ديون الدراسة الجامعية تمنع تحوّل الطلاب في الولايات المتحدة إلى رواد أعمال

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن 60% من جيل الألفية (سيصبحون قريباًً الفئة السكانية الأكبر في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم رواد أعمال، لكن فعلياً أقل من 4% منهم فقط يعملون لحسابهم الخاص في الوقت الراهن. وقد بدأ عدد الشبان الذين يُنشؤون شركاتهم الخاصة في الانخفاض بصورة مطردة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي؛ ففي عام 1996، أطلق جيل الشباب 35% من الشركات الناشئة لتنخفض هذه النسبة لاحقاً إلى 18% بحلول عام 2014.

وفي الواقع، لم نر أي زيادة ملحوظة في نشاط ريادة الأعمال منذ أكثر من 40 عاماً، مع انخفاض نسبة الشركات الجديدة من إجمالي الشركات الأميركية بنسبة 29% بين عامي 1977 و2016. وقد يختلف الاقتصاديون وصانعو السياسات فيما بينهم حول الأسباب الكامنة وراء هذا الركود، إلا أن الإجابة تكمن في النهاية القصيرة لمنحنى التوزيع الطبيعي الذي قد نراه خلال رسمنا المخطط البياني لهذا الانحدار.

إذ يعاني أكثر من 44 مليون أميركي من ديون جامعية يزيد مجموعها عن 1.5 تريليون دولار أميركي وهو ما يزيد بمقدار 521 مليار دولار عن مجموع الديون الناتجة عن بطاقات الائتمان. ومع مرور الوقت، يتسبب الضغط المتزايد من أزمة الديون هذه، مقروناً بتباطؤ نمو الأجور، في زرع الخوف بين الأجيال الشابة إلى حد كبير؛ لأنهم سيكونون ببساطة أكثر حساسية تجاه المخاطر التي تأتي مع محاولاتهم لإنشاء شيء جديد.

وبينما يتخرج غالبية طلاب الجامعات (ما يقرب من 70% منهم) بمتوسط ديون مقداره 29,800 دولار، تبدو أي فكرة أخرى بخلاف الحصول على وظيفة جيدة الأجر لتخفيف هذا العبء المادي أمراً غير مسؤول ولا منطقي. فحتى إذا حصل أحدهم على وظيفة تتيح له القدرة على سداد القرض بشكل متواصل، من المرجح أن يستمر سداده لتلك الأقساط لسنوات. ويشير بحث أجرته سيتيزنز فايننشال غروب إلى أن 60% ممن لديهم قروضاً جامعية يتوقعون الانتهاء من سدادها بحلول سن الأربعين.

وبينما يكون تقديم تعليم ميسور هو الإجابة على المدى الطويل، تكمن الإجابة قصيرة المدى بين يدي الأطراف التي تساعد على دفع فواتير معظم الأفراد والجهات: أصحاب العمل ومقدمي رؤوس الأموال والذين لديهم القدرة على إعادة روح الابتكار وإنشاء المشاريع الريادية.

يمكن لأصحاب العمل المساعدة على إعادة الألق إلى ريادة الأعمال

في البداية، ينبغي للعلاقة بين أصحاب العمل والموظفين أن تتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للقوى العاملة المعاصرة؛ إذ لم يعد الأمان الوظيفي كافياً لإرضاء القوى العاملة الجديدة والتي تتخرج مع وعود زائفة بفرص عمل مضمونة بعد الجامعة. وعلى أرباب العمل، الذين يتنافسون على جذب أفضل المواهب، معرفة الاتجاه الجديد السائد، ورؤية الموظفين كاستثمار عليهم القيام به، لا مصاريف يتكبدون دفعها.

ومن المهم النظر إلى الأمور على المستوى الشامل، كما هو الحال مع أي استثمار يعد بعائدات مرتفعة مع مرور الوقت. اليوم، تحاول معظم الشركات تحسين أدائها في عالم الإنتاجية السريع، عبر توظيفها لموظفين يمكنهم إنجاز عملهم بأسرع وقت ممكن، إلى جانب مساعدة الشركة على الحصول على أرباح لدفع الرواتب في موعدها. ولكن قد يعني الاستثمار في القوى العاملة التخلي عن بعض المكاسب على المدى القصير في مقابل ازدهار طويل المدى؛ إذ تضع الشركات ذات النظرة المستقبلية رفاه موظفيها كأولوية لها.

لكن ماذا يعني ذلك فعلياً؟ عليك هنا البدء بالأمور التي يراها غالبية الناس ذات قيمة هائلة، وهي الاستقرار وحرية الاختيار. اعمل على معالجة موضوع الاستقرار، وستحصل على حرية الاختيار.

تُعتبر الديون الطلابية اليوم أكبر مساهم في العبء المالي للسكان البالغين. ويُمكن أن تكون الخطوة الأولى في سبيل خلق شعور الاستقرار بين موظفيك هي توفير ميزات لهم تخفف هذا العبء، تفوق برامج إعفاء القروض الحالية (والتي لا يستطيع التقدم إليها إلا نسبة قليلة جداً من الأشخاص).

ولحسن الحظ، قد أخذت بعض الشركاتزمام المبادرة فيما يتعلق بهذا الأمر، عبر توفيرها لميزات سداد القرض الجامعي لصالح موظفيها، وتوفير التعليم الجامعي للبقية. وتقدم شركات مثل “فيديلتي إنفستمنت” (Fidelity Investments)، و”آيتنا” (Aetna) لموظفيها مبلغاً يقارب 2,000 دولار سنوياً، مخصص لسداد قروض الطلابية بالشراكة مع مؤسسات مثل “تيويشن دوت آي أو” (Tuition.io) و”غراديفي” (Gradifi) لإدارة هذه الميزات. ومن المرجح أن تقوم مؤسسات أكثر بفعل ذلك، مع إدراكها المتزايد أن الراتب وحده لا يكفي لسداد تكلفة التعليم الجامعي الذي يريده أصحاب العمل جميعاً من موظفيهم، في أيامنا هذه.

صحيح أن ذلك قد يُترجم على المدى القصير إلى زيادة طفيفة في في المبالغ التي يتم إنفاقها على كل موظف جديد، لكنه سيؤدي، على المدى الطويل، إلى فوز المؤسسة، والتي ستكون قادرة على جذب أفضل المواهب. وحتى لو قرر بعض هؤلاء الموظفين لاحقاً بدء مشاريعهم الخاصة، ستكون لديهم احتمالية أكبر لعقد شراكة مع تلك الشركة أو حتى إحالة مرشح توظيف محتمل جديد ذي موهبة كبيرة يعرفونه إلى الشركات التي استثمرت فيهم.

وإذا غدت برامج مثل هذا أمراً طبيعياً على مر الزمن، قد تصبح مصدر إلهام لتجديد الإحساس بالثقة بين القوى العاملة، ممن ينتمون إلى جيل الألفية، والأجيال التالية له، ما سيؤدي إلى رؤية المخاطر بشكل مختلف ومتسامح، وهو الأمر الأساسي لازدهار الابتكار. ففي نهاية المطاف، لو كان على فيل نايت القلق بشأن عقود من سداد الديون الطلابية، لم يكن قط ليتخذ قراره بزيارة اليابان بعد فترة قصيرة من تخرجه من كلية إدارة الأعمال، وهو ما أدى إلى تأسيسه شركة “نايكي”.

سيحتاج مقدمو التمويل إلى تغيير ممارسات تمويلهم أو تعديلها

كما عليهم تقديم مصادر تمويل جديدة لتسهيل ظهور رواد أعمال ومبتكرين جديد وزيادة تنوعهم، إذ إن الجزء الأكبر من رأس المال الاستثماري المتاح ينتهي المطاف به بين أيدي نسبة صغيرة جداً من المشاريع والمبادرات الجديدة. وفي مجال العلوم والبحوث خصوصاً، عادةً ما يكون التمويل مخصصاً لحمَلة درجة الدكتوراه، والذين لديهم دعماً وتأييداً كاملين من المؤسسات الكبرى والمنظومات التي تقدم التمويل.

ولكن كما لاحظ باتريك كوليسون من “سترايب” (Stripe) والاقتصادي روس روبرتس، جاء العديد من المساهمات الأكثر تأثيراً في العلم من أشخاص خارج هذا الفضاء الأكاديمي. لنأخذ نيكولا تيسلا مثالاً، والذي كان يعمل في مختبره الشخصي، أو ألبرت أينشتاين، الذي كان يقوم بتجاربه في أوقات فراغه كموظف براءات اختراع. يُعتبر توفير التمويل لمجموعة أوسع من الأشخاص، الذين يتبعون مسارات غير تقليدية، أمراً بالغ الأهمية للابتكار.

أما فيما يتعلق بالوصول إلى رأس المال الاستثماري التجاري، فإن الوضع محدود أكثر؛ ففي عام 2017 وحده، استثمرت شركات رأسمال المال الاستثماري 61 مليار دولار في شكل رأس مال جديد، وهو رقم كبير حتى تعرف أنه ذهب إلى أقل من 1% من جميع المشاريع التي أُنشئت تلك السنة. وتم تمويل نسبة 99% المتبقية من خلال وسائل أكثر شيوعاً مثل قروض بطاقات الائتمان، والقروض المصرفية، والاستدانة من الأهل والأصدقاء، والعمل الجانبي (العمل الحر والاستشاري).

ومن الواضح أن استدانة المزيد من الأموال ليست هي الحل. بالتالي، ما هي مصادر رؤوس الأموال المتوفرة؟

بدأ العديد من الممولين يعيدون النظر في نموذج رأس المال الاستثماري المعياري المتمثل في ضخ كميات هائلة من رأس المال لتسريع وتيرة النمو ضمن مجموعة صغيرة نسبياً من الشركات، أملاً في أن تحقق شركة أو اثنتين نجاحاً خرافياً يعوض الخسائر التي يتحملها الممولون من الاستثمارات المتبقية. ببساطة، لم يعد هذا النموذج يتماشى مع ما يحتاجه معظم أصحاب المشاريع بالفعل، والمتمثل في النمو المطرد والمستدام.

وقد أصبحت أنواع جديدة من رأس المال بالفعل ذات شعبية كبيرة بين أصحاب المشاريع الذين لا يرون نموذج رأس المال الاستثماري التقليدي القائم على حقوق المساهمين مناسباً لهم، إذ تقوم مؤسسات مثل “ريف أب كابيتال”( RevUp Capital) بتقديم تمويل قائم على الإيرادات، وصناديق تمويل مثل “إندي دوت في سي”( Indie.vc) تستثمر في أسهم يمكن للشركات استعادتها على مر الزمن كنسبة مئوية من أرباحها. وبينما تعتبر النماذج الجديدة هذه بداية رائعة للمؤسسات التي تولد إيرادات بالفعل، لا يزال هناك المزيد من الفرص للابتكار لتمويل استثمارات المرحلة السابقة، والتي هي أكثر خطورة بكثير. 

ويُطوِّر قطاع التعليم نماذج جديدة يمكن أن يتعلم منها أصحاب رأس المال الاستثماري، ذا تُقدم “ذا لامبا سكول”(Lambda School) على سبيل المثال، للطلاب خيار الانخراط في اتفاقات تشارك الدخل، يتفق فيها الطلاب مع الجامعة على تسديد قروضهم كنسبة مئوية من دخلهم المستقبلي، بدلاً من أخذ مزيد من القروض الطلابية. وقد ينجح نموذج مماثل لمن يريدون إطلاق شركات جديد، مثل الموافقة على سداد مستحقات المستثمرين من خلال نسبة مئوية من الدخل في المستقبل، أو ربما من خلال أسهم في الشركات في المستقبل.

والخطوة الأولى لإجراء أي تغيير هي في الوعي بالمشكلة، تليها التعليم، وأخيراً، العمل من أجل إيجاد حل. وبينما لم يتم تعريف وتيرة الابتكار برأي أو معتقد واحد، إلا أنها تتأثر بالأعمال الجماعية. إذ يوجد دور لكل من أصحاب العمل والمستثمرين ورجال الأعمال والمربين، عليهم أن يلعبوه لإعادة قدح زناد الابتكار. تستحق الأجيال الشابة الحصول على فرصة عادلة؛ لأن مستقبلنا يعتمد على ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .