كيف يجب على القادة حل المشكلات الكبرى؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا شكّ أنّ الوعي الاجتماعي للشركات قد حظي بالاهتمام في مدينة دافوس السويسرية التي جمعت قادة عالميين من مجال الأعمال وقادة حكوميين وآخرين من المجتمع المدني، في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يُعقد سنوياً. وكما جرت العادة، تُخصّص مئات ملايين الدولارات للشراكات بين القطاعين العام والخاص التي تتصدى للتحديات العالمية الأكثر إلحاحاً: التغير المناخي، والفقر، والأمراض المزمنة، والأمية، والنفايات البلاستيكية في المحيطات، وغيرها الكثير. ولكن لسوء الحظ، بعد الإعلان الأولي العلني عن هذه الشراكات العالمية حسنة النية سيكون المصير المحتم لمعظمها الفشل بهدوء.

الفكرة القائلة أن الشركات العالمية يمكنها أن تلعب دوراً رائداً في تقدم المجتمع ليست فكرة خاطئة، والسؤال هو كيف يمكنها أن تفعل ذلك بطريقة تحقق أثراً اجتماعياً وقيمة لمساهميها بالفعل. تساعد الشراكات العالمية عالية المستوى في تحقيق هدف مفيد عن طريق تجميع الموارد وإنتاج المعرفة وجذب الانتباه إلى القضية المطروحة ومدى أهميتها وإلحاحها. ولكن، لسوء الحظ، نادراً ما تنجح هذه الشراكات في إيجاد حل فعلي لهذه المشاكل، وغالباً ما تنهار هذه المبادرات بسبب ثقلها لأن عزيمة الشركاء تُثبط بسبب عدم إحراز تقدم مجدٍ للمجتمع أو منفعة اقتصادية للشركة. أما الطريقة الوحيدة لتجنّب هذا المصير فتكمن في امتلاك الشركة استراتيجية واضحة حول زمان التحالفات الهادفة ومكانها وطريقة العمل عليها، ونعني بذلك التحالفات التي تعزز التقدم في مسائل محددة ومناطق معينة مرتبطة مباشرة بأعمال الشركة. بعبارة أخرى، الحلول المحلية ضرورية من أجل التصدي للمشاكل العالمية.

يبدأ الأمر بإدراك أن هناك الكثير من الأموال التي يمكن جنيها خلال مواجهة التحديات العالمية، أي فرص أعمال جديدة تُقدر بنحو 12 تريليون دولار أميركي تأتي عن طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. وكذلك بإدراك أن هناك احتمالاً لخسارة المال بسبب عدم التصدي لهذه التحديات لأن الإخفاقات المجتمعية يمكن أن تكبح نمو الشركات وربحيتها: فشل الأنظمة التعليمية يؤدي إلى رفع كفة التدريب ومعدل دوران الموظفين، والفقر الذي يطال المزارعين أصحاب الملكيات الصغيرة يؤدي إلى منتجات زراعية غير موثوقة، والتغير المناخي أدّى بالفعل إلى كوارث متكررة ناجمة عن الطقس. بالإضافة إلى ذلك، لم تعد تلبية احتياجات المجتمع تقتصر على حماية سمعة الشركات وإعطائها ما يشبه الترخيص لعملها، بل أصبحت من أساسيات أداء الشركة وميزتها التنافسية في المستقبل. ولذلك فإن الشركات التي تخلق قيمة للمجتمع تخلق قيمة كذلك للمساهمين، وهو نفع للطرفين نسمّيه “خلق القيمة المشتركة”.

على الرغم من تزايد الاهتمام بهذه الفرص لم يتوصل إلى كيفية الاستفادة منها بطريقة مجدية سوى عدد قليل من الشركات. ويتمثل أحد الأسباب في أن مقاربة المسؤولين التنفيذيين الذين يعرفون كيف يديرون منظومة الشركات التي تتألف من مورّدين وموزعين وشركات ذات صلة، لا تنجح في المنظومة الاجتماعية التي تتألف من حكومة وجمعيات غير حكومية ومجتمع محلي، وهي كيانات لا سلطة للشركات عليها إلا قليلاً.

تخبرنا الدراسات التي أجريناها على عشرات الأمثلة من الشركات التي تحقق نجاحات اقتصادية وأثراً اجتماعياً، أنّه ينبغي للتعاون أن يحصل على مستوى محلي، حيث يجب جمع جميع الفاعلين ذوي الصلة في مجالات الأعمال والحكومة والمجتمع المدني معاً من أجل إحداث تغيير منهجي. يتطلب جمع كل هؤلاء للعمل سوياً على نحو فعال مقاربة محددة، سبق أن أوضحناها في هذه المقالة المنشورة على هارفارد بزنس ريفيو، وهي تتطلب عملاً أكثر وانبهاراً أقل بالانضمام إلى شراكة عالمية غير أنّها تحقق نتائج اجتماعية واقتصادية ملموسة.

مهما كان مدى انتشار المشكلة عالمياً، تتركز الفرص والنتائج الاقتصادية لأي شركة في مناطق وأسواق محددة. ومن الأمثلة على ذلك، الطريقة التي تعمل فيها شركة “نوفو نورديسك” (Novo Nordisk) الرائدة في توفير مادة الأنسولين على محاربة مرض السكري. أدركت هذه الشركة أنّ تحقيق أثر اجتماعي عالمي – يفيد الشركة ومساهميها بالفعل – يعني تركيز جهودها في مناطق محددة، حيث تكون قدرة الشركة على توفير الأنسولين مقيدة بنظام رعاية صحية مختل وظيفياً.

على سبيل المثال، عندما دخلت الشركة السوق الأندونيسية في عام 2003، انخفضت مبيعاتها بسبب ضعف البنية التحتية للرعاية الصحية وعدم كفاية التدريب المخصص لمقدمي الرعاية بالإضافة إلى قلة وعي المرضى بهذا المرض. على مدى عقد من الزمن، كانت معدلات الإصابة بمرض السكري تكبر، ولكنّ أقل من نصف مرضى السكري في أندونيسيا الذين يبلغ عددهم نحو 8 ملايين شخص تقريباً لم يتلقوا أي علاج، ولم يلتزم منهم بالحمية المناسبة ويحقق أهداف العلاج المنشودة سوى أقل من 1%. يمكن أن يؤدي تحسين تشخيص الإصابة بالمرض والتزام المرضى بالنظام العلاجي إلى زيادة حجم سوق الأنسولين بأربعة أضعاف بحلول عام 2020، ما يوفر 4.6 ملايين سنة حياة ويقلل من تكاليف الرعاية الصحية التي تنفقها الحكومة بمقدار 5.8 مليارات دولار، ويزيد الناتج الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى 2.14 تريليون دولار، ومع ذلك لم تحرز الحكومة أو مؤسسات القطاع الاجتماعي أو التحالفات العالمية إلا بعض التقدم.

توقعت “نوفو نورديسك” أنها قد تستفيد من نصف الزيادة في السوق وقدّرت بأن المبيعات المحتملة تبرر إجراء استثمار بمئات ملايين الدولارات لإطلاق شراكة إقليمية بين القطاعين العام والخاص. عملت القيادة المحلية للشركة وقسم التمويل المرتبط بها، بالشراكة مع وزارة الصحة الأندونيسية و”الجمعية الأندونيسية للغدد الصماء” و”الرابطة الأندونيسية لمرضى السكري”، على تحفيز مستوى جديد من المشاركة والمواءمة بين القطاعات، ما نتج عنه تحسّن في رعاية المرضى وتوعيتهم. كما تحسنت مستويات التشخيص بنسبة 10%، ما أدى إلى نمو مبيعات الشركة وكذلك تحسين صحة عشرات آلاف الأندونيسيين.

من الأمثلة الأخرى، شركة “هيومانا” (Humana) الأميركية للتأمين التي وفرت خدمات التأمين لثلث سكان مدينة سان أنطونيو في تكساس. كان معدلات السكري والسمنة وأمراض القلب المرتفعة تزيد من تكاليف الرعاية الصحية، فعمل الفريق المحلي في الشركة على جمع مزوّدي الرعاية الصحية والهيئات الحكومية والمؤسسات المجتمعية وغيرهم من أصحاب العمل الرئيسيين من أجل تحسين المحددات الاجتماعية للصحة، مثل التمارين الرياضية والنظام الغذائي والعزلة الاجتماعية. وخلال خمس سنوات، أفضت هذه الجهود التعاونية إلى خفض عدد الأيام المضرة بالصحة في الشهر إلى 10%، ما وفر على “هيومانا” عشرات ملايين الدولارات سنوياً.

أظهر بحث شمل قطاعات وبلدان مختلفة لاستكشاف التحديات العالمية في مجالات الرعاية الصحية وإعادة التدوير والحد من الفقر وتحسين الإنتاجية الزراعية والحد من انبعاثات الكربون، أن الشركات التي تعتمد مقاربة تشبه تلك التي اعتمدتها “نوفو نورديسك” يمكنها أيضاً أن تقود التقدم المجتمعي بنجاح بما يؤدي إلى تقديم تحسّن في الأداء الاقتصادي للمساهمين. ولكن ذلك يتطلب العمل على مستوى محلي مع الشركاء المعنيين الذين يمكنهم تنظيم التغيير بحسب الظروف الفريدة لمنطقة معينة.

تتمثل الخطوة الأولى في تحديد مناطق معينة، حيث تؤثر الظروف الاجتماعية أو الظروف البيئية بشكل كبير على استراتيجية الشركة وأدائها الاقتصادي. وتتجسد الخطوة الثانية في تعيين فريق يُختار أعضاؤه من بين قيادة وحدة الأعمال المحلية لتحديد ما إذا كان الوضع مناسباً للتغيير عن طريق دراسة المناخين السياسي والاقتصادي في المنطقة. إذا بدا الأمر واعداً، يمكن للفريق أن يحدد شركاءه من بين الشركات المحلية والمنظمات غير الحكومية والحكومة ويعمل معهم لوضع مخطط عمل تعاوني للتغيير، بحيث يوضح المخطط الدور المناسب لكل لاعب في المعادلة. أما الخطوة الأخيرة فتقوم على إنشاء هيكلي الحوكمة والتوظيف وتمويلهما من أجل دفع التغيير في المنظومة، وهما هيكلان ضروريان لتوجيه التقدم وتوجيهه ومراقبته واستخلاص العبر من إطار الأثر الجماعي.

ستجد الشركات التي تتبع هذه الخطوات أنّها تخلق القيمة لمساهميها وأنّها ستصبح كذلك من القادة المحترمين للتقدم الاجتماعي. كما قد ترغب أيضاً في الانضمام إلى شراكة عالمية في مؤتمر دافوس وهي تعلم أنّ الحلول الفعلية تتطلب تدخلات هادفة أكثر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .