ما تعلمته خلال قيادتي لوزارة تونسية خلال مرحلة “الربيع العربي”

4 دقائق
freepik.com
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما الذي ستفعله إذا عُرضت عليك وظيفة جديدة وقيل لك إنك ستُقال منها بعد عام، ولكن لن يُسمح لك بالاستقالة خلال فترة توليك لها، وستحصل على أجر زهيد مقارنة بوظيفتك السابقة المريحة، وستتعرض للمضايقة والتهجم عليك باستمرار في وسائل الإعلام، ولن يُسمح لك بالشكوى؟

قد تقول: “لا، شكراً”، أليس كذلك؟

مع ذلك، فقد قبلت تولي هذه المهمة، واكتشفت ما يعنيه حقاً أن أكون في موقع قيادي في بيئة شديدة الاضطراب.

كنت عميداً لكلية إدارة أعمال رائدة في باريس ورئيس مجلس إدارة أكبر شركة اتصالات للهاتف المحمول في تونس، عندما اندلعت ثورات ما يعرف باسم الربيع العربي، وقلبت الأمور رأساً على عقب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المضطربة في الأساس. لقد كانت لحظة تبعث على الأمل شعر بها الناس في جميع أنحاء المنطقة وخصوصاً في تونس.

بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني 2011 بعد نحو ربع قرن من الحكم بقبضة من حديد، واجهت البلاد بداية صاخبة مع إرساء نظام حكم جديد. بعد الانتخابات العامة التي شهدت وصول التحالف الذي يقوده الإسلاميون إلى السلطة، شهدت البلاد عمليتي اغتيال سياسيتين في فبراير/شباط ويوليو/تموز من العام 2013. وحدثت أزمة سياسية عميقة وضعت البلاد على شفا حرب أهلية. تحرك “الرباعي التونسي للحوار الوطني” المؤلف من 4 من جمعيات المجتمع المدني لمباشرة الحوار الوطني وتيسيره (لقد مُنح الرباعي لقاء جهوده جائزة “نوبل” للسلام لعام 2015). توصل هذا الحوار إلى توافق بين الأحزاب السياسية ينص على أن يسلم الإسلاميون الحكم إلى حكومة انتقالية من التكنوقراط.

في هذا السياق، وفي يوم عيد الميلاد من عام 2013، عرض عليّ رئيس الوزراء المكلف آنذاك، مهدي جمعة، تلك الوظيفة الشاقة وغير المجزية سالفة الذكر. طلب مني أن أكون وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كيف عساي أن أرفض؟

لقد حاولتُ. عارضت عائلتي شغلي لتلك الوظيفة المحفوفة بالمخاطر. ومع ذلك، لم أرغب في رفض مثل هذا المنصب المشرف عبر الهاتف، لذلك سافرت من باريس إلى تونس لمقابلة رئيس الوزراء مهدي جمعة.

عندما وصلتُ، ذكرّني بأنني لم أؤدِ خدمتي العسكرية سابقاً، ولذا فقد حثني على أن الوقت قد حان لأداء واجبي تجاه بلدي، وكانت تلك البداية. وصرت فيما بعد أول وزير اختاره لحكومته ومتعاوناً مقرباً تماماً منه في فريقه الأساسي.

عرف فريقنا منذ البداية أننا سنعمل في بيئة شديدة الاضطراب. لقد واجهنا خطر أن نُخطف ونُحتجز كرهائن، وكنا نواجه في كثير من الأحيان تجمعات صاخبة عدائية أمام وزاراتنا، ولم نتمكن في بعض المرات من العودة إلى منازلنا، حتى أن موظفينا أنفسهم أعلنوا الإضراب، وهكذا دواليك.

كيف يمكنك أن تبدأ كل يوم عمل بروح إيجابية وتكون جاهزاً للقيادة في ظل مثل هذه الظروف؟ على الرغم من كل المصاعب، كانت تلك تجربة العمر التي تعلمت منها 5 دروس حول القيادة في بيئة شديدة الاضطراب:

  1. بناء فريق بمنظور جديد. عند تشكيل الحكومة الانتقالية، لم يجمع رئيس الوزراء الشخصيات المعتادة البارزة في المشهد السياسي التونسي. ومثل أي قائد جيد، جمع أفضل الأشخاص لهذا المنصب من كل مكان قاص وبعيد، فأحضر مواطنين تونسيين من الولايات المتحدة والبرازيل وفرنسا وسويسرا والمملكة المتحدة وأماكن أخرى. لقد اختار الأشخاص الذين يعرف أن لديهم المهارات اللازمة للقيام بالمهمة، وبحث بشكل خاص عن القادة ذوي الخبرة الذين لديهم منظور خارجي وليس لديهم أي ارتباط بالنظام القديم.
  2. تحطيم الصوامع المنعزلة. من أجل إنجاز مهامنا الضخمة في الإطار الزمني القصير المتوفر، كان علينا إنشاء بنية شبكية. كان من المهم التعاون بين الوزارات والتسلسلات الهرمية للمضي قدماً. استفدنا من معرفة الوزراء وخبراتهم المحلية على أرض الواقع كأساس للتعاون عبر الصوامع. لقد عنى ذلك أيضاً بالنسبة لرئيس الوزراء أنه كان عليه تمكين فريقه من اتخاذ قرارات مستقلة.
  3. فصل فريق التحول أو الابتكار عن الجزء التقليدي للمؤسسة. تماماً مثل أي شركة للتكنولوجيا، أنشأنا بالفعل “مختبرنا” على الجانب الآخر من تونس العاصمة، بعيداً عن مقر الهيئات الحكومية الرئيسة. تحتاج المشكلات الكبيرة إلى حلول كبيرة ولا يمكنك الخروج بأفكار رائعة إذا ما كبلتك رسائل البريد الإلكتروني والمشكلات اليومية. كانت مهمتنا استنباط أفكار مبتكرة لدفع بلدنا إلى الأمام، ولهذا كنا بحاجة إلى مساحة للتفكير والإبداع.
  4. بناء الروابط لتعزيز الثقة. لا توجد طريقة يمكنك من خلالها إنجاز أي مهمة كبيرة، خاصة أن وضع بلد بأكمله على بداية مسار جديد، إذا لم تتوفر لديك الثقة والاحترام تجاه فريقك والقدرة على الاتكال عليه. على الرغم من أن الأمر قد يبدو تافهاً بعض الشيء، نظراً لجسامة مهمتنا، فقد خرجنا من المكتب وأجرينا تمارين بناء الفريق في الخارج. التقينا ببعضنا في عطلة نهاية الأسبوع خلال لقاءات اجتماعية أو للعب كرة القدم. واصلنا الخروج في دورات تعليمية وجمع الأفكار حول كيفية التعامل مع تحديات مثل التي نواجهها في أماكن أخرى. كل هذا ساعدنا على البقاء منسجمين وولد لدينا الثقة في أننا يمكن أن ننجح معاً.
  5. تعرف على نافذة الفرص المتاحة لك وحدد أولوياتك. كان لدينا سنة لإنجاز المهمة. وفي هذا الإطار الزمني ومع مهمة إعادة البلد بأكمله من حافة الهاوية، عليك التركيز. لقد جعلنا إنشاء مؤسسات الدولة أولوية على أن تكون على النحو المبين في دستور ما بعد الثورة، لتمهيد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة ومعترف بها دولياً قبل نهاية ولايتنا ومدتها عام واحد، لخلق بيئة ملائمة للاستثمار ولحل النزاعات السياسية المستمرة. كان الوضع مريعاً. ومن شأن الشعور بالطابع الملّح للأمور أن يساعد القادة في تحقيق الأهداف. لم يكن بوسعنا العمل على قضايا غير ذات أهمية قصوى.

حسناً.. هل نجحنا؟ لقد أعدنا تصميم نظام الدعم الحكومي ووضعنا البلد على طريق اقتصادي أفضل. لقد قدنا المعركة ضد الإرهاب، وأعدنا تصميم نظام التعليم العالي في البلاد، وصممنا خطة استراتيجية مدتها 5 سنوات من أجل “تونس الرقمية”، وأنشأنا دور “مسؤول المعلومات” في الدولة الذي يرفع تقاريره مباشرة إلى رئيس الوزراء. وخلال تولينا المنصب أنشئ أيضاً نظام للتسجيل في الانتخابات الوطنية يستند إلى الرسائل القصيرة.

أود أن أقول بشكل عام أننا استخدمنا التكنولوجيا لدفع البلاد نحو المستقبل. وللأسف، واجهت تونس تهديداً إرهابياً غير مسبوق في أعقاب 3 هجمات في عام 2015 على متحف “باردو” الوطني، وفندق كبير في سوسة، وعلى الحرس الرئاسي في تونس العاصمة. وفي مارس/آذار 2016، شُن هجوم عسكري بأسلوب يشبه أساليب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مدينة بنقردان التونسية على الحدود الليبية. لهذا السبب، تراجعت السياحة، وهي أحد أكبر مصادر الدخل، فأضعفت اقتصاد البلد.

وهكذا لم تتخلص البلاد من الأوضاع المضطربة في ذلك الوقت.

لقد عدت منذ ذلك الحين إلى العمل في الوسط الأكاديمي وبدأت التفكير في تجربتي الحكومية. سيُمنح العديد منكم فرصاً غير متوقعة على امتداد حياتكم المهنية. سوف تسألون أنفسكم، مثلما فعلتُ مرة أخرى في ديسمبر/كانون الثاني 2013، هل يجب أن أقبل هذه الوظيفة؟ أعتقد أننا سنحتاج بشكل متزايد إلى التعامل مع ظروف شديدة الاضطراب، سواء قبلنا الوظيفة أم لا. سوف نحتاج إلى الاستجابة للأزمات الكبيرة أو الاضطرابات السياسية أو الاضطرابات الاجتماعية أو الهجمات الإرهابية. سنواجه فترات صعبة للغاية ومتطلبة. ونحن بحاجة إلى أن نكون أقوياء ومرنين عاطفياً وأن نسخِّر كامل إمكاناتنا. لدينا قدرات غير مستغلة نجهلها أحياناً ويجب أن نوسع حدود طاقتنا من أجل حل مشكلات المجتمع بشكل جيد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .