لماذا ينبغي الامتناع عن خفض الأسعار في فترة الركود القادمة؟

5 دقائق
خفض الأسعار في فترة الركود
shutterstock.com/Maddas
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا يوجد شك على الإطلاق أنّ فترة الركود التالية سوف تدفع العديد من الشركات نحو خفض أسعارها بصورة عشوائية، فخلال فترة الركود الأخيرة، انخفضت أسعار الشركات المنتجة بنسبة 8% تقريباً، ولم تتعاف إلا بعد مرور قرابة عامين. لكن لماذا؟ يفترض المدراء التنفيذيون غالباً أنّ خفض الأسعار وهوامش الربح هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على زبائنهم وحصصهم السوقية، إذ يفشل موظفو المبيعات، اليائسون من الحصول على حصصهم من تلك المبيعات، في الحفاظ على مواقفهم فيما يتعلق بالخصومات، وتريد الشركات في تلك المرحلة زيادة استخدامها للأصول إلى أقصى درجة حتى عندما يتراجع الطلب، فماذا عن خفض الأسعار في فترة الركود القادمة؟

ينطوي هذا المنظور على أوجه قصور، فيمكن أن تؤدي التخفيضات الشاملة للأسعار إلى تآكل ربحية الشركة وموقعها الاستراتيجي بصورة دائمة. خلال فترة الركود الأخيرة على سبيل المثال، عملت شركة عالمية مختصة بتصنيع المعدات على خفض الأسعار بحدة، حيث اعتقد الفريق التنفيذي أنّ الشركة لن تحصل على أي ربح، أي أنّ الزبائن سوف يتحولون إلى المنافسين ما لم يخفضوا الأسعار، وإنّ عقداً بنسبة 80% من السعر السابق كان أفضل من عدمه. ونظراً لأنّ عقود الشركات المصنعة تدوم عادة لمدة خمس سنوات، فقد أضر ذلك القرار بأرباحها لفترة طويلة، وحرمها من الاستثمار في السيولة عندما تعافى الاقتصاد.

كيفية خفض الأسعار في فترة الركود

في المقابل، يمكنك من الآن الاستعداد لفترة الركود القادمة على الأصعدة الأربعة التالية وتجنب خفض الأسعار على نطاق واسع.

معرفة موقعك في السوق وما الذي يعزز أرباحك بالتحديد

 من أجل التعامل مع أوجه المفاضلة بين السعر والحجم، فإنّ الشركات المهيأة جيداً لفترة الركود تعمل انطلاقاً من مكانتها بصفتها قائدة في السوق أو تابعة فيه. تتمتع الشركات التي لها الحصة السوقية الأكبر بتأثير كبير جداً على كيفية مواجهة السوق للأزمة، حيث تدفع حركات التسعير الخاصة بها العديد من الشركات التابعة إلى التصرف على نحو مشابه، ويتحمل القادة بعض المسؤولية للحفاظ على النظام وتجنب عملية الخصم العشوائي، كما ينبغي على الشركات التابعة إيجاد نهج حذر في تلك الأثناء، ليس على صعيد معرفة نقاط قوتها فحسب، بل أيضاً فيما يخص سلوك الشركات القائدة في السوق. قد تميل شركة تابعة إلى الحصول على حصة سوقية عن طريق خفض الأسعار بحدة، لكن فعل ذلك سيفضي إلى المخاطرة بخسارة حرب التسعير لصالح الشركة القائدة، ما يضر بأرباح الجميع في المستقبل عندما يتعافى الاقتصاد.

إنّ الوعي بما يحرك الربحية لكل من الشركة ومنافسيها على مستوى الزبائن الفرديين هو أمر ينطوي على قيمة خاصة، فقد عمل أحد الموردين الرئيسيين للمواد الغذائية الذي يواجه انخفاضاً في الطلب على تقييم حساباته الرئيسية في أميركا الشمالية من خلال وضع نماذج ربحية لكل حساب مقابل تكاليف التسليم الخاصة بالمنافسين، واتضح أنه على أساس عدد لا يستهان به من الحسابات، كانت أرباح الشركة أقل من تلك التي حققها المنافسون. بالنسبة إلى هذه المجموعة من الحسابات، كان لدى المنافسين أسعار منخفضة أكثر، ولكنهم في المقابل تكبدوا تكاليف لوجستية أقل لأنّ مراكز التوزيع الخاصة بهم كانت قريبة من الزبائن. تخلى هذا المورد عن 60 مليون دولار من العائدات، وفي غضون 60 يوماً، استبدل الكمية المراد توزيعها بكمية أكثر ربحية، حيث كانت تكاليف التسليم أقل من المنافسين.

التسعير من خلال اتباع نهج التجزئة القائم على القيمة

لدى كل شريحة من الزبائن حساسيتها تجاه فئات مختلفة من الأسعار، ولها تقييمها الخاص لعناصر مختلفة من العرض، لذلك ينبغي أن يعكس التسعير هذه الاختلافات في القيمة المتصورة من خلال عرض متعدد المستويات، مع تناول كل مستوى لرغبة تدريجية أعلى في الدفع مقابل الميزات الإضافية.

يتيح فهم تفضيلات كل زبون للشركة تصميم حزم جذابة من المنتجات والخدمات، وبالتالي حتى إذا انخفضت كميات الوحدات الكلية خلال فترة الركود، فلا يزال بإمكان الشركة الحفاظ على حصتها السوقية من الزبائن أو زيادتها. بالمثل، إذا اشترى الزبائن منتجات تكميلية من موردين متعددين، فقد تكون هنالك فرصة لزيادة الحصة السوقية من خلال تداول تخفيضات متواضعة في الأسعار مقابل الشراء بكميات كبيرة، خاصة قبل تقليص مستوعبات المخزون. إذا شعر أحد الزبائن بالقلق بشأن الاحتفاظ بمخزون من سلعة معينة عندما تكون الصورة المرتقبة لحجم المبيعات ضبابية، فيمكن للمورد تقديم عرض إعادة الشراء وفقاً لشروط معينة أو الحماية من تخفيض السعر.

تنطوي الخطوة الفاعلة في بعض الحالات على إنشاء علامة تجارية وإدارة مستقلة للعملاء الذين لديهم حساسية تجاه الأسعار، رأت شركة “داو كورنينغ” (Dow Corning) على سبيل المثال أنّ السيليكون أصبح سلعة رئيسية مع دخول منافسين من الصين لديهم بضاعة منخفضة التكلفة، وعندما جزأت مجدداً قاعدة الزبائن لديها، أدركت الشركة أنّ شريحة كبيرة من “الباحثين عن الأسعار المناسبة” لا تحتاج إلى جميع الخدمات عالية القيمة المجمعة في سعر منتجها. لكن عوضاً عن خفض الأسعار، أطلقت شركة “داو كورنينغ” العلامة التجارية “زيامتر” (Xiameter)، مع عدد محدود من المنتجات، والحد الأدنى من حجم الطلبات والدعم الفني، بحيث لا تجري عمليات الطلب والبيع إلا من خلال الإنترنت حصراً. أثبتت “زيامتر” نجاحها كشركة قائمة بذاتها، إذ أنها جذبت زبائن جدد بدلاً من تفكيك قاعدة الزبائن الموجودة لديها.

تصحيح تسرب السعر من أجل خفض الأسعار في فترة الركود

تعتبر ظاهرة تسرب السعر خطيرة وتتراكم مع مرور الوقت، أي أنّ الخدمات المجانية التي تقدمها الشركة، مثل الشحن المجاني وشروط الدفع طويلة المدة، أو دعم العملاء المجاني، غالباً ما تبقى تبعاتها بعيدة عن الأنظار ويمكنها مجتمعة أن تضر بالأرباح الملموسة.

قبل ركود عام 2001، تحولت شركة “فريتلاينر” (Freightliner) المصنعة للشاحنات إلى اتباع نهج طرح خصومات كبيرة وضمانات إعادة شراء قوية لحماية حصتها السوقية، وانتهى بها الأمر بإجراء عمليات بيع للزبائن غير المربحين. تأرجحت أرباحها التشغيلية من 900 مليون دولار في عام 2000 إلى خسارة قدرها 1.2 مليار دولار في عام 2001، وكان ذلك أسوأ بكثير من منافستيها شركتي “باكار” (Paccar) و”نافيستار” (Navistar)، اللتين قررتا أن تكونان أكثر انضباطاً في التسعير، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة في الكمية. بعد تلك التجربة، حولت شركة “فريتلاينر” نهجها للتركيز على الدخول في أعمال مربحة بدلاً من مطاردة الحصة السوقية.

ينبغي على الشركات التحقق دائماً من أعمالها للتأكد من أنها لا تقدم أكثر مما هي ملزمة به بموجب العقود، فقد تجد موظف المبيعات مثلاً، الذي يرغب في الاحتفاظ بعميل معين، غالباً ما يدع هذه الأنواع من الخدمات المجانية تنزلق نحو الزبون. يساعد التطبيق الدقيق لشروط العقد وسياسات الخصم، إلى جانب التواصل الواضح مع الموظفين وتدريبهم، على الحفاظ على موثوقية عمل فريق المبيعات.

تطوير التسعير مرن حيث يكون مجدياً

 عندما يحدث تحول مفاجئ في الأسواق، ينبغي أن تتمتع المؤسسة التجارية بالمرونة لضبط الأسعار بسرعة، ويتطلب ذلك وضع الأسس اللازمة من خلال الحصول على البيانات المناسبة وكذلك الأمر مع التحليلات وبرنامج المراقبة.

يمكن للشركات التي تتفوق في مجال التسعير الديناميكي الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي فيما يخص ظروف السوق المتغيرة، وتفيد تلك البيانات عمليات صنع القرار السريعة للدفع نحو إجراء تغييرات في الأسعار بسرعة وسهولة. يعتمد التسعير الديناميكي الحقيقي على متغيرات الوقت الفعلي، مثل المواسم، ومستويات المخزون، وتسعير المنافسين، المدعومة بواسطة أدوات رقمية آلية.

عرقل نظام التسعير جهود أحد موزعي الوقود الذين لديهم أهداف جريئة لزيادة الربحية، حيث اعتمد ذلك التسعير على أنظمة عتيقة الطراز وآراء أفضل المحللين. ثم جمع الموزع البيانات وربطها من مصادر متعددة وعلى قاعدة بيانات واحدة، وطور حلاً ديناميكياً للتسعير مثّل أكثر من عشرة متغيرات. من خلال اختبار ومراجعة الخوارزمية بواسطة عدة تكرارات في محطات التعبئة، جرى تحسين آلية توصيات التسعير الخاص بتلك الخوارزمية للوصول إلى أفضل الأسعار، بعد أن استخلصت بطريقة تحليلية أكثر مواقع المنافسين ملائمة، وإحلال المرونة فيما يخص الأسعار المقدمة للمستهلك في مواقع محددة. أظهرت التجربة تطوراً بنسبة 14% في الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاهتلاك والاستهلاك، وكان هنالك 1% فقط من كمية الوقود المفقود، وبدأ الموزع بتقديم أسعار مرنة إلى مواقع أخرى.

وفي نهاية الحديث عن خفض الأسعار في فترة الركود القادمة، إنّ الشركات التي حققت نتائج جيدة خلال فترة الانكماش وشقت طريقها أمام المنافسين في فترة الانتعاش اللاحقة، اتخذت نهج تسعير خاص بها قبل أن يضرب الركود. من الناحية المثالية، يمكن للمدراء التنفيذيين اليوم بناء درع يحمي أرباح الشركة من خلال الانضباط بالأسعار وخفض التكاليف، ثم الاحتفاظ بتلك الأرباح المحققة للمساعدة على التغلب على الأزمة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .