متى يكون عصيان قواعد الشركة واجباً؟

4 دقائق
عصيان قوانين الشركة

إذا أوكلت إليك شركتك مهمة توسيع عملياتها في سوق خارجية، أو تطوير منتجات جديدة، فإن التحديات التي تواجهها تشبه إلى حد كبير التحديات التي تقابلها شركة جديدة ناشئة. وقبل أن تتمكن من توسيع نطاق عمل شركتك، يتعيّن عليك أن تفهم ما الذي يريده الزبائن حقاً، وما هي الأمور التي يثمّنونها عالياً، وكيف تقدّمها لهم؛ وبالتأكيد تتطلب هذه العملية قدراً كبيراً من المرونة. فماذا عن عصيان قوانين الشركة هل ستتمكن من ذلك؟

من الناحية النظرية، هناك احتمال كبير جداً بأنك ستنجح في أداء المهمة الموكلة إليك على أحسن ما يُرام. فخلافاً لروّاد الأعمال الذين يشتغلون انطلاقاً من قبو منزلهم، بوسعك الاستفادة من الموارد التي تحظى بها شركتك لكي تنجز ما هو مطلوب منك. لكن ما يقابل هذه الميزة من جهة أخرى ويعطّل مفعولها هو أن الأشخاص المبتكرين في الشركات الكبيرة يتعيّن عليهم خوض الحرب على جبهتين. كما هي الحال بالنسبة للشركة الناشئة، إذ يجب عليك البحث عن المكان المناسب في السوق، ولكن في الوقت ذاته أنت مضطر لمحاربة الأنظمة المطبّقة في الشركة، والتعامل مع القواعد والإجراءات وعمليات الموافقة المطبّقة في كل شركة كبيرة بغية دعم استراتيجيتها. وهذا نوع من القتال المألوف بالنسبة لكل مدير، ولا يمكن لهذا القتال أن يكون أكبر حتى في الحالة التي تكون فيها استراتيجية الشركة غير متوافقة مع متطلبات الوضع الذي تجد نفسك فيه.

اقرأ أيضاً: كيف تُخطف قيم الشركة ويساء استخدامها؟

وإلى حد ما، أنت بوسعك ضمان المرونة الضرورية من خلال التفاوض عليها قبل البداية. وهذا بالضبط ما فعل لوك مانزفيلد، كبير فريق المبتكرين الأوروبيين في شركة “سامسونج”، فقبل أن يوافق على مهمة إنشاء الفريق الجديد، حصل على استقلال ذاتي كامل مع فترة سماح تمتد على مدار 3 سنوات لم يكن مسموحاً خلالها لمدرائه أن يطلبوا منه أي نتائج. لكن هذا النوع من الاتفاقيات التي تتم قبل البداية لا تستطيع أن تنقلك أبعد من ذلك. فحتى لو كنت تعمل ككيان قانوني منفصل تماماً، سيتعيّن عليك التعاون مع الشركة الرئيسية – وفي غضون تلك العملية سرعان ما ستصطدم بجدار تضارب المصالح وستحصل الصدامات مع القواعد والأنظمة الحالية.

ما هو مفهوم “الابتكار المختلس”؟

وهنا المكان الذي يمكن فيه لمفهوم “الابتكار المختلس” أن يمد لك يد العون. ففي البحوث التي أجريناها أنا وبادي ميلر في كتابنا المشترك، “الابتكار المعتاد: كيف تساعد موظفيك على تحويل الأفكار العظيمة إلى واقع” (Innovation as Usual: How to Help Your People Bring Great Ideas to Life)، وجدنا أن الأشخاص المبتكرين الناجحين في الشركات الكبرى لا يلتزمون أبداً بالقواعد. أحياناً قد يكون من الأفضل التوقف عن طلب الإذن والبدء بالتحايل على مجموعة معينة من القواعد الداخلية أو حتى خرقها، والعمل بهدوء لمساعدة الشركة على النجاح بالرغم من التحديات التي تفرضها عليها أنظمة الضبط المطبّقة فيها.

إن القواعد وأنظمة الضبط المطبّقة وضعت لتخدم سبباً معيناً، وبالتالي فإن “الابتكار المختلس” يجب أن يستعمل باعتدال وبقدر كبير من العناية. وأفضل من يمارسونه هم الأشخاص الذين لديهم تاريخ طويل في العمل ضمن الشركة ويفهمون أي نوع من القواعد الداخلية الذي لا يجب خرقه البتة. كما أن ذلك يتطلب الحذر الدائم للتأكد من عدم دخولك إلى مناطق رمادية قانونياً أو أخلاقياً، أو أنك لا تضر بمصالح الشركة. فعندما تعمل خارج نطاق المراقبة، يُحتم عليك أن تلجأ إلى مجموعة غير رسمية من المستشارين، ما يتوجب عليك أن تطلب رأيهم بانتظام، بحيث لا تعميك تصرفاتك، أو تبدأ بالمجازفة الخطرة.

اقرأ أيضاً: هل نستطيع النجاة بتغيير ثقافة الشركة؟

ضمن مجال العلوم السياسية، تعتبر فضائل العصيان المدني النابع من ضمير حي شيئاً معترفاً به. أما في عالم الأعمال، فإن الخرق الاستراتيجي للقواعد هو من الأفكار التي تشهد انقساماً واستقطاباً تجاهها. فنحن جميعاً قادرون على الاتفاق بأن الشركات يجب أن تسعى جاهدة لتمكين موظفيها وتقويتهم. فهل من الممكن تمكين الناس إلى حد القبول بأن عليهم أحياناً خرق القواعد الداخلية، حتى وإن كان ذلك بحذر وبحسن نية؟ عندما كتبنا حول هذا الموضوع من قبل لصالح “هارفارد بزنس ريفيو”، تلقينا العديد من ردود الأفعال القوية؛ حيث إن أحد الذين علّقوا على الأمر قال إن ذلك “عمل منفر غير مستحب”. ولعل أفضل تعبير عن المخاوف المتعلقة بالابتكار المختلس جاء على لسان كريس تريمبل: ففي مقال كتبه على موقع “هارفارد بزنس ريفيو”، طرح تريمبل على كبار المدراء التنفيذيين السؤال التالي: “ما هو عدد المبتكرين الذين يعملون خلسة الذين ترغبون بوجودهم في شركتكم؟”.

هذا سؤال معقول جداً عند الحديث عن عصيان قوانين الشركة ربما، وإذا كنت أنت من كبار المدراء، فقد تشعر بإغراء أن تكون إجابتك عن السؤال هي “0”، أي بأنك لا ترغب بوجود أي من هكذا نوع من المبتكرين ضمن شركتك. ولكن قبل أن تجيب عن هذا السؤال، إليك سؤال آخر لتفكر فيه: كم من قصص النجاح الموجودة لديك حالياً وتفتخر بها تحققت لأن شخصاً ما كسر القواعد؟ إذا كنت مثل معظم الشركات التي عملنا معها، فإن عدداً من المشاريع أو المنتجات التي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهباً في شركتك كان قد أبصر النور لأن أحداً ما تحايل على مجموعة من القواعد أو حتى خرقها. إلا أنه لا يسلّط الضوء على هذا الجانب من عملية الابتكار ضمن الشركات الكبرى في حفلات توزيع الجوائز أو في المقالات الصحفية، ومع ذلك، وكما يخبرك أي مبتكر، فإن ذلك واقع لا يمكن إنكاره. صحيح أن خرق القواعد محفوف بالمخاطر، لكن البديل القائم على الالتزام الصارم بالقواعد، (حتى عندما تتغيّر الأوضاع)، ينطوي أيضاً على مجازفة. إن إنكار الآثار الإيجابية المحتملة لعملية الخرق الواعي للقواعد هو تجاهل لحقيقة جوهرية حول الكيفية التي تعمل فيها الشركات الناجحة على أرض الواقع.

اقرأ أيضاً: تغيير ثقافة الشركة يتطلب حِراكاً لا إلزاماً

وتوضيحاً لأي لبس، أنا هنا لا أقول إن القواعد هي أمر سيئ. فإلى حد كبير، تعتبر استراتيجيات الشركات الكبرى والقواعد الداخلية المطبّقة فيها جيدة ومفيدة. ولكن تماماً كما هو حال القوانين التي تحدد شكل مجتمعاتنا، فإنها بحاجة إلى أن تفسّر ويجب علينا أيضاً أن نتحدّاها عندما تتغيّر الظروف. فعندما تقوم المحاكم الرسمية بتفسير القوانين، تسعى إلى ضمان تحقيق أكبر قدر من الإنصاف، لكنها تأخذ وقتاً طويلاً حتى تتوصّل إلى قرار. أما في شركة تحتاج إلى التحرك بسرعة، فإن التفسير غالباً ما يجب أن يحصل ميدانياً وبسرعة. وبالتالي فإن واجبنا بصفتنا مدراء كبار في الشركة لا يتمثّل في الحيلولة دون وقوع جميع أشكال خرق القواعد، وإنما في أن نضمن، (عندما تستدعي الحاجة أحياناً إلى خرق القواعد)، بأن يكون الأشخاص الذين نضعهم في موقع المسؤولية مزوّدين بالخبرة والحوافز وأنظمة الدعم غير الرسمية التي تمكّنهم من اتخاذ القرارات الصائبة المتعلقة بموضوع عصيان قوانين الشركة لديهم.

اقرأ أيضاً: ما هي القواعد الست لتطوير ثقافة الشركة وتوسيعها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .