ما هي كلمة السر في استمرار نجاح بعض الشركات العائلية؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يفسير تطور أداء الشركات العائلية، مقارنة بنظيراتها من الشركات غير العائلية، سعيها الدؤوب للتفوق التشغيلي. فتميل الشركات العائلية إلى تبني رؤية طويلة الأمد للاستثمارات والعلاقات، والبقاء في السيطرة على الملكية لإنجاز الأعمال على طريقتها، والتركيز على التطوير المستمر والابتكار، وتطوير علاقات أصحاب المصلحة المخلصين، وبناء المواهب الأساسية لدى مجموعة منتقاة من الأفراد، وخفض أعباء المديونية، وبناء قدر أكبر من الاستقرار المالي.

يعكس هذا النهج لإدارة الأعمال عقلية “المشغِّل”، ويجري الاسترشاد بها من قبل متخصصة تنتقل من جيل إلى جيل. يُشارك هؤلاء الذين لديهم هذه العقلية بدأب في الجوانب المتعلقة بالعمليات جميعها، ويُقيّمون الأعراف وهم يحاولون إدخال التحسينات باستمرار. إنهم يبحثون عن فرص النمو داخل القطاعات بالدرجة الأولى، حيث تتألق قدراتهم التشغيلية. هذه العقلية راسخة بعمق في ثقافات معظم الشركات العائلية والعائلات المرتبطة بالشركات، فإذا أردت أن تكون فرداً مهماً في الشركة والعائلة، يجب أن تكون جيداً في إدارة العمليات.

لقد أثمرتْ تنمية عقلية “المشغل” إلى حد كبير، لأن معظم القطاعات ونماذج الأعمال قد تطورت ببطء حتى وقت قريب، ما جعل جودة العمليات محوراً أساسياً للنجاح. وتمكنتْ العائلات والشركات العائلية من التكيف مع معظم التغييرات في قطاعاتها بوتيرة تتجنب إثارة الكثير من أوجه إرباك تلك العائلات.

لكن التحولات الجذرية تحدث بالفعل، وعندما تحدث، غالباً ما تتخلف الشركات العائلية التي لا يُمكنها التفكير فيما هو أبعد من عقلية “المشغل”، معتقدة أنها تستطيع خلق الابتكار من الفوضى، ومتمسكة بالمنتجات والممارسات التقليدية لفترة طويلة جداً. وتعترض عقلية “المشغل” في النهاية التقدم نحو التكيف مع التغيير واسع النطاق.

في المقابل، تسعى الشركات العائلية، التي استمرت على مدى أجيال رغم الظروف المتغيرة، إلى تحقيق التفوق التشغيلي، ولكن ليس على وجه الحصر. لأنها تُعتبر ماهرة في الانتقال إلى أنشطة جديدة تخلق القيمة، وفي ترك الأنشطة والممارسات التي تدمرها، أي أنها لا تتمسك في الأعمال التقليدية أو الممارسات القديمة. وقد تنوع عمل بعضها، بعد استنفاد فرص النمو في مجال أعمالها الأساسية، ليشمل مختلف القطاعات. وشهد بعض من تلك الشركات نضوج القطاع الذي تعمل فيه، والذي ساعدها على إجراء عمليات اندماج، وقررت إما البقاء والاستحواذ على المنافسين، أو بيع الشركات المتفوقة على نظيراتها وإعادة توزيع الأصول. كما قد تفادى بعضها زعزعة التكنولوجيا أو قواعدها التنظيمية، ولا بد من ذِكر أن عمليات التكييف هذه زاخرة جداً بالمعلومات.

خذ مثالاً شركة الإعلام العائلية “كوكس إنتربرايزيز” (Cox Enterprises)، التي بدأت أعمالها عام 1898 من خلال الاستحواذ على صحيفة ذا دايتون ديلي نيوز” The Dayton Daily News. لقد واصلت الشركة التوسع على مدى القرن التالي من خلال الاستحواذ على وسائل الإعلام، وحنى عام 2000، كانت نسبة 80% من شركة “كوكس إنتربرايزيز” لا تزال تركز على الصحف، ويقول الرئيس التنفيذي أليكس تايلور في ذلك، وهو من أفراد الجيل الرابع من عائلة شركة “كوكس”، أثناء مقابلة معه في عام 2015، إن “هذا أمر مرعب”. لكن، من خلال التركيز المكثف والمدروس على الاستثمار في قطاع الاتصالات والإعلام المتعلق بالسيارات، تضاعف حجم شركة “كوكس إنتربرايزيز” 4 مرات منذ ذلك الحين، في حين انهار قطاع الصحف بصورة ملحوظة. نمت إيرادات الشركة السنوية اليوم إلى ما يقارب 21 مليار دولار، ويقول تايلور: “هذا دليل على التنويع الاستثماري والابتكار وتعزيز ريادة الأعمال في أعمالنا، كما أنه برهان على أننا نتيح للناس تجربة أمور جديدة”. إذاً، تقدر هذه الشركة العائلية على الموازنة بين عقلية “المشغل” وعقلية “المالك”.

ما يميز هذه الشركات المستعدة للتكيف على المدى الطويل، هو التحلي بعقلية “المالك” الراسخة لدى مالكي الشركة وكبار أعضاء مجلس الإدارة. وتعترف عقلية “المالك” بأهمية التفوق التشغيلي، لكنها تُصر على الوجود في الأنشطة التي تخلق قيمة مالية واجتماعية وعلائقية، وتلك المتعلقة بالسمعة، وفقاً للقيم الأساسية للمالكين.

يطرح أصحاب عقلية “المالك” الأسئلة التالية: أين نخلق القيمة؟ أين يجب أن نستثمر رأس مالنا المالي والبشري؟ كيف نطور القادة والمؤسسات التي تتبنى الثقافة الصحيحة؟ جميع هذه الأسئلة راسخة في القيم التي تحملها الشركات التي لديها عقلية “المالك”، ويتعلق الأمر “بالرهانات الكبيرة” التي تُتخذ في التوقيت المناسب على رأس المال المالي والبشري والثقافة، وتسخيرها في خدمة التفوق على المدى الطويل.

تطوير عقلية “المالك”

من أجل تطوير عقلية “المالك” وحمايتها، يحتاج المالكون الرئيسيون إلى اتباع التالي:

  • تطوير مهام العائلة والشركة التي تركز على خلق أشكال مختلفة من القيمة، أي المالية والاجتماعية والعلائقية وتلك المتعلقة بالسمعة، ذلك وفقاً لقيمك الرئيسية. هذا إضافة إلى تتبع قيمة الشركة وإجراء نقاشات حول ما إذا كنت تعمل وفقاً لأهم القيم لديك، ومواصلة الإقرار بأهمية التفوق التشغيلي في الشركة، لكن فيما يتعلق بالأنشطة التي تسهم في تنمية قيمة الشركة فقط.
  • تصميم أنشطة مجلس المالكين واجتماعات مجلس الإدارة والمؤتمرات والاجتماعات مع الخبراء، ذلك من أجل الحصول على رؤية رفيعة المستوى لأصول الشركة والعائلة، إضافة إلى تشكيل رؤية حول التغييرات في حجم العائلة وطبيعة أنشطتها.
  • وضع خطة متكاملة للعائلة وشركتها بمرور الوقت.
  • تطوير المواهب العائلية وغير العائلية من أجل دعم خلق القيمة، وبناء الوفاق، وتتبع الاستثمارات التي تنجزها من خلال هذا التطوير.
  • الانتقال بصورة مدروسة إلى فرص نمو جديدة تنطوي على احتمال كبير لتنمية قيمة الشركة من خلال تعلم التجربة. وتشمل التجارب الاستراتيجية للشركة إجراء استثمارات محسوبة في الأنشطة الجديدة، ومعرفة متى تُعزز استثماراتك أو متى تنسحب. ومن الأهمية بمكان تحديد ما تحتاج إليه شركتك أو عائلتك لتكون جيدة فيما يتعلق بالتفوق في الأنشطة الجديدة التي تخلق القيمة.
  • تحدي الأعمال والأنشطة الأخرى التي تدمر القيمة ولكنها لا زالت باقية بسبب الارتباطات القديمة، أو من أجل الحرص على اتباع التقاليد أو تجنب الصراع.
  • احرص على فصل شركتك، بأسرع وقت ممكن، عن الأعمال والاستثمارات والممارسات والأشخاص الذين لا يضيفون قيمة. صحيح أن الولاء أمر رائع، لكن الولاء للأصول والأنشطة والأشخاص الذين لا يدعمون مهمتك أو قيمك ليس كذلك.

غالباً ما تواجه العائلات وقتاً عصيباً للغاية عند إقدامها على هذه الخطوة الأخيرة، وغالباً ما يكون القادة الذين يمتلكون عقلية “المشغل” بطيئين في إدراك الرهانات الخاسرة. قد يحدث أن يكونوا مرتبطين جداً بالشركة، أو بتقليد أو إرث، أو بأشخاص معينين، ويجدون صعوبة في الاعتراف بالحاجة إلى التغيير. أو يعتقدون أنه يمكنهم ابتكار أسلوبهم للتخلص من الفوضى عندما يواجهون المشكلات، ويكون هذا باتباع أسلوب عقلية “المشغل” المتمكن. ينبغي أن يُشعرك هذا بالخوف، لأنه إذا كان هناك أمر يجب على الشركات العائلية إجادته في هذه الأوقات التي تتطلب زعزعة الأعمال، فسوف يكون بالتخلي عن تلك الأمور غير النافعة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .