسب مديرك ومؤسستك، قد تتلقى تقييماً واضحاً جداً ومفصلاً ومنسجماً حول التعيينات، أو ربما تتلقى تقييماً متقطعاً ويصعب تفسيره، من خلال ملاحظة سريعة هنا أو هناك حتى تمتلك تلك المراجعة الرسمية للأداء. وفي كلتا الحالتين، غالباً ما تتلقى تقييماً نوعياً أكثر من التقييم الكمي، ما قد يكون مربكاً بالنسبة للتلاميذ الذين يركزون على ما كانت عليه درجتهم الخاصة ومستواهم بالمقارنة مع باقي التلاميذ في الفصل.

وكنتيجة لهذه الاختلافات الثقافية، يمكن أن يمر المهنيون الشباب بحالة من غياب التقييم في الحياة المهنية، ويتساءلون حول طريقة التحسن، وفيما إذا كان عليهم أن يتحسنوا، وعن كيفية تطوير المهارات المطلوبة للتحسن داخل شركتهم وفي مسارهم المهني.

ويحتاج الخريجون الجدد إلى تعلم مهارة جديدة بشأن التقييم في عالم العمل والتي لم تكن جزءاً مألوفاً من نموذجهم الجامعي، وهي كيفية تلقي تقييم إيجابي وسلبي على حد سواء بطريقة مهنية هادئة. وقد يتلقى التلاميذ خبرة مفيدة جداً حول كيفية إعطاء التقييمات وتلقيها بكل مهنية، من خلال حصولهم على التقييم في فصول معينة نادرة مثل المسرح أو الكتابة الإبداعية. ولكن هذا لا يحدث بالضرورة في الغالبية العظمى من الفصول في الجامعة، حيث يتم تقديم التقييمات غالباً بشكل غير شخصي وبصورة مكتوبة ودون توفر إمكانية كبيرة للمساومة والنقاش والتفاعل وجهاً لوجه.

العلاقات

يقول ديفيد، وهو مستشار في استراتيجية الأعمال يبلغ من العمر 26 عاماً: “فجأة تجد أنك تقضي وقتك مع أشخاص من جميع الفئات ومن مختلف الخلفيات. وأنت لا تعلم شيئاً بالفعل عنهم”.

العلاقات في الحياة المهنية مختلفة جداً عنها في الجامعة. ففي الجامعة، تبني العلاقات مع الأشخاص الذين تريدهم، وفي أحوال كثيرة مع أشخاص من نفس فئتك العمرية تقريباً. وتتطور العلاقات بشكل طبيعي من خلال التفاعل في الفصل والأنشطة غير المنهجية في الحرم الجامعي ومن خلال الصداقات المشتركة.  ويكاد لا يوجد ما يدفعك للاحتفاظ بعلاقات لا تستمتع بها.

وعلى أي حال، عندما يدخل الطلاب الحياة المهنية، يجدون أنفسهم عالقين في تجربة بناء علاقات مختلفة جداً. فلم تعد العلاقات تتمحور حول إيجاد مجموعة للمرح وأشخاص لطفاء تلتقي بهم، بل للأمر جانب استراتيجي أكبر الآن. يعتبر بناء العلاقات في بيئة مهنية أمراً يتعلق بتطوير الصداقات، بكل تأكيد، ولكنه أيضاً بناء لشبكة قوية من الزملاء الذين يستطيعون مساعدتك على النجاح في وظيفتك والتقدم في مسارك المهني. وهذا يعني التفاعل على نحو منتظم مع أشخاص من فئات عمرية وخلفيات واهتمامات مختلفة.  كما أنه يعني تطوير علاقة مع رئيسك، الذي يمثل مرجعية جديدة لا يقوم بإخبار الأشخاص بما سيفعلونه فحسب، بل يمتلك أيضاً الكثير من القوة بشأن تطور المسار المهني مستقبلاً.

وأحياناً يحدث بناء العلاقات في الحياة المهنية مع أشخاص لا تحبهم بالفعل أو لا تريد أن تربطك بهم صداقة. وعلى العكس مما هو عليه الحال في الجامعة، حيث يمكنك تجنب الأشخاص الذين لا تحبهم بكل بساطة كالأساتذة الجامعيين الذين تختار عدم الالتحاق بفصولهم، لا ينطبق هذا الأمر في الحياة المهنية. وعليك إيجاد طرق لإدارة علاقاتك الصعبة بطريقة منتجة ومهنية.

وأخيراً، قلّما يوجد تأثير لطريقة انسجامك مع أحد الأساتذة في فصل ما على خبرتك أو أدائك أو سمعتك في فصل أو قسم آخر. ولكن بالطبع في العمل، قد يكون لتفاعلك مع رئيسك تأثيرات مهمة على نجاحك في شركتك الحالية. وإن اشتكى رئيسك من أدائك أو سلوكك المهني إلى قائد آخر، مثلاً، فقد يكون من الصعب بالنسبة لك أن ترتقي على السلم الوظيفي.

المساءلة

يقول مايكل، وهو مدير حسابات إقليمي يبلغ من العمر 27 عاماً: “عندما تكون شاباً تتخرج من الجامعة، ولا تدرك حقيقة وجهتك القادمة. فإما أن تنجز عملك أو لا تنجزه، وقد تفقد وظيفتك في يوم ما. يعتقد الطلاب أنّ الأمر يسهل التعامل معه مثل المدرسة، ولكنه مختلف تماماً. فهو ينطوي على مسؤولية كبيرة”.

يكمن الهدف من الجامعة، على الأقل من وجهة نظر تعليمية، في تطوير قاعدتك المعرفية وقدرتك على التفكير النقدي. وفي المدرسة، تكون مسؤولاً بشكل رئيس عن نفسك. أحياناً تكون ضمن فِرق مشاريع أو قد تتشارك مع شخص آخر لإنجاز مشروع ما. ولكن في النهاية، على الرغم من المسائل المتعلقة بأداء المجموعة، تقع المسؤولية الكاملة عليك وعلى إنجازاتك ونجاحك وتعلمك.

وفي المقابل، يوجد في البيئة المهنية أشياء أكثر على المحك، ويمكن أن يكون للأخطاء عواقب وخيمة. لست مسؤولاً عن نفسك فقط، بل عن فريقك وزملائك ورئيسك وشعبتك ومؤسستك. وإذا فشلت في إنجاز مهمة أساسية، أو ألحقت الضرر بالعلاقة مع أحد العملاء، أو أسأت إدارة تفاعل ما مع أحد المزودين، فلا يمكنك تعويض ذلك أو طلب درجات إضافية.  وليس بالضروري أو الحصري أن تكون الأخطاء فرصاً تعليمية، حيث قد يترتب عليها عواقب وخيمة على سمعتك ومسارك المهني، وهو ما يضيف طبقة جديدة من الضغط والمسؤولية الشخصية على المهني الشاب.

وتظهر هذه المواضيع الثلاثة أنه في حين يقوم بعض المهنيين الشباب والشابات بالانتقال من الجامعة إلى مكان العمل بسهولة، يعاني آخرون إلى حد كبير. إذاً ماذا تستطيع الشركات والمدراء أن يفعلوا للمساعدة في تيسير عملية التحول الثقافي بالنسبة للمهنيين الجدد؟

توصيتنا الأولى هي معاملة هذا التحول كما تتعامل مع أي تحول ثقافي مهم آخر، وتطبيق أفضل الممارسات في التأقلم الثقافي إلى التأقلم من الجامعة إلى الحياة المهنية. وهذا يعني تعليمهم بشأن المعايير والقوانين، وبشكل صريح إلى حد ما عن سبب اختلاف هذه القوانين والتوقعات عن الجامعة.

ولكن الشركات الذكية تدعم باستمرار وجود طريقة تفكير إيجابية ومشجعة بين الموظفين الأكثر خبرة أيضاً. ويجب على القادة الإشارة إلى حقيقة أن الجميع كان شاباً في مرحلة ما وربما يكون قد مرّ بعمليات تحول ثقافي صعبة. وإذا استطاع الموظفون الخبراء التعاطف مع ما يواجهه الخريجون الجدد، فقد يكونون أكثر ميلاً لنسب سلوكهم إلى التحول الثقافي بدلاً من نوع ما من امتلاكهم “عقلية المتصدر”، أو على الأقل أن يكونوا منفتحين على هذا التفسير البديل.

ويعتبر الإرشاد جزءاً أساسياً بالطبع من هذه العملية، ولكن تذكّر أنّ المرشدين الأكثر خبرة ليسوا بالضرورة الأفضل. الأمر المهم هو إيجاد مرشدين يتمتعون بالخبرة في كلا جانبي التحول، ويتذكرون شكل التحديات ومن تعامل معها وتغلب عليها. كما أنّ من المفيد بالنسبة للمرشدين أن يمتلكوا أصدقاء وزملاء قد يمتلكون تجارب مشابهة أيضاً. وبهذه الطريقة، يستطع المرشدون تزويد المهنيين الجدد بمجموعة من الخيارات والمسارات للوصول إلى النجاح.

وأخيراً، يجب على المهنيين الشباب والشابات أنفسهم أن يكونوا مستعدين لتخصيص الوقت وبذل الجهد اللازم لاحتراف عملية الانتقال من مكان الدراسة إلى مكان العمل لتحقيق هذا النجاح. وقد يعني هذا التواصل مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة الأكثر خبرة للتعلم حول ما ساعدهم على إدارة انتقالهم. كما قد يعني التعرف على نوع المهارات الشخصية التي يفتقرون إليها، ووضع خطة ما لتطويرها. ففي نهاية المطاف، ما وجدناه في عملنا هو أنّ ما تضمنته الكتب وتلقّاه الطلاب في تعليمهم الجامعي سيصل بهم إلى هذا الحد فقط.

اقرأ أيضاً: الفصل بين العمل والحياة الشخصية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .