اللاجئون بحاجة إلى وظائف، ريادة الأعمال هي الحل

4 دقائق
توظيف اللاجئين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلق تدفق اللاجئين إلى أوروبا من أفريقيا والشرق الأوسط ما يمكن القول بأنها أكبر أزمة تواجهها أوروبا منذ ولادتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. الناس محتارون ويضربون كفاً بكف متسائلين: ماذا نفعل بملايين المهاجرين واللاجئين الذي يعبرون الحدود إلى الغرب؟ كيف نتعامل مع مليون طلب لجوء إلى أوروبا؟ فماذا عن توظيف اللاجئين من أجل حل هذه المشكلة؟

مقال توظيف اللاجئينمن الوسائل الممكنة للمساعدة في وقف المزيد من الهجرة وتحقيق أقصى فائدة من أولئك المتواجدين الآن في أوروبا الترويج لريادة الأعمال كوسيلة لخلق الوظائف. هذا الحل غائب تماماً. علينا تذكر أن البطالة وفقدان الأمان الاقتصادي العام من بين الأسباب الرئيسية وراء اتخاذ الأشخاص المتأثرين بالحروب أو بالفوضى الداخلية قرار الفرار في النهاية، والوظائف هي تحديداً أهم ما يحتاجونه فور وصولهم إلى وجهتهم في وطنهم الجديد.

ريادة الأعمال ودورها في توظيف اللاجئين

ريادة الأعمال مصدر أساسي مجرّب لخلق الوظائف في الاقتصاديات الصغيرة والكبيرة. ترى مؤسسة إيوينغ ماريون كوفمان (Ewing Marion Kauffman Foundation)، خلية التفكير الرائدة في ريادة الأعمال، أن الشركات الصغيرة – وليس الشركات التقليدية – هي ما يهم لخلق الوظائف. فقد أظهر بحث مؤسسة كوفمان أن الشركات الشابة كانت المسؤولة عن ما يقرب من ثلثي الوظائف الجديدة الأميركية في بعض السنوات (1985- 2005).

ليس هذا التوجه جديداً في جعل مناخ الأعمال أكثر جذباً. فالحكومات لطالما استثمرت في صناعات محددة وقدمت إعفاءات من الضرائب، وأدخلت قوانين أخرى لجذب الشركات إلى مناطق معينة بهدف خلق الوظائف وتوسيع القاعدة الضريبية. لكن الترويج لريادة الأعمال يختلف قليلاً، فهو يتطلب تدعيم نظام بيئي من النشاطات واللاعبين لمساعدة الشركات الناشئة على النمو لتصبح شركات تخلق وظائف.

في كتابي، ريادة الأعمال من أجل السلام، كتبت عن حوالي ستة نشاطات وستة لاعبين يمكنهم زيادة النشاط الريادي. أدعوه نموذج 6+6 لتطوير منظومة ريادة الأعمال. النشاطات الستة هي:

1- حدّد رواد الأعمال (مثلاً، عبر مسابقات خطط العمل).
2-  درّب رواد الأعمال (عبر الكليات والبرامج الرائجة هذه الأيام للتدريب على تأسيس الشركات مثل معهد ستارت أب غريند (Startup) وبرنامج جنرال أسيمبلي (General Assembly).

3- اعمل على خلق رابط بين رواد الأعمال وإدامته (عبر الاجتماعات ومنظمات رواد الأعمال، بالإضافة إلى حاضنات رواد الأعمال والمسرعات، ومساحات العمل المشترك والتعاونية).

4- موّل رواد الأعمال (بدءاً بإطلاق أو زيادة نشاط مجموعة المستثمرين الملائكة، وهم الذين يكتشفون رواد الأعمال ويمولونهم، وحتى المساعدة على تحفيز وإطلاق صناديق تمويلية جديدة).

5- أسس لسياسة عامة تدعم ريادة الأعمال (تعزيز حماية الملكية الفكرية وتسهيل ممارسة الأعمال أو إدارة الأعباء التنظيمية).

6- احتفِ برواد الأعمال (بإخبار قصصهم في جميع وسائل الإعلام) لزيادة الدعم الاجتماعي لريادة الأعمال.

اللاعبون أو المنظمات الست التي يجب إشراكها في هذه البرامج هم: ( الشركات، المؤسسات، الجامعات، المنظمات غير الحكومية، المستثمرون، الحكومة).

إن كان خلق الوظائف الهدف الرئيسي للسياسة المتبعة، فيجب في هذه الحالة استكشاف جميع أشكال ريادة الأعمال. في أغلب الأحيان ينظر إلى ريادة الأعمال إلى أنها الشركات التقنية الناشئة، لكن ريادة الأعمال أوسع بكثير. فالترويج لريادة الأعمال لا يعني بناء “وادي سيليكون للصناعة x”، بل يتعلق بفهم المزايا الفريدة لجغرافيا أو لشعب ما بحيث تصمم برامج ريادية تناسب الظروف المحلية. تتضمن هذه المزايا ثلاث فئات: “لا تقنية” أو “التقنية المنخفضة”، إضافة إلى “التقنية العالية”. في الواقع، تخلق الشركات الناشئة من فئة “التقنية القليلة” أو “لا تقنية” في البلدان المتطورة وظائف أكثر مما تخلقه الشركات العالية التقنية (خذ مثلاً ستاربكس أو إيكيا مقابل جوجل أو آبل).

على أي شخص يقلقه هذا التدفق لمهاجرين يفتقدون للمهارات إلى مدينته أن يعوّل على توظيف اللاجئين وقوة خلق الوظائف لتحقيق الاستقرار. المجتمع العامل مجتمع مستقر، أما المجتمع العاطل عن العمل – بالإضافة لكونه غير متوائم اجتماعياً – هو جوهر ما يخاف كثيرون في الغرب أن يجلبه المهاجرون معهم: الاضطراب، وتدمير “أسلوب الحياة”، والعنف.

البطالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تظهر لنا نظرة على الدراسات أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الموطن لأعلى النسب من بطالة الشباب في العالم (تتجاوز 40 بالمئة  في بعض المناطق)؛ وأن الأرقام التي تقابلها في بعض تجمعات المهاجرين في أوروبا (مثل مولنبيك في بلجيكا) عالية أيضاً؛ وأن 50% من البالغين الذي ينضمون لحركات التمرد في بؤر التوتر يفعلون ذلك لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل؛ وأنّ “الثورات العربية.. كان وقودها الفقر والبطالة والعوز للفرص الاقتصادية”.

ريادة الأعمال تولد بالضبط ذلك النوع من الفرص الاقتصادية، فالأعمال الجديدة تخلق وظائف وفرصاً جديدة للمستثمرين. أوروبا في الواقع رائدة في محاربة البطالة والإقصاء الاقتصادي في المناطق الصعبة. أما الولايات المتحدة المتميزة  بثقافة الابتكار وريادة الأعمال فلا تخصص أجهزة الاستثمار الأجنبي فيها إلا 1% من إنفاقها على برامج ريادة الأعمال (بحسب حساباتي الخاصة وحسابات شبكة أسبن لتطوير رواد الأعمال). أما أوروبا، من الناحية الأخرى، وفي مقدمتها ألمانيا وهولندا والسويد، فتنفق نسبة أكبر من صناديقها لتنمية الأعمال الدولية على دعم رواد الأعمال والمشاريع المشجعة للأعمال في البلدان النامية. وسواء تحدثنا من ناحية تدريب المهارات أو مِنح البحوث والتطوير أو حاضنات الشركات الناشئة، فإن لدى أوروبا الخبرة في تطوير الأنظمة البيئية لريادة الأعمال في أفريقيا وآسيا وأماكن أخرى بما فيها نفس الأماكن التي يفر منها المهاجرون حالياً. وبالطبع، في الوقت الذي تنفق فيها أوروبا أكثر من الولايات المتحدة، فإن مجمل الإنفاق على الترويج لريادة الأعمال في الدول النامية لا يزال ضئيلاً. من هنا، قد تكون الزيادة التدريجية لمثل هذه البرامج في المناطق الرئيسية التي يتدفق منها اللاجئون خطوة ذكية.

كما يمكن الترويج لريادة الأعمال في المنزل أيضاً، وهي برامج ستكلف أقل بكثير من الخيارات الأخرى- أقل بالتأكيد منريادة الأعمال وتوظيف اللاجئين تكلفة وضع سياج على الحدود، أو انتهاج سياسة غير إنسانية، أو الأسوأ من هذا كله، الحرب. تحقق ريادة الأعمال أيضاً ميزة رعاية ذلك الحلم الأوروبي المنشود، ولو كان بعيد المنال: الإدماج. فرواد الأعمال هم في الغالب أشخاص لديهم عقليات متشابهة ينسجمون مع بعضهم البعض لأنهم يضعون العمل والابتكار وتطوير المنتج فوق الفروق الاجتماعية والسياسية. لا فوارق في ريادة الأعمال، فهي تجمع المختلفين سياسياً ودينياً، كالروس والأوكرانيين، والأيرلنديين الكاثوليك والبروتستانت، وحتى المهاجرين مع أهل البلد.

من هنا فإن ريادة الأعمال قد تكون الدرع في وجه المعدلات الفلكية للبطالة التي تهدد الكثير من الدول الأوروبية (خاصة إسبانيا، إيطاليا، واليونان) والتي أسهمت في معاناة اليورو، وصعود الحركات الشعبوية، وغيرها من الإشارات على تدهور الوحدة التي تؤرق القارة.

وفي نهاية الحديث عن أهمية توظيف اللاجئين حول العالم، نحن نعرف كيف تبدو أوروبا المتفككة. كان التفكك السبب في نشوب حروب في أرجاء القارة كل ثلاثين عاماً على مدى الألف عام الماضية. خطة مارشال، السوق المشتركة، الاتحاد الأوروبي، اتفاقية ماستريخت، واتفاقيات شنغن، واليورو، كانت هذه أفضل استراتيجيات أوروبا لحفظ السلام على مدى 70 عاماً. ومع أن ريادة الأعمال أقل “مؤسساتية” من البقية، لكن بإمكانها أن تكون سياسة أوروبية تتمتع بنفس الروح كاستخدام الحلول الاقتصادية لمحاربة المشاكل السياسية. قد يكون دعم ريادة الأعمال لتوفير الوظائف السلاح السري لاحتواء تدفق المهاجرين وتحقيق أقصى ما يمكن من الفائدة من أكثر من مليون مهاجر موجودون حالياً في أوروبا.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .