كيف تعامل موظفيك وكأنهم مالكون للشركة

4 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتبر ولاء الموظفين لعملهم وتفاعلهم معه واحداً من المواضيع الساخنة المطروقة هذه الأيام، وهناك أسباب منطقية كثيرة لذلك. فأي شركة ترغب في استقطاب أفضل الناس الموهوبين الذين يتفانون في العمل والاحتفاظ بهم. لكن معظم أرباب العمل يتجاهلون اثنتين من أقوى الأدوات المتاحة لهم لتحويل ذلك الأمر إلى واقع.

الأداة الأولى هي تمكين الموظفين من تملّك جزء حقيقي من الشركة.

بطبيعة الحال، هناك العديد من الشركات المدرجة في البورصة التي توفر لموظفيها خططاً لشراء أسهم فيها، أو ما شابه ذلك من الخطط، كجزء من المنافع التقاعدية التي تمنحها لهم. والجميع يعلم أن هناك قلّة من الأشخاص فقط في وادي السيليكون وغيره من المراكز التكنولوجية يستفيدون من هكذا برامج. ولكن من النادر أن نرى برامج تمنح الموظفين ملكية حقيقية في الشركة، أي تقدم للموظفين العاديين من غير المدراء كمية كبيرة من الأسهم عاماً تلو الآخر لتساعدهم على تملك حصة مهمة في الشركة.

وليس بالضرورة أن تكون الأمور على هذا النحو. فالعديد من الشركات الكبيرة تتمكن من إيجاد رزم كبيرة من الأسهم (والمبالغ النقدية الضخمة) لتمنحها إلى المدراء التنفيذيين كتعويضات لهم، على الرغم من محدودية العلاقة بين رواتب كبار المدراء والنتائج المالية. أما في الحقيقة، فإن جزءاً من هذه الأصول يمكن أن يوجه لمنح أسهم عادية للموظفين. كما يمكن للشركات – باستثناء الصغيرة جداً منها – تطبيق برامج تتيح للموظفين تملك أسهم في الشركة، وغالباً ما يجري تمويل هذا البرنامج من خلال الاقتراض. وبغض النظر عن الطريقة المستعملة، وطالما أنها تتمتع بالسخاء الكافي، فإنها تعطي الموظفين حصة في الشركة تجعلهم يشعرون بأنهم مالكون حقيقيون.

وإذا ما نظرنا إلى قطاع متاجر السوبر ماركت، فإننا نجد الكثير من الأمثلة العملية على هذا النوع من الملكية التي يحظى بها الموظفون. فقد أعلنت سلسلة متاجر “آتش إي بي” (H-E-B) الكبيرة، التي تعمل انطلاقاً من ولاية تكساس مؤخراً، أنها ستمنح ما يُقارب 15% من أسهم الشركة مع مرور الوقت إلى موظفيها البالغ عددهم 55 ألفاً، حيث ستوزع هذه الأسهم وفق صيغة تراعي راتب الموظف ودرجة أقدميته في العمل لدى الشركة. وتقدّر قيمة هذه الأسهم بمبلغ مليار دولار. أما شركة “بابليكس” (Publix)، وهي عبارة عن سلسلة متاجر كبيرة مقرها فلوريدا، فإن غالبية أسهمهما مملوكة من الموظفين، وهي من الشركات التي تصل سنوياً إلى قوائم “أفضل الشركات للعمل لديها”. وهناك أيضاً سلسلة متاجر البقالة “وينكو” (WinCo) التي تعمل انطلاقاً من مدينة بويزيه في ولاية إيداهو، وتضم 14 ألف موظف و86 متجراً منتشرة في 8 ولايات أميركية غربية. وكل موظف في شركة “وينكو” هو أيضاً من المالكين. فكاثي بورتش، التي عملت موظفة في الشركة لأكثر من 20 عاماً تقريباً تتقاضى أجرها بالساعة، تملك في حسابها التقاعدي ما يصل إلى مليون دولار تقريباً.

أفلا تعتقد بأن هذا النوع من الكرم والسخاء يقود إلى زيادة الالتزام والشغف لدى الموظفين؟ لقد قال أحد موظفي شركة “وينكو”، والذي يعمل فيها منذ 28 عاماً لمجلة (فوربس): “نحن نعمل بأقصى طاقتنا ونبذل قصارى جهدنا دون كلل أو ملل. إننا نعمل بروح الفريق ولا نشبه موظفي الشركات العادية. وهناك دائماً الجزرة الموجودة التي نعمل على تحقيقها طوال ما تبقّى من حياتنا”.

الأداة الثانية لها أسماء مختلفة: فقد تسمّى الإدارة الشفافة القائمة على السجلات المفتوحة، أو الشفافية الاقتصادية، أو ثقافة الملكية. وبغض النظر عن الاسم الذي تستعمله لوصف هذه العملية، فهي تعني تشجيع الموظفين والموظفات على التفكير وكأنهم رجال أعمال وسيدات أعمال وليس موظفين مأجورين.

إذا كنت تعمل لدى مؤسسة تقليدية، فإن وظيفتك تتمثّل في الحضور إلى العمل في الموعد المحدد وأداء مهام معينة. أما في الشركات التي تعمل بشفافية وتفتح سجلاتها أمام موظفيها، فإن واجب الجميع هو الإسهام في نجاح الشركة. فالمدراء يساعدون الموظفين على فهم الأرقام الرئيسية في الشركة وتتبعها وتوقعها. وهم يرحبون بأي أفكار تخصّ التحسين. كما أنهم يعززون ذهنية الملكية من خلال تقاسم الزيادات في الأرباح مع الجميع، ويكون ذلك عادة من خلال العلاوات التي تمنح لهم وتمول من هذه الزيادة في الأرباح. كما أن العديد من هذه الشركات لديها أيضاً برامج لتوزيع الأسهم على الموظفين.

ويمكن فهم هذه المقاربة بسهولة أكبر في حالة الشركات الصغيرة. فقد تبنّى مؤخراً “باريس كريبيري” (Paris Creperie)، وهو عبارة عن مطعم يعمل في منطقة بوسطن، ويبلغ حجمه حجم أحد مطاعم “ماكدونالدز”، سياسة الإدارة الشفافة وفتح السجلات أمام الموظفين في هذا المطعم، حيث تعرّف هؤلاء الموظفون على أساسيات عمل المطاعم، بما في ذلك العوامل التي تؤثر على الأرباح، مثل “تكلفة البضائع المباعة”. وخلال الصيف الماضي، أطلقوا مبادرة للتقليل من “تكلفة البضائع المباعة”، وخفض الهدر في الطعام، وتغيير شكل بعض الأطباق، والتوصل إلى طرق جديدة للعمل بقدر أكبر من الكفاءة. وقد تراجعت “تكلفة البضاعة المُباعة” من 30% تقريباً من الإيرادات إلى 26.5% خلال 4 أسابيع، وظل الرقم يحوم في أواسط العشرينيات بعد ذلك. كما ارتفعت الأرباح التشغيلية بأكثر من 10% خلال 4 أشهر فقط وظلت في نطاق يتراوح بين 18% و20%، مقارنة مع المعدل الوسطي المتعارف عليه في قطاع المطاعم والذي يقل عن 4%.

وقبيل نهاية العام 2015، كان الموظفون في طريقهم إلى الحصول على علاوات تبلغ وسطياً 6,000%. وحول تجربتها في العمل في هذا المطعم، تقول أماندا نورتون، المسؤولة عن إحدى نوبات العمل لصحيفة “بوسطن غلوب”: “لو كنت أعمل في أي مطعم آخر، لكنت بالكاد قادرة على تدبّر تكاليف معيشتي. ولكن رؤية هذه العلاوات يساعدني على تنفّس الصعداء لأنني أعلم بأنه عندما يحين موعد دفع الفواتير فلن أشعر وكأن نهاية العالم تقترب”.

لكم أن تتخيلوا تأثير كل ذلك على ولاء الموظفين والتزامهم. يقول البروفيسور ليونارد شليسنغير، الأستاذ في كلية “هارفارد للأعمال”: “في حقيقة الأمر، عندما يتعرّف الموظفون على المزيد حول طبيعة عمل الشركة، وعندما يكون لديهم مصلحة اقتصادية في النتائج، فإن هناك احتمالاً كبيراً لحصول تراجع ضخم في معدلات دوران الموظفين (Turnover rates)، في تلك الشركة”.

كما أن هاتين الأداتين تساعدان أيضاً في مواجهة اثنين من التحديات الأساسية التي تواجه الاقتصاد الحر اليوم. فوجود هذا النوع من الملكية يخفف من حالة عدم المساواة عبر وضع المزيد من الأموال في جيوب الموظفين العاديين من غير المدراء في الشركة. كما أن سياسة الإدارة الشفافة القائمة على فتح السجلات تطلع الموظفين على أساسيات عمل الشركة، بحيث يكون بوسعهم النجاح لاحقاً عندما يتعيّن عليهم تغيير وظائفهم، بما أن معظم الناس سيغيّرون وظائفهم في نهاية المطاف في اقتصادنا الذي يشهد تغيّرات سريعة. يقول جو غرافتون، الاستشاري الذي يعمل مع مطعمة كريبيري: “يتعلّم الموظفون معنى إدارة الشركة، وبالتالي سيكون بوسعهم أخذ ما تعلّموه معهم عندما يمضون قدماً في حياتهم المهنية”.

إن كلتا الأداتين تمنحان الموظفين نوعاً من الحصة في هذا النظام وتعطيانهم الموارد التي تسمح لهم بعيش حياة أكثر أماناً. كما أن الشركة التي تطبّق هاتين الأداتين في عملها تساعد المجتمع المحلي المحيط بها بينما تساعد نفسها أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .