كيف يأسرنا القلق وكيف نتحرر منه؟

5 دقائق
كيف يمكنني أن أتحرر من القلق أثناء العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يحسد فرانك، أحد زبائن خدمات التدريب التي أقدمها، الكثير من أقرانه. فهو بصفته المدير العام لشركة كبيرة وناجحة يُعتبر عمله من الأولويات الرئيسية للرئيس التنفيذي، كما أنه يؤدي عمله على أكمل وجه وفريقه يحبه للغاية.

ولكنّ فرانك يخبئ سراً صغيراً، وهو أنّه يعاني من القلق الذي لا يدعه ينام ليلاً ويؤثر على صحته ويأخذ الكثير من طاقته ووقته. وعندما يشيد الناس باتزانه خلال عرض تقديمي رئيسي للعملاء لا يدركون أنّه استطاع فعل ذلك عن طريق تناول الأدوية المضادة للقلق. يعني هذا أن فرانك يعمل فعلياً في وظيفتين: الأولى، تلك المذكورة في الوصف الوظيفي، والثانية تتمثل في التحرر من القلق.

القلق في بيئة العمل

من الطبيعي أن نمر أحياناً في فترات من القلق، مثل عندما نستعد لمقابلة مهمة، أو نتعامل مع رئيس صعب المراس، أو عندما نكون على خلاف مع أحد الزملاء في العمل. ولكن 19% من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من اضطراب القلق، و31% منهم سيتعاملون معه مرة واحدة على الأقل في حياتهم، بحسب “المعهد الوطني للصحة العقلية” (National Institute of Mental Health).

يفترض خبراء الصحة العقلية أنه عندما نشعر بالقلق نميل إلى الوقوع في فخ التفكير بطرق زائفة أو محدودة. تولد أنماط التفكير هذه دوامة سلبية مدمرة يمكنها السيطرة على حياتنا عن طريق إقناعنا أننا نوشك على الموت وزيادة شعورنا بالعجز. موقع “أنكزايتي كندا” (Anxiety Canada) المخصص لدعم الأشخاص الذين يعانون من القلق يعرض عدداً من هذه الفخاخ ويسردها عبر أنماط التفكير.

اقرأ أيضاً: ماذا يفعل بنا القلق في العمل؟

وفيما يلي بعض الفخاخ الشائعة التي يعاني منها عملاؤنا، وهم غالباً مسؤولون تنفيذيون، وبعض الأمور التي يقولونها عندما يكونون في قبضة فخ معين:

  • توقع الكوارث دائماً: تخيّل أسوأ نتيجة ممكنة، “سأتعرض للطرد في حال شاب عرضي التقديمي أي شائبة”.
  • قراءة أفكار الآخرين: تخيّل ما يفكر به الآخرون، “أعرف أنه لا يحب العمل معي لأنّه يعتقد أنّني غبية”.
  • التكهّن: تخيل ما يخبئه المستقبل إنما من دون أي بيانات، “سيكرهني جميع من في هذا الفريق الجديد لأنني الوحيد الذي لست طبيباً”.
  • التفكير القطبي (إما أسود وإما أبيض): محدودية التفكير في اثنين من النواتج فقط، “إما أحقق نجاحاً باهراً أو أتعرض للطرد من العمل”.
  • الإفراط في التعميم: صبغ جميع المواقف بنتيجة معممة، “قدمت عرضاً تقديمياً للرئيس التنفيذي ولكن الأمور لم تسر على ما يُرام، فأنا دائماً لا أنجز الأمور على نحو جيد وأفشل عندما يتعلق الأمر بجمهور من المسؤولين التنفيذيين”.

طرق سهلة لتخفيف التوتر والقلق فى العمل

في حال كنت تقع فريسة إحدى فخاخ التفكير هذه أو أكثر، جرب الاستراتيجيات التالية التي استخدمتها مع المتدربين للتغلب عليها. على الرغم من أنني لست أخصائية نفسية أو طبيبة، أمتلك خبرة في مساعدة عملائي على تعديل سلوكياتهم وطرق تفكيرهم وزيادة فعاليتهم في العمل.

هذه الاقتراحات لا تلغي الحاجة إلى استشارة مختص في الصحة العقلية لتشخيص القلق والعلاجات المحتملة، ولكنها يمكن أن تساعدك على الحد من أنماط التفكير السلبي وتساعدك في السيطرة على قلقك، كما تسمح لك بالاستماع إلى الأحاديث التي تهمك حقاً في أيام عملك.

1. أوقف النمط

تسبق القلق عادة عوارض جسدية، ولذلك تعلم كيفية التعرف على الإشارات التي يرسلها جسدك قبل أي هجوم وشيك: تشنج في المعدة، أو تعرق راحة الكفين، أو توسع في فتحتي الأنف. تمثل ردات الفعل هذه جزءاً من “اختطاف اللوزة الدماغية” (amygdala hijack) الذي يدفع بجسمك إلى التصرف على طريقة الكر والفر بدلاً من العمل بناء على تعليمات عقلك. عندما تشعر بردات الفعل هذه غيّر عن وعي الأنشطة التي تقوم بها، واعمل على تشغيل عملية التفكير في عقلك في أمور مثل الرياضيات على سبيل المثال، ولكن ليس في أمور بسيطة مثل 2+2، بل جرّب حل معادلة من شأنها أن تشغلك بما يكفي لإبعاد عقلك عن عوامل التوتر.

2. أطلق اسماً على الفخ

أطلق اسماً على النمط الذي تمر به، سواء كان من بين الفخاخ المذكورة أعلاه أو فخاً وقعت فيه بنفسك. تساعد تسمية الأشياء على تحويل التهديد الغامض إلى شيء ملموس، بحيث تستطيع استعادة السيطرة عندما تدرك أنك مررت بالحالة نفسها من قبل ونجوت، ويمكنك ضبط استراتيجية التخفيف بحسب الفخ الذي أزعجك. على سبيل المثال، شعر فرانك بالأفضل تجاه الخطوات التي يجب اتخاذها بمجرد تسمية الأنماط التي تمر به كما أصبح بإمكانه التمييز بين توقع الكوارث دائماً وقراءة أفكار الآخرين والتكهّن.

3. أفصل المخاوف عن الحقائق

أنشئ قائمة من عمودين، الأول تضع فيه كل ما يعتريك من مخاوف وشكوك وريبة، والثاني تضع فيه الحقائق الموثقة. القدرة على المقارنة بين الاثنين يمكنها أن تسكن مخاوفك وتعيدك إلى الواقع.

على سبيل المثال، عندما كان فرانك غارقاً في التكهّن وتوقع الكوارث قال لنفسه إن “استراتيجيتنا ستفشل، وستنتهي شركتنا قريباً لأن منافسنا سيتحرك بسرعة أكبر، كما أن فروعنا موجودة في أماكن تعاني من الاضطرابات السياسية”. تضمنت المدخلات في عمود المخاوف ما يلي: سيتفوق منافسنا علينا بالابتكار ويصبح أسرع في السوق، وستخرج الأحداث السياسية عن السيطرة، وسنعاني من ركود كبير، وسيُصاب أفضل موظفينا بالإنهاك.

اقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن القلق بشأن آراء الآخرين عنك؟

أما المدخلات في عمود الحقائق فتضمنت التالي: لقد تغلبنا على المنافسة في السوق ثلاث مرات، ولا يوجد في المناطق المضطربة سياسياً إلا فرع واحد من فروعنا فقط، والمؤشرات الاقتصادية مستقرة، والنقص في الموظفين في أدنى معدلاته. وبالتالي، استطاع فرانك أن يخفف من حدة قلقله بعد رؤية الحقائق إلى جانب المخاوف. إذا وجدت عمود المخاوف أطول من عمود الحقائق الجأ إلى الآخرين: تواصل مع شخص تثق به واطلب رأيه، فهو وغيره قد يكونون قادرين على الإشارة إلى بعض الحقائق الواقعية للحدّ من مخاوفك.

4. اسرد المزيد من القصص

دائماً ما نضع الافتراضات ونقفز إلى الاستنتاجات ونسرد القصص لأنفسنا، فسرد القصص يساعدنا على مواصلة الحياة بفعالية ولكنه قد يكون مقيداً في بعض الأحيان. وعندما نكون قلقين نميل إلى تصديق قصصنا وكذلك إلى تصديق أكثر أشكالها تطرفاً وسلبية.

انغمس في هذه العادة بدلاً من كبحها، وألّف ثلاث قصص منفصلة وتأكد أنها تختلف عن بعضها البعض. على سبيل المثال، عندما طلب منه مدير العلاقة مع العملاء زيادة مهاراته التقنية تمثّل الافتراض الأولي الذي وضعه، أو بمعنى آخر القصة التي رواها لنفسه، في أنّ مديره لم يكن راضياً عن أدائه. وعندما دفعته قليلاً أضاف قصتين مرتبطتين: “يريدني مديري أن أعرض المزيد من مهاراتي التقنية لكي أحقق أثراً أكبر على الفريق”، و”يريدني مديري أن تكون مهاراتي قابلة للنقل بسهولة أكبر بحيث كلما أصبحت في رتبة أعلى تتوفر لي أماكن أكثر في الشركة أنتقل إليها لتولي زمام الدور التالي”.

وهذا يشير إلى أن توسيع نطاق القصص التي ترويها لنفسك عن موقف معين يبيّن لك أن ثمة عدة احتمالات أخرى وأن الكثير من هذه الاحتمالات أكثر إيجابية من فرضيتك الأولية.

5. افعل ما تقوله

اسأل نفسك عما قد تنصح به الآخرين. عندما يشعر عملائي بالقلق أسألهم عن النصيحة التي يمكن أن يقدموها لأحد الأصدقاء أو الزملاء في موقف مماثل، ما يدفع الأشخاص الذين شعروا أنّهم عاجزون إلى الخروج ببعض القرارات السليمة بعد لحظات. إذا وجدت نفسك تقول “أنا عالق”، أو “لا أعرف ماذا أفعل”، أو “لا سبيل للخروج من هذا المأزق”، اطرح السؤال التالي على نفسك: “في حال جاء أحد الزملاء إلي وهو يواجه مأزقاً صعباً ما الذي يمكن أن أقوله له؟”.

يساعدك التفكير بهذه الطريقة على أن تصبح موضوعياً أكثر والتخفيف من حدة فخ التفكير الذي وقعت فيه.

يمكن أن تساعدك هذه الاستراتيجيات عندما تكون مضطرباً، غير أن تذكر الخطط، والتنفيذ بدرجة أقل، أمر ليس سهلاً، لذلك، اكتب هذه التكتيكات واحملها إلى اجتماعاتك التي تقلق بشأنها، وعندما تلاحظ أي تغيير يبدو لك مألوفاً من تسارع في ضربات القلب أو جفاف في الحلق اخرج هذه الورقة من جيبك وجرب إحدى هذه الاستراتيجيات لكي تهدئ نفسك.

استطاع فرانك بعد 10 أشهر من اتباع هذه الاستراتيجيات أن يبدأ بملاحظة بعض التغيرات، فقد قلّ عدد نوبات القلق وتغير حديثه لنفسه من النقد الذاتي إلى التعاطف الذاتي وأصبح يمتلك طاقة أكبر للتركيز على عمله.

من الطبيعي أن نشعر بالقلق وعدم الثقة بالنفس والارتباك، فهذه المشاعر مفيدة عندما تكون في مستواها الطبيعي لتبقينا يقظين ومتفاعلين ومنتجين. ولكن عندما ينهك القلق أذهاننا ويحد من أدائنا، فهذا يعني أنه حان الوقت لاختيار الاستراتيجيات التي تدفعنا للتحاور مع ذاتنا والتفوّه بما يلزم فقط، وذلك في سبيل التحرر من القلق في العمل.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .