ما هي الدول التي تقود اقتصاد البيانات؟

6 دقائق
الدول التي تقود اقتصاد البيانات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما هي الدول التي تعد من كبار منتجي البيانات؟ وما هي الدول التي تقود اقتصاد البيانات حول العالم؟ لقد تنبأت ماكنزي بأن تطبيقات الذكاء الصناعي التي عمادها البيانات ستولّد ما يقارب من 13 مليار دولار في النشاط الاقتصادي العالمي بحلول العام 2030. ويمكن لهذا الأمر أن يحدد نظاماً دولياً جديداً ولاعبين اقتصاديين جدد بشكل يشابه ما قام به إنتاج النفط في القرن الماضي.

وبينما يمكن أن تبزغ كل من الصين والولايات المتحدة على أنهما الدول العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يمكننا أن نقول بأنّ إنتاج البيانات مقتصر على أماكن قليلة كما كان الوضع في المرحلة النفطية، إذ يجب أن يتم استخلاص البيانات من مصادر عديدة ومتنوعة. كما أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستقبلية ستقوم بدورها بتقديم لاعبين جدد وغير متوقعين، كما أنه يُحتمل أن يتخذ النظام العالمي الجديد شكلاً أكثر تعقيداً من النظام ثنائي القطب البسيط، خاصة وأن إنتاج البيانات يتم بوتيرة تحير العقل.

كيفية تحديد الدول التي تقود اقتصاد البيانات

أردنا بدورنا محاولة تحديد مجموعات البيانات المفيدة بشكل أعمق وأوسع، معتمدين على أبحاثنا السابقة التي وضعت خريطة للتطور الرقمي والقدرة التنافسية الرقمية لمختلف البلدان حول العالم، والتي تتمثل أهميتها في تشغيل نماذج التعلم الآلي العديدة الضرورية للذكاء الاصطناعي. ومن المفيد هنا التمييز بين الكمية الخام/الأولية للبيانات، وعملية سندعوها “ناتج البيانات الإجمالي” (تعبيرنا المشتق من عبارة “الناتج المحلي الإجمالي”). ونقترح بدورنا استخدام المعايير الأربعة التالية إن أردنا تحديد المنتجين الرئيسين “لناتج البيانات الإجمالي” عالمياً:

الحجم:

القيمة المطلقة للنطاق العريض التي يستهلكها بلدٌ ما، كوكيل للبيانات الخام/الأولية المتولدة.

الاستخدام:

عدد المستخدمين النشطين للإنترنت، كوكيل لاتساع نطاق سلوكيات الاستخدام واحتياجاته وسياقاته.

إمكانية الوصول:

مدى انفتاح المؤسسات على تدفق البيانات كطريقة لتقييم ما إذا كان يُسمح بوصول العديد من الباحثين والمبدعين والتطبيقات في مجال الذكاء الاصطناعي في بلد ما إلى البيانات المنشأة فيها بسهولة كبيرة وإمكانية استخدام تلك البيانات.

التعقيد:

حجم استهلاك الفرد الواحد للنطاق العريض، كوكيل لتطور وتعقيد النشاط الرقمي.

ويمكن ملاحظة العديد من الفروق الدقيقة. أولاً، ندرك مدى تعقيد وانتشار الآثار الرقمية التي تولدها الأجهزة الرقمية، من إرسال رسالة نصية قصيرة وصولاً إلى إجراء معاملة مالية. ولكي تكون المقارنة عادلة وبين الأمور نفسها بغض النظر عن الموقع الجغرافي، استخدمنا النطاق العريض للفرد كمقياس يعبّر عن هذا الاتساع والتعقيد (وهو يشبه استخدام نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كوكيل عن الازدهار العام).

اقرأ أيضاً: ما نوع علماء البيانات الذين تحتاج إليهم؟

ثانياً، تختلف الدول فيما بينها من حيث كيفية استخدام مؤسساتها للبيانات وتشاركها فيما بينها، ووجود أطر هوية رقمية يمكنها المساعدة في ربط الأفراد بأنشطتهم الرقمية. ويمكن لهذه العوامل المؤسسية أن تُحدث فرقاً في كيفية تجميع البيانات مع بعضها البعض في نهاية المطاف. ولقد اخترنا البلدان المدرجة في تحليلنا بناء على الاعتبارات التالية:

1) إن البلدان التي يُنظر إليها على أنها من أهم المساهمين في الاقتصاد الرقمي العالمي هي تلك التي حققت درجة مرتفعة على مقياس التطور الرقمي لدينا سابقاً أو لديها زخماً قوياً في أنشطتها الرقمية.

2) البلدان التي لديها انتشار إقليمي معقول ووضع اجتماعي اقتصادي جيد.

3) البلدان التي زودتنا بقاعدة بيانات وأدلة ملموسة لإجراء التحليلات.

وأخيراً، يجب النظر إلى عامل آخر مهم في تحديد إمكانية الوصول وهو الخصوصية. يمكن للمخاوف المتصلة بالخصوصية وأنظمة حماية البيانات أن تساعد قدرات الخوارزميات على تطوير إمكانات جديدة أو تعوقها. والموقف الذي اتخذناه فيما يتعلق بهذا التحليل هو أن لوجود إطار راسخ لضمان الخصوصية وحماية البيانات والانفتاح على حركة البيانات مفيد جداً ويساهم إيجابياً في تطوير الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، لننظر إلى مشكلة كشف الاحتيال في المعاملات المالية: يكون لدى التطبيقات في العادة رؤى نتجت من أنماط استخدام حامل البطاقة المالية لبطاقته والأماكن الجغرافية التي قام باستخدامها فيه. ويمكن أن تساعد تلك الرؤى على إنشاء أنماط موثوقة تساعد في تحديد المخاطر الأمنية في حال اختلاف استخدام البطاقة المالية بشكل مختلف عن تلك الرؤى. إلا أنه وفي الوقت نفسه، هناك أيضاً بعض البلدان التي تقوم فيها مؤسسات القطاع العام والخاص لديها بتبادل البيانات بشكل مستمر، لكن مع بقاء تلك البيانات في الكامل ضمن البلاد (والصين تبرز هنا كمثال مهم على ذلك). ويمكن أن يمثّل هذا انتهاكاً لمعايير الخصوصية والانفتاح من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن أن يعطي ميزة تتمثل في أنه يقدم “تجربة مضبوطة” لأي فكرة أو إجراء جديد قيد التطبيق لدراسته بأفضل شكل ممكن.

اقرأ أيضاً: ما الأخطاء التي ترتكبها الشركات عند توظيف البيانات في مجال التنوع؟

ولكن فيما يتعلق بالبيانات، أي من هذه المعايير يجب استخدامه في تقييم نظام عالمي جديد محتمل؟ نعتقد أن على إمكانية الوصول أن تبقى المعيار الأساسي، إذ إنه في حال قرر المرء تبني الفكرة القائلة أن أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي وأعلاها أثراً تلك التي تخدم الصالح العام، فإن الوصول إلى البيانات هو العامل الأساسي هنا. ففي دراسة ماكنزي الأخيرة حول تخديم الذكاء الاصطناعي للصالح العام، ترى ماكنزي أن الوصول يمثل أحد العوائق الرئيسة: فمن بين المشاكل الـ 18 التي حددتها ماكنزي، 6 منها تتعلق بتوفر البيانات وحجمها وجودتها وسهولة استخدامها.

ويوضح الرسم البياني أدناه ما يحدث عندما صنّفنا 30 دولة قمنا بدراستها باستخدام معيارين من معاييرنا:

الدول التي تقود اقتصاد البيانات

وبينما حققت الولايات المتحدة، كما كان متوقعاً، علامة جيدة في جميع المعايير الثلاثة، نرى معاناة الصين من عائق كبير، هذا إن كنا نرى أن الوصول العالمي للبيانات أمر حيوي لإنشاء تطبيقات ذكاء اصطناعي مستقبلية ناجحة. وإذا نظرنا إلى الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك المملكة المتحدة حالياً) ككتلة واحدة، سنرى أنه يمثل أحد المنتجين الرئيسين مع ناتج إجمالي يمكنه منافسة الولايات المتحدة. كما يمكن لكل من الصين وروسيا والبرازيل والهند (ما يُعرف باسم دول “البريك”) كمنافس قوي للكتلتين أعلاه اعتماداً إلى حد كبير على البيانات الخام التي تنتجها، إلا أن ما تقوم به تلك الدول من الحد من إمكانية الوصول قد يؤثر على قدراتها بدوره.

اقرأ أيضاً: لماذا يحتاج علم البيانات إلى موظفين ذوي خبرة عامة وليس إلى موظفين متخصصين؟

وهناك دول أخرى مساهمتها متواضعة، مثل نيوزيلندا، ودول لا تنتمي إلى اتحادات اقتصادية أكبر، مثل كوريا الجنوبية، إنما ذات انفتاح وحركة تدفق بيانات مرتفعة؛ ويمكن لتلك البلدان زيادة استفادتها عبر وضع اتفاقات تجارية متصلة بالبيانات مع بلدان أخرى مشابهة لها في انفتاحها، وبالتالي التغلب على قيودها الجغرافية، سواء من حيث عدد المستخدمين أو حجم النطاق العريض المستهلك فيها. ولم يتم بعد تحديد كيف سيكون شكل الاتفاقيات التجارية أو تبادل البيانات هذه؛ لكن يمكننا أن نتصور وجود قدرات كبيرة كامنة وبخاصة عندما ندرك أن لناتج البيانات الإجمالي قيمة مثل أي منتجات ملموسة أخرى يتم تداولها بحرية اليوم.

وبدأ العالم ينظر مؤخراً إلى القيمة المرتفعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإلى المخاطر الأخرى التي تتمثل في امتلاك الذكاء الاصطناعي نفسه فهماً زائداً عن الحد أو رؤيته بشكل خاطئ وسوء تفسير ما يحمله من مستقبل. ولكن في الوقت نفسه، يمكننا رؤية العديد من التطبيقات الهامة له قيد الاستخدام بالفعل وأخرى على الطريق. ونرى بدورنا أن إطار عملنا التحليلي مرن بما يكفي لاستيعاب أي تطورات. وفي حال استخدمنا مجموعة معايير مختلفة ملائمة أكثر لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الناجحة، ستختلف الصورة أدناه. ويقدم الرسم البياني أدناه أحد هذه الاحتمالات، حيث نُظر فقط في التعقيد وسهولة الوصول.

النظام العالمي الجديد للبيانات

وعند النظر إليها بهذه الطريقة، سنرى هيكلاً خطياً لهذا النظام العالمي “الجديد” المعتمد على البيانات، فيه يظهر ارتفاع نصيب الفرد من استهلاك النطاق العريض، والبلدان المنفتحة مؤسساتياً (في الجزء العلوي الأيمن من الرسم البياني) كفائزين واضحين. ويمكن للمرء أن يتخيل سيناريو فيه الدرجة العالية من التعقيد وقابلية الحركة للبيانات تتدفق في أعلى يمين الرسم لتسمح بمنطقة “تجارة حرة” أكثر إنتاجية، تستفيد فيها البلدان من مستودعات البيانات الموجودة لديها بشكل متماثل.

الدول التي تقود اقتصاد البيانات

وأخيراً، نظرنا في سيناريو فيه يجب النظر إلى المعايير الأربعة بنفس الأهمية. وإذا وضعنا أهمية متساوية لجميعها، يظهر ترتيب منتجي البيانات “الجدد” والنظام العالمي الجديد بالشكل التالي:

  1. الولايات المتحدة

  2. المملكة المتحدة

  3. الصين

  4. سويسرا

  5. كوريا الجنوبية

  6. فرنسا

  7. كندا

  8. السويد

  9. أستراليا

  10. جمهورية التشيك

  11. اليابان

  12. نيوزيلندا

  13. ألمانيا

  14. إسبانيا

  15. أيرلندا

  16. إيطاليا

  17. البرتغال

  18. المكسيك

  19. الأرجنتين

  20. تشيلي

  21. بولندا

  22. البرازيل

  23. اليونان

  24. الهند

  25. جنوب إفريقيا

  26.  المجر

  27. ماليزيا

  28. روسيا

  29. تركيا

  30. إندونيسيا

وتوفر هذه التقسيمات بطبيعة الحال رؤية مهمة حيث يعتمد منتجو البيانات الرئيسيون على مجموعة من الافتراضات حول التطبيقات التي ستكون مرتفعة القيمة مستقبلاً. وكان هدفنا هو الاعتراف بالشكوك وإظهار كيف تعطي الافتراضات البديلة سيناريوهات نظام عالمي مختلف في كل مرة. وسيظهر هناك تصنيف وترتيب مختلف في حال طرحنا مجموعة أسئلة مختلفة تركز على النتائج، مثل القيمة الاقتصادية أو الجيوسياسية لكل دولة باستخدام الذكاء الاصطناعي أو كيفية ترتيب الدول من حيث سهولة ممارسة الأعمال الرقمية حالياً مع استعدادها لدعم ذلك مستقبلاً. ونحن نعمل على هذا ضمن مشاريعنا المستقبلية

اقرأ أيضاً: ما سبب إخفاق البيانات في إصلاح المنظومة التعليمية الأميركية؟

تمثل البيانات وقود الاقتصاد الجديد، والعامل الأكثر أهمية للاقتصاد في المستقبل. وقد قالت مجلة ذي إيكونومست في مقالها في عام 2017 بأن أغلى مصدر في العالم لم يعد النفط، بل البيانات، وأضافت: “سواء أكنت تسير في الطريق، أو تشاهد التلفاز، أو حتى عالقاً في زحمة السير، يخلق كل نشاط تقريباً أثراً رقمياً – ويقدم المزيد من المواد الخام لمصانع تقطير البيانات”. ستكون الخوارزميات التي تم تدريبها باستخدام كل هذه الآثار الرقمية ذات نتائج عالمية التأثير لدرجة احتمالية قدوم نظام عالمي جديد منها، إلى جانب “الناتج المحلي الإجمالي” الجديد (ناتج البيانات الإجمالي) والذي يجسد مقياساً جديداً لثروة الأمم وقوتها. لقد حان الوقت لتحديد ما يبدو عليه المجال حالياً فيما يتعلق بالفرص التنافس والتعاون الجديدة الناشئة.

ملاحظة المحرر: يمثل كل تصنيف أو فهرس إحدى الطرق التي نقوم فيها بتحليل الشركات أو الأماكن ومقارنتها ببعضها باستخدام منهجية محددة ومجموعة بيانات. نرى في هارفارد بزنس ريفيو أنه يمكن أن يوفر المؤشر جيد التصميم رؤى مفيدة، على الرغم من أنه يعطي صورة لحظية للوضع الراهن فحسب. ونحثك دائماً على قراءة آلية التقييم بعناية من أجل معرفة الدول التي تقود اقتصاد البيانات بشكل صحيح.

اقرأ أيضاً: لكي تنطلق في عمل مستند إلى البيانات ابحث عن شريك متفهم

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .