معلومات محددة عن المنتج يمكن أن تجعل زبائنك أكثر سعادة

14 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (البودكاست) مع ريان بيول، وهو أستاذ مشارك في كلية هارفارد للأعمال. وقد ذكر ريان أن السعي الدؤوب وراء الكفاءة التشغيلية له عواقب غير مرغوبة. فعندما لا يستطيع الزبائن رؤية العمل الذي يجري في المكاتب الخلفية، والمصانع في الخارج، وفي الخوارزميات، فإنهم يشعرون برضا أقل تجاه مشترياتهم. ويعتقد بويل أن على المؤسسات تصميم نوافذ تطل على مجريات عملياتها من الداخل والخارج. ويقول إن زيادة الشفافية التشغيلية تساعد الزبائن والموظفين على حد سواء على تقدير قيمة ما يتم صناعته. بويل هو كاتب مقالة “الكفاءة التشغيلية” (Operational Transparency) المنشورة في هارفارد بزنس ريفيو.

وننقل لكم مقتطفات من المقابلة مع ريان بيول: (للاستماع إلى المقابلة بالكامل، أرجو الضغط هنا).

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو

تخيل مطعماً تجلس فيه وتطلب وجبتك وفي نهاية المطاف يأتيك طبقك من الطعام الساخن من أبواب المطبخ المتأرجحة.

والآن تخيل أنك في مطعم مختلف تطلب نفس الوجبة، إلا أنك تستطيع رؤية ما يدور في داخل المطبخ. ترى الطباخين وهم يقومون بإعداد وجبتك ووضعها في الفرن. وتراهم يضعون الطعام في الطبق ويضيفون إليه رشة أخيرة من الملح، ثم ترى النادل وهو يحمله إليك.

في المطعم الأول تبدو وجبتك كأنها شيء من السحر. إذ إنك لا ترى الأشخاص الذين قاموا بإعدادها أبداً. وفي المطعم الثاني، تكون تجربتك مختلفة. لديك فكرة أكبر عن الجهد الذي بُذل من أجل إعداد طعامك.

يتحدث ضيفنا اليوم عن أن الكثير من الأعمال في يومنا هذا هي من صنف المطعم الأول. انطلاقاً من روح الكفاءة، فإن الكثير من العمل الذي ندفع لقاءه مخفي الآن: في المكاتب الخلفية، أو بعيداً في دولة أخرى، أو مدفوناً بعمق في إحدى الخوارزميات.

وثمة مزايا كثيرة لهذا اﻷمر. لكن ريان بيول يقول إن ذلك يتسبب بمشكلة أيضاً للشركات، حيث يتزايد الشعور لدى الزبائن بعدم الرضا حول ما يشترونه بخسارة أي نافذة على العمل الذي يتم القيام به من أجلهم. ويمكن أن يشعر الموظفون أنهم لا يحظون بتقدير كاف أيضاً.

شكراً لقدومك يا ريان إلى برنامجنا.

ريان بيول: شكراً لاستضافتكم لي يا كيرت.

كيرت نيكيش: هل يجب أن يُرى عملك؟

ريان بيول: ليس دائماً. في الحقيقة نشهد توجهاً نحو عدم إظهار الكثير من الأعمال. إذا فكرت باللحظات التي نتفاعل فيها مع موقع أمازون، فإننا نتفاعل مع الموقع وبشكل سحري بعدة عدة أيام يظهر طرد بأعجوبة على مدخل بيتنا. ولكننا منفصلون عن مجموعة الأشخاص في عالم التكنولوجيا والذين يقومون في واقع الأمر بتلبية الطلبات وإحضار ذلك الغرض إلى منزلنا بطريقة تشبه السحر.

فمن ناحية، ستقول: “حسناً، هذا رائع. نحن نحصل بالضبط على ما نريده. المنتجات التي نريدها في أسرع وقت ممكن، وبكل سهولة. يبدو الأمر كله خالياً من الصعوبة”. ولكن التحدي هو أنه إذا أصبح العمل غير مرئي إلى حد كبير، يبدو الأمر وكأن لا أحد يقوم بأي عمل.

عندما ينفصل الزبائن عن الأشخاص والعمليات التي تخلق القيمة لهم، يصلهم إحساس بأن تلك العمليات لم تكلف الكثير من الجهد. فيقل إعجابهم بالخدمة، ثم يقل تقديرهم لقيمة الخدمة أيضاً. أعتقد أن ثمة فرصاً للكثير من الأعمال التجارية للتفكير بطريقة تصبح فيها أكثر شفافية على المستوى التشغيلي، بفتح الطريق أمام عملياتها حتى يتمكن الزبائن من الرؤية بشكل أفضل وفهم قيمة الشيء الذي تصنعه هذه الشركات في حياتهم.

كيرت نيكيش: هل يمكنك الحديث أكثر قليلاً عن ذلك، لأن الكثير من الأمور طرأت على أعمال القرن العشرين وجعلت الأشياء أكثر سهولة وأقل ثمناً بالنسبة للزبائن، سواء تم ذلك من خلال التكنولوجيا أو العولمة، وأصبحت الآن مشكلة لدرجة أن الأعمال التجارية قد يكون عليها التراجع عن ذلك؟ أو ما هي المشكلة التي تراها في هذا الأمر؟

ريان بيول: بينما تتطور الأعمال يصبح الزبائن معزولين بشكل أكبر عن الأشخاص والعمليات التي تخلق القيمة في حياتهم. إذا فكرنا كمستهلكين في المنتجات التي تجري صناعتها في الجانب الآخر من العالم، فإننا لن نذهب أبداً إلى المصانع التي يتم فيها صناعة هذه المنتجات.

أو إذا فكرنا بشأن التفاعل مع منصة تجارة إلكترونية عبر الإنترنت، يوجد الكثير من الأشخاص في تلك الشركة. في أمازون، يوجد الكثير من الأشخاص الذين يعملون في مراكز تلبية الطلبات. وفي واقع الأمر لن نرى العمل الذي يقومون به أبداً.

ويوجد الكثير من الأسباب الجيدة الكامنة وراء المسافة التي تقوم الأعمال التجارية بإيجادها بين زبائنها وعملياتها. وأحد أفضل هذه الأسباب هو أن بإمكانها أن تجعل العملية أكثر كفاءة. وينطوي السبب الآخر على أنهم يحاولون تبسيط الخدمة نفسها وجعلها غير معقدة قدر الإمكان.

ولكن تكمن هنا مشكلة تتمثل في أنه عند انفصال الزبائن عن العمل الذي يتم إنجازه خلف الكواليس لأجل خدمتهم، يقل إعجابهم بالخدمة ثم يقل تقديرهم لها.

ويتبين أن ثمة مشكلة لدى الموظفين أيضاً. عند عزل الموظفين عن الأشخاص الذين يساعدونهم، فإنهم يشعرون أن عملهم أقل أهمية وأقل تقديراً. وهذا يقلل من شعورهم بالرضا تجاه وظائفهم ويقلل من استعدادهم لبذل الجهد في عملهم.

كيرت نيكيش: كنت أقوم بتغطية أخبار الزراعة. وبذلك كنت أنقل أخبار الكثير من المزارعين الذين أرادوا أن يشتري الزبائن منهم اللحم أو أياً كان ما ينتجونه. وكان يوجد قدر كبيرة من المشقة أو والشعور بعدم السعادة نظراً لحقيقة أن الزبائن قد لا يقدرون حجم العمل الذي تطلبته تربية بقرة مثلاً. أو العمل الذي مرت به تجربة إدارة مزرعة للأسرة.

ريان بيول: لقد نشأت في مزرعة.

كيرت نيكيش: حقاً؟

ريان بيول: نعم.

كيرت نيكيش: أين ترعرعت؟

ريان بيول: في ميشيغان، في مكان على حدود مدينة فلينت.

كيرت نيكيش: والمزرعة من أي نوع؟

ريان بيول: كان فيها محاصيل زراعية بشكل رئيس. كنا نزرع الذرة وفول الصويا والقمح، ثم أصبح لدينا مزرعة ترفيهية نربي فيها الدجاج والبط والإوز والديك الرومي وماعز الأنجورا وحصانين. أحدهما اسمه كاروش والثاني اسمه كودي.

كيرت نيكيش: إذاً هذه هي الشفافية، أليس كذلك؟ إلى مزرعة، صحيح؟ عندما يمسك الشخص بقطعة لحم فهو لا يعرف البقرة. ولا يعرف اسم البقرة أو حتى المكان الذي أتت منه. ومن قبيل ذلك، أنني الآن أعمل في بوسطن وأعرف أشخاصاً قضوا عطلة نهاية الأسبوع ودفعوا نقوداً كثيرة للذهاب إلى إحدى المزارع في ولاية “مين” لرؤية طريقة ذبح الخراف على سبيل المثال.

أصبح الناس غير ملمين بمجريات الأمور لدرجة أن يحدث فجأة كل هذا التقدير للتساؤل حول سؤال: من أين يأتي اللحم؟ ومن أين غذائي؟ لفترة من الزمن، أحب الناس عدم الاضطرار للقيام بذلك العمل لأنهم علموا كيفية القيام به، والآن أصبحنا بعيدين بما فيه الكفاية حتى أنهم أرادوا أن يقدروا هذه العملية التي يمر بها العمل.

ريان بيول: أعتقد أن هذه نقطة مثيرة للاهتمام. لم يسبق لي أن فكرت في هذا الأمر في إطار الزراعة، ولكن إذا فكرت في طبيعة الحياة في المزرعة، تستيقظ صباحاً، وأحياناً قبل طلوع الشمس. إذا كانت مزرعة فيها مواشي فستكون في الخارج تطعم الحيوانات وتسقيها. وإذا كانت مزرعة تزرع فيها المحاصيل فستقضى وقتاً طويلاً في الحقول. ثمة الكثير من العمل الذي يحدث أثناء إنتاج ذلك المحصول.

ومن المثير التفكير بشأن الفرصة التي يخسرها الزبائن، ولكن ماذا برأيك يخسر الأشخاص الذين يقومون بذلك العمل عندما يفتقر الأمر إلى الشفافية؟ أو بالنسبة للزبائن في ذلك العمل المخفي الذي يجري القيام به لإطعامهم ولخدمتهم؟ وبالنسبة للمزارعين وللأشخاص الذين يحققون الاستدامة في حياتهم من خلال جهودهم وعملهم؟ من المثير التفكير بشأن ماذا لو امتلك الناس قدراً أكبر من المعرفة بالقيمة التي يضيفونها إلى حياة الآخرين، وكيف يمكن أن تجعل العمل الذي يؤدونه أكثر تحفيزاً.

كيرت نيكيش: لا، إنها حقيقة. أفكر كثيراً فيما جاء بالأعمال الحديثة التي تنتج أكثر بتكلفة أقل. الكثير منها خلقت مسارات عمل وعمليات يستمتع فيها الناس لأنها تنتج الكثير بتكلفة جيدة، ولكن الناس لا يرغبون دائماً برؤية ما لا يدفعون من أجله.

ريان بيول: هذا صحيح. وأعتقد أن فكرتك حول الكفاءة مهمة للغاية. ثمة سبب جيد يكمن خلف قيام معظم المزارع بعزل أنفسها عن عامة الناس. إذا أردت امتلاك مزرعة منتجة، فإن امتلاك زبائن يتجولون في حقولك ويتسلقون الأشجار على الأرجح أنه ليس الطريقة الأفضل لتحقيق أعلى قدر من الكفاءة. في ستينيات القرن الماضي اعتاد الباحثون الذين كانوا يدرسون مسألة حجم التواصل الذي نريده بين الزبائن والعمليات، على تسمية الزبائن بـ “اضطرابات بيئية”. الفكرة التي نفهمها من ذلك مباشرة هي أنه “يجب أن نعزل تكنولوجياتنا وعملياتنا الأساسية بعيداً عن الزبائن”.

وذلك ببساطة لأن الفكرة الأساسية كانت تتمثل في أنه كلما زاد التواصل بين الزبائن والعمليات، قلت الكفاءة في الإنتاج. ولكن الفكرة الحقيقية هنا والمعلومة الكامنة خلف الشفافية التشغيلية هي أننا إذا أخرجنا ذلك من إطاره المنطقي، يوجد أشياء نخسرها أيضاً.

إذاً يوجد حل لهذه المشكلة، وهو أن نقدم الشفافية التشغيلية أو نوافذ تطل على مجريات العمليات من الداخل والخارج وتسمح للزبائن برؤية وتقدير العمل المخفي الذي يحدث وراء الكواليس لخدمتهم، وتسمح للموظفين برؤية الأشخاص الذي يتلقون المساعدة جراء الجهد الذي يبذلونه، ما يجعلهم يشعرون بالتقدير والأهمية تجاه العمل الذي يقومون به.

كيرت نيكيش: ما القدر الذي يريد الزبائن رؤيته حسب رأيك؟

ريان بيول: أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تختلف من وضع إلى آخر. وأرى أن ثمة أمثلة واضحة تبدو فيها الشفافية التشغيلية أمراً معقولاً جداً، حيث تجد أشخاصاً خبراء في مهنتهم ويعملون بجد لخلق قيمة متميزة للزبائن. وهم مستقلون ولا أحد يرى عملهم. إنهم يكدحون في الخفاء.

يكون إظهار العملية والسماح للزبائن برؤية وتقدير ما يتم القيام به هو أمر معقول للغاية في أوضاع مثل هذه. ولكن في الوقت نفسه، توجد أمثلة أخرى يكون فيها إظهار العملية أمراً خاطئاً، أو تشعر أنه كذلك على المدى القصير.

كيرت نيكيش: ذكرت كلمة مفتاحية وهي “التميز”، وأعتقد أن هذا أمر معقول بالكامل بالنسبة لي لأنني سمعت الكثير من القصص عن أشخاص يحبون عملاً جديداً، وتسألهم لماذا، فيجيبونك أنه بسبب وجود نافذة على كواليس هذا العمل.

يحبون هذا المطعم لأنه يعد قائمة وجباته لليوم وينشر تغريدات عنه، وهم يتابعونه عبر الإنترنت ويحصلون على معلومات حول الوجبات المتوفرة. هذا أحد الأمثلة.

وموقع إتسي للأعمال اليدوية (Etsy) هو مثال استثنائي للأشخاص الذين يقولون في أنفسهم “حسناً، سأدفع كثيراً مقابل هذا الطبق لأن تلك المرأة في ولاية فيرمونت ترسمهم بنفسها”. ويكون لديك ذلك النوع من المعلومات حول البضائع المميزة والشفافية التي تساعدك على رؤية ذلك.

ريان بيول: نعم. أعتقد أن الفكرة التي تحاول إيصالها مهمة جداً لأننا ننظر غالباً إلى التميز على أنه مجرد وظيفة لنتائج الخدمة أو لعمليات التصنيع. وما أقوله هو أنه إذا زادت العمليات التي يتم إجراؤها بشفافية، حتى يستطيع الزبائن بالفعل رؤية العمل المخفي الذي يدور وراء الكواليس، فإن العملية نفسها يمكن أن تكون مميزة أيضاً. وهذه فكرة قوية حقاً.

إذاً، في الغالب نحاول ونعزل الزبائن عن الجانب العملي للكثير من الأسباب. وبفعل ذلك، يتم عزل كل شيء فريد أو مميز أو مذهل نقوم به خلف الستار ولا يراه أحد ولا يعجب به أحد.

إضافة إلى ذلك، لا يحصل الأشخاص المهرة والمحترفون الذين يقومون بالعمل على فرصة لرؤية أثر جهودهم في العالم. وإذا واصلنا الفصل بين هذين الشيئين، فذلك يدمر جميع أشكال القيمة على الجانبين.

كيرت نيكيش: حسناً. ما بعض النماذج المفضلة لديك؟

ريان بيول: أحد النماذج المفضلة لديّ هو شركة يطلق عليها اسم تساي (Tessei) في اليابان. تساي هي شركة تقوم بتنظيف القطارات السريعة في اليابان. قمت أنا وإيثان بيرنستاين، الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال بدراسة شركة تساي في عملية تحول خضعت لها في عام 2005. كان يُنظر إلى ذلك العمل غالباً على أنه مخز. فلم يحترم الناس عمل طواقم تساي الذي كان يعتبر عملاًغير ملائم. وكان يُنظر إليه على أنه عمل شاق. كان يُنظر إليه على أنه عمل خطير.

وتقدّم قائد جديد اسمه تيرو يابي وكان يؤمن بفكرة أننا إذا جعلنا العملية أكثر شفافية وسمحنا للزبائن برؤية الجهود الهائلة التي تضمنتها عملية تنظيف القطارات، عندها يمكننا حقاً أن نغير من منظور الزبائن عن العمل. وإذا استطعنا القيام بذلك يمكن أن يكون بمقدورنا تغيير الطريقة التي ينظر من خلالها الموظفون إلى العمل أيضاً.

وأحد التغييرات التي أجراها ليسمح بحدوث ذلك هو تغيير لون زي الموظفين، من الأزرق الفاتح الذي كان يتماهى مع لون هياكل القطارات، والمصمم بطريقة تجعله غير مرئي، إلى لون أحمر زاه ومميز.

وفجأة، أصبح بإمكان جميع الزبائن رؤية فرق مكونة من 22 شخصاً ينظفون آلاف المقاعد خلال سبع دقائق، وملاحظة مجموعة الأنشطة المذهلة والعمل الذي كان يجري داخل القطارات لتنظيفها، ومدى روعة ذلك العمل. وقد أدى ذلك كله إلى إحداث تحول في الديناميكيات بين الزبائن والموظفين. فتحول ذلك العمل من وظيفة مخزية ووظيفة لمن لا يجدون لهم وظيفة إلى وظيفة أحب الناس العمل فيها.

كيرت نيكيش: تعتبر التكنولوجيا بكل تأكيد أحد الأشياء التي مكنت الشركات التجارية من إنجاز أعمالها دون إزعاج الناس كثيراً. ولكن إلى أي مدى تعمل التكنولوجيا على توفير نقاط تواصل للتفاعل أو توفير الشفافية للزبائن؟

ريان بيول: أعتقد أن بإمكان التكنولوجيا أن تُحدث فرقاً هائلاً وأن تجعل الشفافية أكثر بساطة بالنسبة للشركات. ففي أحوال كثيرة توجد معلومات تخفيها أنظمة المعلومات التابعة للشركات، بحيث تستخدمها الشركات لأغراضها الداخلية. وهذه نقطة انطلاق جيدة للبدء في التفكير بشأن أي المعلومات التي نبقيها تحت السيطرة لأغراضنا الداخلية يمكن أن تخلق قيمة للزبائن.

وأحد الأمثلة المفضلة لدي هي شركة دومينوز بيتزا. قبل تسع سنوات، كانت دومينوز تواجه مشكلة تتمثل في أنه بمجرد اتصال زبون للاستفسار عن البيتزا الخاصة به بعد قيامه بالطلب، فهذا يؤدي إلى خروج أحد الموظفين من المطبخ ويؤخر طابور الطلبات، كما يؤدي إلى شتى أشكال الفوضى التشغيلية.

ولهذا فكرت الشركة بطريقة لحل هذه المشكلة. وتبين أن لديهم نظام معلومات يدير الطلبات ويحدد المدة الزمنية التي يتطلبها إعداد البيتزا. وكان لديهم عملية مقننة على نحو جيد. وكان الرأي هو ماذا لو قمنا بإنشاء شيء يسمى “متتبع دومينوز بيتزا”؟ ماذا لو أنشأنا على موقعنا فرصة للأشخاص للاطلاع على أنظمة المعلومات لدينا ورؤية لأي مرحلة وصل إعداد البيتزا الخاصة بهم؟

ثم أشركوا فريقهم التسويقي في الأمر، وأصبح الأمر ممتعاً نوعاً ما. إذا قمت بطلب بيتزا من خلال شركة دومينوز فثمة احتمال أنك استعملت “متتبع البيتزا”. الآن أكثر من نصف الطلبات لديهم يتم تقديمها عبر الإنترنت. ويستخدم 75% من زبائنهم عبر الإنترنت “متتبع البيتزا”.

ولكن الأمر المميز بشأن هذا المثال هو أن تلك كانت معلومات تمتلكها دومينوز بالفعل. والآن يستطيع الزبائن، الذين يستخدمون تطبيق دومينوز أو الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة، متابعة طلباتهم وملاحظة عملية إعدادها. وُضع طلبي في الفرن. قام كيرت بوضع طلبي في الفرن. وحتى إذا لم أكن في المتجر، فإنني أفكر بالفعل بكل العمل الذي يجري هناك.

من ناحية ثقافية، نعلم أنه يوجد صندوق وعجينة وصلصة وجبنة وطبقة زينة تدخل في عملية تحضير البيتزا. ومن ثم بمجرد خروجها من الفرن، يضعها أحدهم في سيارته ويأتي بها إلى منزلنا.

ولكن عند بدئك بتجزئة كل هذه المراحل، يجعلك ذلك تفكر بشكل أكثر شمولية حول القيمة التي تخلقها شركة مثل دومينوز. وفي نهاية المطاف، هي مجرد بيتزا وهي ليست مختلفة عن أي بيتزا يتم إعدادها في أي مكان آخر. ولكن الفكرة هنا، والشيء المذهل هو أن الشركة من خلال توخي الشفافية في عملياتها، فإنها غيرت بشكل أساسي من الطريقة التي يفكر فيها الناس حول أعمالها، وغيرت أيضاً الطريقة التي يتفاعل فيها الناس مع هذا العمل.

كيرت نيكيش: من الأفضل لك أن تمتلك عملية جيدة، أليس كذلك ذلك؟ إذ يبدو أنك إن تركت الناس يقومون بتتبع البيتزا الخاصة بهم، ثم لا يظهر التطبيق مكان البيتزا، أو إنه يظهر فجوات طويلة بين التقاط السائق للبيتزا واللحظة التي تم فيها تجهيزها في المتجر، ستقع في مشكلة.

ريان بيول: نعم. أنت محق تماماً. أعتقد أنه إن كانت لديك عملية سيئة، فلن تنجح شفافيتك التشغيلية. وإذا كانت الشفافية التشغيلية تعني أنك تكشف عن موظفين غير قادرين على العمل على أكمل وجه، وغير مهتمين بأداء عملهم، وعاجزين عن إنجاز هذا العمل، فهذا سيؤدي إلى خيبة أمل وعدم ثقة لدى الزبون.

ولكن المثير حقاً هو أن الكثير من المؤسسات تصبح قلقة لأنها تعتقد أن الشفافية تعني أن عليها أن تكون مثالية بنسبة 100% من وقتنا. تبين لدينا، وقد درسنا هذا، أن الشركات الجيدة جداً، وليست المثالية، هي في واقع الأمر من تميل إلى الاستفادة القصوى من الشفافية التشغيلية.

وربما يبدو ذلك غريباً وشاذاً بعض الشيء. لماذا حتى لو لم تكن مثالياً تحصل على تقدير الزبائن عندما تفتح لهم نافذة على عملياتك؟

وبسبب أنك غير مثالي، فهذا يولد عدم اليقين لدى الزبائن. ومن خلال إعطائهم نافذة على العمليات، يمكنك التخفيف من حالة الشك تلك، ومساعدتهم على فهم التحديات التي تواجهها من أجل خلق القيمة لهم.

كيرت نيكيش: أرى ذلك معقولاً بالنسبة لي أيضاً لأنني ألاحظ هذا مع شركات الطيران وتتبع الحقائب، حيث تمنحك شركة طيران دلتا الأميركية (Delta) آلاف الأميال إذا تأخرت حقيبتك أكثر من 20 دقيقة، ويبدو أنك في البداية كنت تحصل على ذلك كثيراً، ثم انتهى هذا الأمر مع مرور الوقت. إذاً، كانت تلك شفافية تشغيلية أو عملية استراتيجية تسويقية ذكية جداً، الكل في واحد.

ريان بيول: بالتأكيد. وما يحدث أيضاً في هذا الإطار هو أن ذلك يصبح كدورة آراء إيجابية للغاية. فعندما يستطيع الزبائن رؤية العمليات، ويستطيع الموظفون رؤية ما يحدث خارج العملية، يسمح هذا للزبائن والموظفين بالتعلم من بعضهم البعض، ما يسرع عجلة التطوير. كما أن ذلك يوفر فرصة للاحتفال بالتطويرات والأداء، ما سيؤدي إلى تجارب مستقبلية أفضل للزبائن.

كيرت نيكيش: هل سبق أن رأيت شركات ترتكب خطأ توفير الكثير من الشفافية أو تجاوز كل الحدود في ذلك؟ أم أن ذلك شيء شائع تسمعه من الناس؟ إذ يمكن تلخيص شعورهم بـ “لا نريد”، هل يريد الناس بالفعل معرفة هذا؟

ريان بيول: غالباً ما نحصل على رد الفعل هذه من المدراء: “لست متأكداً فيما إذا كان الناس يرغبون برؤية ما يحدث خلف كواليس عملياتنا. ولست متأكداً فيما إذا كان الجميع سيحترمون تقديمنا للشفافية التشغيلية ويقدرون لنا ذلك”.

وأيضاً ثمة الكثير من الشك حول الموظفين الذين سيكونون عرضة للتدقيق من الزبائن. وذلك حقاً مثير لأن تقديم الشفافية التشغيلية برؤية الزبائن للموظفين وتمكن الموظفين من رؤية الزبائن، يؤدي إلى مشاركة أعمق على كلا الجانبين.

ولكنني أعتقد أن من المهم أن تفكر جيداً بالدينامية التي تقوم بتطويرها. لأن الشفافية التي تولد الإحساس بأنك مراقب بدلاً من الإحساس بالمشاركة والتقدير يمكن أن تسفر عن نتائج عكسية.

وأحد الأمثلة الجميلة حول هذا الأمر هو أنني قمت مؤخراً بصحبة ميشيل شيل، وهي طالبة دكتوراه هنا في كلية هارفارد للأعمال، بعمل مشروع مع أحد الاتحادات الائتمانية التي تتوخى الشفافية في عملية اتخاذ القرار بشأن القروض لديها. والأمر المدهش هو أن تقديم الشفافية من خلال القول “نقوم الآن بسحب تقرير حالة عن الوضع الائتماني لك”، على سبيل المثال، جعل الزبائن يشعرون بالقلق.

ولكن لما قاموا بتحسين ذلك وقالوا: “هذا ما نقوم به أثناء عملية اتخاذ القرار بشأن القرض، وإذا كانت لديك أي أسئلة، اسمي ريان ويمكنك الاتصال بي على هذا الرقم”. منح ذلك للزبائن شعوراً أفضل بكثير.

ووجدنا على سبيل المثال أن احتمال المضي قدماً بموضوع القرض إذا جرى تمديده لهم، ارتفع بنسبة 16%. لذا فالأمر ليس كأن أقول أن الشفافية بحد ذاتها سيئة، ولكن علينا التفكير بعناية شديدة حول الديناميكيات التي نخلقها لكل الأطراف المشتركة في هذه العملية.

كيرت نيكيش: دعنا نتحدث قليلاً عن كيفية مساعدة ذلك للموظفين. كيف يُحدث هذا فرقاً لدى الأشخاص الذين يعملون في شركة ما ويشعرون أن عملهم مهم أكثر من أي شيء آخر؟

ريان بيول: حسناً. أحد الأشياء التي فاجأتني معرفتها هو أنه في الكثير من المستشفيات، ما يعادل 70% من التشخيصات وخطط الرعاية تأتي من مختبر علم الأمراض. وهذا مثير للاهتمام لأنني لم يسبق لي رؤية مختبر علم أمراض حتى بدأت بإجراء هذا البحث.

وثمة سبب مقنع وراء ذلك. مختبرات علم الأمراض معزولة. أحياناً تجدها في القبو أو في منشأة مختلفة. وعلى الرغم من كون مختبر علم الأمراض أحد المختبرات وجزءاً من المستشفيات المحلية هنا إلا أنه منفصل عن باقي أقسام المستشفى من خلال نظام أنبوب هوائي. إذا أراد أحد الأطباء أن يطلب فحصاً مخبرياً سيكون عليه وضع العينة في أنبوب هوائي يتم سحبه إلى مختبر علم الأمراض.

تخيل هذا الأمر. يجلس المريض في سريره يتساءل حول ما يحدث. الأطباء منفصلون تماماً عن الأشخاص الذين يقومون بالعمل. والأشخاص الموجودون في المختبر ويقومون بإجراء التحاليل وتقديم الملاحظات التي تساهم في إنقاذ حياة البشر معزولون بعيداً عن الأشخاص الذين ينقذون حياتهم، وعن الأطباء الذين في واجهة هذا العمل.

يتبين أن هذه وظيفة محبطة جداً. إذا دخلت إلى القبو وكنت تعمل هذا العمل المنقذ للحياة كل يوم ولم يسبق لك التواصل مع الأرواح التي تنقذها. فهذا عمل غير مجز. ولو توفر قدر بسيط من الشفافية التشغيلية في هذا العمل لأحدث فرقاً هائلاً.

كيرت نيكيش: كيف سترتب ذلك الأمر؟

ريان بيول: يمكنك القيام بذلك بعدد من الطرق. وإحداها هو السماح بقيام بعض الأشخاص الذين يقومون بإجراء هذه التحاليل بمقابلة بعض المرضى الذين ينقذون حياتهم. وطريقة أخرى لفعل ذلك تكمن في السماح لبعض الأطباء الذين يطلبون هذه التحاليل بأخذ جولة في المختبر ومقابلة الأشخاص الذين على الطرف الآخر من نظام الأنبوب الهوائي.

كيرت نيكيش: بالنسبة لمدير مستشفى، قد يعتقد أن ذلك يبدو غير فعالاً. كيف أعرف أن قيام هذين الطرفين بقضاء بعض الوقت في جولات مفتوحة داخلية هو أمر يستحق لأنها محسوبة من ساعات الدوام ونحن نتبع أنظمة صارمة هنا. كيف تعرف أن ذلك يستحق؟

ريان بيول: ليس بالضرورة أن تقديم شفافية تشغيلية يجعل العمليات أقل كفاءة أو أكثر تكلفة، بطريقة ما. وأعتقد أن ثمة دوراً كبيراً للتجريب في هذا، حيث لا يوجد قاعدة واضحة تقول فيما إذا كانت الشفافية معقولة. وهذا ما هو غير معقول بشأنها. هذه هي الطريقة الأفضل لفعل ذلك. هذه هي الطريقة الأسوأ لفعل ذلك.

أعتقد أن ذلك يأتي ثمرة دمج الكثير من الحدس لدى الممارسين الذين يمتلكون خبرة ومعرفة عميقة في عملهم. إجراء محادثات مع الكثير من الأشخاص حول شعورهم في البيئة، ثم تجربة الأشياء وإجراء الاختبارات.

وعلى الرغم من أننا تعلمنا الكثير على مدار العقد الماضي حول الشفافية التشغيلية، إلا أننا لا نزال في بدايات فهم هذه العلاقات والتعلم عن كيفية تقديمها بشكل أفضل. وأحد الأشياء التي نحن على يقين بها هو أن الغموض التام يكاد لا يكون أبداً الإجابة الصحيحة.

كيرت نيكيش: ريان، شكراً جزيلاً على حضورك هنا والحديث حول هذا.

ريان بيول: شكراً لك يا كيرت.

كيرت نيكيش: كان ذلك ريان بيول.

هذه المقالة موجودة في إصدار مارس/آذار – أبريل/نيسان 2019 من هارفارد بزنس ريفيو وعلى الموقع الإلكتروني HBR.org.

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز.

شكراً لاستماعكم إلى برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. كان معكم كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .