عندما يتخلص المدراء من ضغوطهم ويمررونها إلى موظفيهم

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يدير آدم شركة يبلغ رأسمالها 500 مليون دولار. كانت الشركة في مسار تصاعدي حاد، وأكبر منافس لها يقع في المرتبة الثانية، وكان مجلس إدارته يحبه.

ولكن كانت هناك مشكلة. فعلى الرغم من أن شركته كانت تبلي بلاءً حسناً، كانت إنتاجية موظفيه متعثرة. فقد كانت التصاميم تحتاج إلى تكرار وإعادة لا حصر له، وعمليات التطوير حافلة بالتأخير، وأعمال ضمان الجودة تكشف عن أخطاء في بعض المنتجات وهي على أعتاب عمليات الإطلاق الكبرى.

الأكثر من ذلك، في السنة الماضية ترك الشركة أربعة من كبار المسؤولين التنفيذيين. وقد صرحوا جميعهم أن أسباب تركهم للشركة تمثلت في توافر فرص وظيفية لا يمكن تفويتها أو للوفاء بالالتزامات العائلية. وفي كثير من الأحيان، كان آدم يلقي بالتبعة على مساعده التنفيذي الثالث.

ظن آدم أن المشكلة كانت تكمن في موظفيه. وراح يمضي ساعات طويلة في مراجعة عمل فريقه، وتمخضت تلك المراجعة عن أن جهود الفريق دون المستوى المطلوب. فقد كان يرى أن لا أحد منهم قادر على تصور المستقبل أو إثارة المسائل بالغة الأهمية والحساسية مثلما يفعل هو. وتمنى أن يتمكن الموظفون من قراءة أفكاره بحيث لا يكون لزاماً عليه أن يعيد باستمرار شرح الاستراتيجية وكيفية الاستجابة لظروف السوق المتغيرة.

كان آدم متوتراً ومحبطاً ومتحيراً. وبدا أنه الشخص الوحيد الذي يعثر على المشاكل ويحاسب المسؤولين عنها. وبالتالي شعر أنه يعمل بمفرده. وعلى الرغم من أنه كان يستطيع استشراف مستقبل شركته، إلا أنه كان غافلاً عن المشاكل الملحة داخل شركته.

أجريتُ مقابلات مع عدد من زملاء آدم في محاولة لفهم ما يجري. واتضح أن المشكلة الكبرى، التي كانت مفاجأة لآدم: أنه هو نفسه المشكلة. فقد كان الموظفون يكرهون العمل معه. ووصفوه بأنه أحمق ويتدخل في كل كبيرة وصغيرة ويرهب الموظفين. حتى كبار المسؤولين التنفيذيين الذين تركوا الشركة قالوا، عندما تحدثوا سراً مع أصدقائهم محل الثقة، أنهم تركوا الشركة بسببه.

الشركة ليست قائمة على آدم وحده. وتصرفاته وغياب الوعي الذاتي لديه، كلها أمور شائعة للغاية لدى كبار المسؤولين التنفيذيين. فقد عملتُ مع مئات من الرؤساء التنفيذيين وكبار المسؤولين التنفيذيين وأجريتُ مقابلات مع ما يقرب من ألف شخص ممن يعملون معهم. وهذه المقابلات الشاملة، التي يطلق عليها “مقابلات بطريقة 360 درجة” (360 Interviews)، يتعرف عملائي الذين أدربهم من خلالها على التعليقات والملاحظات التي تَرد من مرؤوسيهم وزملائهم وصولاً إلى المسؤولين الكبار، وهو ما يمثل دائرة كاملة من الأشخاص الذين يعملون معهم. واللازمة الأكثر شيوعاً التي أسمعها ممن هم داخل هذه الدائرة هي أن المسؤولين التنفيذيين “يقسون على العاملين معهم”.

معاملة الموظفين معاملة سيئة تكلف صاحبها غالياً، وهذا الرأي له ما يدعمه ويؤيده في العلوم العصبية. فالسلوك العدواني من جانب الرئيس أو المدير في العمل يحفز الشعور بالتهديد لدى أعضاء فريقه. وتتسبب الاستجابة للشعور بالتهديد في أن تعج أدمغة الموظفين بالمواد الكيميائية المرتبطة بالتوتر وتستنزف ما فيها من الأوكسجين والغلوكوز، وهو ما يؤثر سلباً على قدرتهم على التفكير. ونظراً لهذا الخلل في كيمياء المخ لدى الموظفين، فإنهم يجدون صعوبة كبيرة في تذكر الأشياء أو الإبداع في أعمالهم أو في حل المشاكل أو استيعاب معلومات جديدة. لا عجب إذن أن آدم كان محبطاً لأنه كان يعتقد أنه الوحيد القادر على الابتكار وتقديم أداء فائق!

ولفهم ما يؤدي إلى التصرف بشكل يرهب الموظفين، نحتاج أولاً إلى فهم الضغوط التي يتعرض لها كبار المسؤولين التنفيذيين كل يوم. فهم مطالبون بتحقيق قيمة أمام مجالس الإدارة نافدة الصبر والمساهمين كثيري المطالب والأسواق المتقلبة. فالأرباح تُقاس بمليارات الدولارات المتحققة. والضغوط يمكن أن تُخرج أسوء ما فينا. فكّر أنت نفسك في التوتر الذي كنت تحت وطأته في آخر مرة عبّرت فيها عن رأيك. وبذلك في المواقف التي تضع المسؤولين التنفيذيين تحت المجهر وعندما يتعرضون إلى كم هائل من الضغوط، فإنهم هم أيضاً يكونون عرضة لأن تتعامل أدمغتهم من منطلق إما المواجهة أو الهرب، محاولين استعادة شعورهم بالسيطرة من خلال فرض هيمنتهم على موظفيهم.

ولذلك إذا كنت تشغل وظيفة مليئة بالضغوطات ولست راضياً عن أداء من حولك، فكر في احتمالية أن تكون أنت نفسك جزءاً من المشكلة. بعد ذلك ابدأ في تحسين الأحوال باتباع الخطوات التالية:

انصت لتعرف المزيد

في أول أسبوعين بعد أن أطلعت آدم على البيانات المستقاة من المقابلات، كان محطماً من جراء التعليقات والملاحظات التي اطلع عليها. فقد شعر بالصدمة والخجل وأراد أن يستقيل. ولكن بعد أن أدرك أن هذه المشاكل سوف تتبعه أينما ذهب، قرر أن يتعامل معها ويعالجها. ومن هنا تمثلت الخطوة الأولى في أن يتعلم الإنصات بمزيد من العمق. وراح يطرح الأسئلة لاستكشاف المزيد من التفاصيل. كما أنه طلب من أحد مرؤوسيه المباشرين أن يقدم له تقييماً بعد كل اجتماع للفريق التنفيذي. ونتيجة لذلك، تعلم آدم أن الطريقة التي كان يتبناها في الحصول على مزيد من التفاصيل كانت مرعبة بالنسبة للمتعاملين معه. فقد كانوا يظنون أنهم فشلوا في أداء مهامهم أو أنهم على حافة الفشل.
ابدأ بخطوات صغيرة وبسيطة

الأشخاص فائقو الإنجاز من أمثال آدم يحاولون في كثير من الأحيان معالجة جميع التقييمات والآراء السلبية في آن واحد. ومن المرجح أن تحقق هذه المنهجية الدرجة نفسها من النجاح التي تتحقق عند خوض ماراثون للجري مع قليل من التدريب أو ربما دون الخضوع لأي تدريب على الإطلاق. بدلاً من ذلك، اتفقنا أن يبدأ آدم بمعالجة أربعة سلوكيات فقط وعلى مهل. اتخذ آدم خطوة نحو تحسين كل سلوك مرة واحدة على الأقل في اليوم، بدلاً من محاولته تحسين الأربعة سلوكيات الجديدة جميعاً في وقت واحد، وذلك في كل اجتماع. وفي نهاية كل يوم، كان آدم يملأ قائمة الإنجازات، وهي عبارة عن قائمة بسيطة يسجل فيها نجاحه في ترسيخ عاداته الجديدة.

درّج ردودك

كانت تعليقات آدم وردود أفعاله تتضخم بسبب المنصب الذي يشغله. فمجرد عقده لحاجبيه من المرجح أن يطلق شائعات حول احتمالية استمرار أحد الموظفين في العمل بالشركة أو حول العمر الافتراضي لمنتج ما. ولمعالجة هذه المشكلة، تعلم آدم أن يعرض وجهة نظره أثناء إبداء تعليقاته. وبدأ يستخدم مقياساً متدرجاً للتعبير عما يشعر به تجاه الأشياء. على سبيل المثال، كان يقول: “على مقياس من 1 إلى 10، حيث تعبر 10 عن الأشياء المهمة، في رأيي أن الرسومات على هذا الموقع تساوي 3 من حيث الحاجة إلى التغيير، فلا توقف الإصدار بانتظار تعليقاتي”. مع هذا الوضوح الجديد الذي بدأ التعامل به، شعر أعضاء فريقه أن بإمكانهم إبداء رفضهم لبعض طلباته.

ضع توقعات

كن صريحاً بشأن ما تحتاجه من موظفيك. فهناك أوقات تحتاج فيها إلى أن تطلب من فريقك أداء مهام لا تروق لهم ولا يجدونها ممتعة. من المفيد هنا أن تتناقش معهم وتوضح لهم مدى ضرورة تلك المهام، وبهذا يمكنهم أن يتوقعوا بشكل أفضل كم من الوقت يتعين عليهم تخصيصه لها. كما أن هذا سيقلل احتمالية شكواهم أو تذمرهم. على سبيل المثال، كان آدم يستعد لطرح شركته للاكتتاب العام وكانت لديه قائمة طويلة من التفاصيل الخانقة التي كان لزاماً التحقق منها والالتزام بها. ولم يسبق لنصف المسؤولين التنفيذيين الذين كانوا يعملون مع آدم طرح شركة للاكتتاب العام. ولكن من خلال مشاركة آدم بشكل استباقي قائمته التي تضم المئات من المهام الهامة (وغير الممتعة في الغالب) مع فريقه، ساعدهم على فهم ما كان يحتاجه وأسباب احتياجه إليه. وبذلك فإن وضع توقعات واضحة ساعد آدم على الحيلولة دون إصابته بالإحباط واستيائه من موظفيه. واستجابة لذلك، تجنب موظفوه حدوث أي تأخير قبيل المراحل الحاسمة في أي مشروع أو مهمة. وحتى إن لم يحبوا قائمة المهام المسندة إليهم، أصبح لدى العاملين مع آدم قدرة أكبر على التنبؤ، ومن ثم شعروا بالأمان أثناء أداء وظائفهم.

تجزئة المهام والتعليمات

اعتاد آدم استغلال أوقات المساء وعطلات نهاية الأسبوع في إغراق موظفيه بوابل من رسائل البريد الإلكتروني ومستندات الملاحظات والتعليقات المتلاحقة وقوائم المهام الواجب إنجازها. والنتيجة؟ عدم اتخاذ أي إجراءات لأن الموظفين كانوا مغمورين بالمهام ولم يكونوا متأكدين أي من المهام له الأولوية. ولكن بعد أن اطلع آدم على الملاحظات، تعلم أن يقسم رسالة البريد الإلكتروني الواحدة الطويلة إلى خمس رسائل قصيرة ولم يكن يرسل إلا الرسالة الأولى من هذه الخمس. بدأ الموظفون يعملون بشكل أسرع، وأصبح من النادر أن يرسل آدم رسائل البريد الإلكتروني اللاحقة المتبقية، لأنهم كانوا يستنتجون المطلوب من تلقاء أنفسهم. كما أن آدم بدأ يهتم بترتيب المهام حسب أولوياتها وأهميتها، في حال طلب من الفريق أداء مهام متعددة.

بعد مرور عامين على إجراء المجموعة الأولى من المقابلات، تحدثت مع فريق آدم مرة أخرى. وقد كان إجماع الآراء أكثر إيجابية من ذي قبل بكثير. حيث أشار أحد المرؤوسين المباشرين لآدم أنه بعد أن كان يرتعش خوفاً من العودة للعمل مع آدم، يشعر الآن بسعادة غامرة لرؤيته كذلك وقد تغير ليصبح أفضل مما كان عليه بنسبة 1,000%. فقد تحول آدم من ذلك المدير المتكبر الذي لا يولي احتراماً للآخرين، إلى مدير ينصت إلى موظفيه ويهتم بهم. وهو الآن يثق في آدم ويجد متعة في العمل معه.

من خلال اتباع الخطوات المذكورة أعلاه، حسّن آدم طريقة تواصله مع مرؤوسيه. وأصبح موظفوه الآن أفضل فهماً لأولوياته وتلبية لطلباته، في وقت أقل وبأخطاء أقل أيضاً. وقد أتاح هذا لآدم بناء مستقبل أفضل لشركته وموظفيه، وكذلك خلق ميزة تنافسية من خلال ديمومة كل من التعامل بينه وبين موظفيه ووجود شركته في السوق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .