لماذا لا يجب على حكومة الولايات المتحدة الأميركية إدارة شبكة “5 جي” في البلاد؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

التقى الرئيس دونالد ترامب رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية أجيت باي مؤخراً في البيت الأبيض لتسليط الضوء على المبادرات التي تهدف إلى تسريع نشر الولايات المتحدة لشبكات المحمول عالية السرعة من الجيل الخامس المعروفة باسم “5 جي”. وتضمنت خطتهم إجراء مزادات جديدة لطيف الراديو عالي التردد المطلوب، وإعادة تخصيص 20 مليار دولار في صناديق الخدمة الشاملة السنوية لنشر الألياف الضوئية في المناطق الريفية، ومتطلبات منسّقة للحصول على تصاريح، والتطوير المستمر لاستراتيجية الطيف الترددي الوطني التي ستحدد وتحرر الترددات غير المستغلة بالكامل حالياً والمخصصة للوكالات الفيدرالية.

حيث ستستخدم معايير شبكة “5 جي” التي لا تزال قيد الإعداد من قبل مجموعات عمل هندسية عالمية الترددات الجديدة لتحقيق زيادات هائلة في سرعات الاتصالات المتنقلة وقدرتها، مع تقليل متطلبات الطاقة وأوقات استجابة الشبكة أو “زمن الكمون” على حد سواء. وتؤكد الاختبارات المبكرة أن شبكات “5 جي” قد تكون أسرع بمقدار 100 مرة من متوسط معدلات اليوم.

لكن لم تعلن إدارة ترامب عن المغزى الحقيقي من الاجتماع الذي ينطوي على شبكة “5 جي” صُممت من قبل الحكومة الفيدرالية التي تقوم بتأمين الشبكة وإدارتها بنفسها.

ومن المؤكد أن المزادات والألياف الضوئية في المناطق الريفية واستراتيجية الطيف هي عناصر أساسية لضمان نشر ناجح لتقنية “5 جي” في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر شبكات اتصال واسعة النطاق بين الدول الغربية. وفي الوقت نفسه، جعل الحجم الجغرافي الهائل والكثافة السكانية المتفاوتة بشكل كبير بين السواحل من تبنّي السرعة العالية العالمية والموحدة أمراً صعباً. ووفقاً لبيانات لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، لا تزال المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة في الولايات المتحدة متأخرة من حيث إمكانية الوصول إلى الشبكات وسرعة الشبكات.

وقد ركزت معظم تحليلات الاجتماع على الوعد بتقديم دعم حكومي متسارع لبدء تطبيق تقنية “5 جي”، ومنح إعانات لبناء الشبكات الرئيسة في المناطق الريفية. ومع ذلك، قام عدد قليل من المراسلين بوصل النقاط التي تربط الاجتماع بنقاش محتدم داخل إدارة الحكومة حول أفضل السبل لإدارة تطوير تقنية “5 جي”، بعد أن تسبب هذا النقاش بالقلق والتوتر الشديدين داخل الإدارة لأكثر من عام.

كانت أول الوثائق المسربة في أوائل عام 2018 هي الخطة الأولية التي اقترحها مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي للحكومة بشأن تولي بناء شبكة “5 جي” مؤممة، على غرار نموذج نظام الطريق السريع بين الولايات في عام 1950.

وعادت هذه الفكرة إلى الظهور في مارس/ آذار الماضي، حيث دعا كبار أعضاء حملة إعادة انتخاب الرئيس ترامب إلى استخدام الموجات الهوائية المستخدمة حالياً في وزارة الدفاع لبناء شبكة “5 جي” جماعية واحدة يستأجرها مشغلو الهواتف المحمولة بدلاً من بناء بنية تحتية منافسة خاصة بهم. وستقوم شركة خاصة واحدة بمهمة بناء شبكة “5 جي” وإدارتها تحت إشراف الحكومة، شريطة ألا تكون هذه الشركة إحدى شركات الاتصالات الحالية.

رفض رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية باي، إلى جانب كل من الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين في اللجنة وأعضاء الكونجرس البارزين فكرة شبكة “5 جي” المؤممة مراراً وتكراراً. وعندما طُرحت الفكرة لأول مرة، غرّدت المفوضة الديمقراطية جيسيكا روزنويرسيل على تويتر مرددة ما قاله زملاؤها المفوضون، أن هذه الفكرة “حادت عن الهدف حقاً”.

بقي الرئيس ترامب خارج النقاش حتى وقت قريب. إذ قال في تغريدة مبهمة في شهر فبراير/ شباط من العام الحالي، “أريد تقنية “5 جي” وحتى تقنية “6 جي” في الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن”. (وقد بدأت بالفعل مشاريع تطوير معايير شبكة الجيل السادس “6 جي”).

وفي وقت سابق من الأسبوع نفسه، رفض مدير المجلس الاقتصادي الوطني لاري كودلو فكرة إنشاء شبكة تديرها الحكومة رفضاً قاطعاً. حيث صرّح في اجتماع رابطة صناعة الاتصالات الخلوية (CTIA) قائلاً: “ستُطبّق المبادئ التي عملنا بموجبها على إعادة بناء الاقتصاد على قطاع الاتصالات و تقنية “5 جي”. وهي مبادئ السوق الحرة ومبادئ المؤسسة الحرة. لاحظوا النجاح الذي حققناه في تقنية 4 جي، لذلك سنطبق نفس المبادئ على تقنية “5 جي”. وهذه هي سياستنا”.

وقد مهّد بيان كودلو الطريق أمام التقاء باي الرئيس ترامب، ومثّل ضربة قاصمة لأي اقتراح للاستحواذ الفيدرالي على تقنية “5 جي”. وقال الرئيس: “إن نهجنا في الولايات المتحدة مدفوع بالقطاع الخاص ويقوده القطاع الخاص”. “لدينا بديل آخر لتحقيق هدفنا من خلال الاستثمارات الحكومية والقيادة من خلال الحكومة. إلا أننا لا نرغب بهذا الخيار لأنه لن يكون جيداً وسريعاً بما يكفي”.

ويأتي دعم البيت الأبيض لاستمرار إنشاء الشبكات الخاصة في وقت حرج. إذ تستثمر شركات الاتصالات الأميركية الرئيسة الأربع وهي فيرازيون (Verizon) وأيه تي آند تي (AT&T) وتي موبايل (T-Mobile) وسبرينت (Sprint) بكثافة في البنية التحتية الجديدة لتقنية “5 جي” التي تعتمد على عدد قليل من أبراج الخلايا التقليدية، وتعتمد بدلاً من ذلك على عمليات النشر الأصغر حجماً والأكثر كثافة للهوائيات بدعم شبكات رئيسة ضخمة من الألياف الضوئية، بما في ذلك الشبكات التي بُنيت في العقد الماضي من قبل مزودي الكابلات مثل كومكاست (Comcast).

وعبّر محللون بارزون في صحيفة “وول ستريت” عن شكوكهم بشأن الجدوى التجارية لتقنية “5 جي”، مشيرين إلى عدم وجود أي نوع من التطبيقات العظيمة التي أدت إلى تبنّي المستهلك السريع لشبكات “3 جي” و”4 جي”، إذ استُخدمت الرسائل النصية في شبكات “3 جي” وتطبيقات الفيديو والبرامج في شبكات “4 جي”. لكن هناك ابتكارات عظيمة تلوح في أفق شبكة “5 جي”، على الرغم من أنها ستوظّف على نطاق واسع عبر قطاعات مختلفة مثل الرعاية الصحية والترفيه والنقل والصناعة. ومن المحتمل أن تلعب شبكات “5 جي” دوراً رئيساً في المنازل والمدن المتصلة كجزء من إنترنت الأشياء، على سبيل المثال، في تنسيق الاتصالات بين المركبات المستقلة، ومع الطرق “الذكية”، وغيرها من البنى التحتية العامة.

وقد جادل أولئك الذين يقترحون تأميم شبكة “5 جي” أن وجود شبكة واحدة ضروري لضمان أمان هذه التطبيقات وغيرها من التطبيقات المهمة، ولحماية شبكات الولايات المتحدة من تدخل مزودي الخدمة غير الأميركيين. واعتبروا وجود شبكة واحدة أيضاً وسيلة للمنافسة بشكل أفضل مع الصين، حيث أخذت الشركات المصنعة زمام المبادرة حتى الآن في تأمين براءات الاختراع الخاصة بتقنيات “5 جي” الرئيسة. لكن من غير الواضح كيف ستتحسن الشبكة المؤممة من حيث الممارسات الأمنية لشركات الاتصالات التي كانت تدير شبكات الهاتف المحمول لعقود من الزمن، أو كيفية إقناع المستهلكين باستخدام شبكة تديرها الحكومة، التي يمكن استخدامها كأداة لزيادة المراقبة.

ولم يكن هناك أي إشارة إلى كيفية تمويل الحكومة لبناء أو تشغيل أو صيانة شبكة تخدم مئات الملايين من المستهلكين وربما مليارات الأجهزة المتصلة. حيث وصلت التقديرات الأولية لنشر شبكة “5 جي” بالفعل إلى مئات المليارات من الدولارات.

وتختلف أساليب التدخل الحكومي حول العالم في هذا الخصوص، حيث تستثمر بعض الحكومات بشكل مباشر في تقنية “5 جي”، في حين يستثمر بعضها الآخر في هذه التقنية بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، بدأت كوريا الجنوبية بتقديم خدمة محدودة لتقنية “5 جي” في وقت سابق من شهر أبريل/ نيسان من هذا العام، على غرار الولايات المتحدة، وتأمل اليابان والصين وتركيا وبعض الشركات الأوروبية من طرح هذه الخدمة بحلول عام 2020. وتقود الهيئات الرقابية هذه الجهود في العديد من الحالات، حيث تعمل مع شركات الاتصالات الحكومية السابقة التي جرى خصخصتها بالكامل الآن أو جزئياً، إلا أنها لا تزال تخضع لرقابة دقيقة على الأسعار وعروض الخدمات.

وهذا صحيح بشكل خاص في الصين التي وصفت خطتها للخمس سنوات الأخيرة تقنية “5 جي” باعتبارها “صناعة استراتيجية ناشئة”. إذ تسيطر الحكومة على جميع مشغلي شبكات الاتصالات اللاسلكي الثلاثة في البلاد، ولا تمنح شركات الاتصالات سوى طيف الراديو الذي تحتاجه فقط.

كان الدافع وراء دعوات إنشاء شبكة “5 جي” مؤممة في الولايات المتحدة هو مخاوف من عدم قدرة المستثمرين في القطاع الخاص على التنافس مع عمليات النشر التي تدعمها الحكومة في أماكن أخرى. لكن الإدارة كانت على حق في رفض هذه الدعوات، إذ كانت على ثقة أن الضغوط التنافسية بين شركات الاتصالات الأميركية ومزودي المعدات ستبقي الولايات المتحدة في الصدارة مرة أخرى. ومن خلال اتخاذ هذا النهج، أكد البيت الأبيض على نجاح السياسة الحزبية التي تعود إلى التسعينيات، والتي تترك تطوير البنية التحتية الرقمية إلى تطويرات القطاع الخاص إلى حد كبير. إن النتائج غنية عن البيان من وجهة نظري. إذ تمتلك شركات الأجهزة والبرامج الأميركية قوائم بأكثر شركات الإنترنت قيمة في العالم. وفي حين استثمر المشغلون الأميركيون ما يزيد عن 1.5 تريليون دولار على مدار العشرين عاماً الماضية، وفقاً لمجموعة يو إس تيليكوم (USTelecom) التجارية، لا يزال الاتحاد الأوروبي المنظم بشكل متزايد متخلفاً من حيث سرعات النطاق العريض والتبني والاستثمار.

وفي الوقت نفسه، لم يقم الكونغرس بعد بسنّ التشريعات لإعادة بناء الشبكات المادية المتهالكة في البلاد، بما في ذلك الطرق والجسور والشبكات الكهربائية والنقل العام وأنظمة المياه، وهو وعد مبكر من حملة ترامب. إن احتياجات أنظمتنا غير الرقمية هائلة بالفعل. وقد منح أحد “تقارير التقييم” الصادر عن الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين تقييماً إجمالياً بدرجة (د+) للبنية التحتية الأميركية، وتُقدر الجمعية أن الإصلاحات والتحديثات الأساسية على مدى السنوات العشر القادمة ستكلف أكثر من 4.5 تريليون دولار.

وبالتالي، إذا كانت واشنطن ترى حقاً وجود صلة بين البنية التحتية والقدرة التنافسية والأمن القومي، فيجب عليها أن تركز اهتمامها وأموالها المحدودة على الشبكات المادية. كما يجب علينا تشجيع المستثمرين الذين قاموا ببناء نظام بيئة العمل واسعة النطاق وإعادة بنائها مراراً وتكراراً، لا أن نزيد من إرباكهم، إذ اتخذوا بالفعل زمام المبادرة في هذا التكرار التالي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .