هل يجب على الخريجين الجدد قبول أي وظيفة أم انتظار الوظيفة المناسبة؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لويزا كلوب فتاة حديثة التخرج، في السادسة والعشرين من عمرها، حاصلة على درجة الماجستير في إدارة الأزياء والمبيعات. هي فتاة ذكية وموهوبة ومتحمسة لحياتها المهنية الجديدة، شأنها شأن الكثير من أقرانها، لكنها عاطلة عن العمل وتشعر بالضياع من بحثها المطول عن فرصة عمل منذ خمسة أشهر.

جاءتني لويزا طلباً للمشورة، وقصت عليّ حكايتها منذ التحاقها ببرنامج الدراسات العليا، وكل تركيزها كان منصباً على أن تصبح وكيل مشتريات لأحد متاجر بيع الأزياء في ألمانيا، ولكن بعد أشهر من البحث عن وظيفة، اتصلت بي لتخبرني أنها قد استنفدت كل خياراتها. كانت قد تقدمت لكل وظائف “وكيل المشتريات” المعلن عنها في ألمانيا، وبعد ملء أكثر من 25 طلباً وإجراء أربع مقابلات توظيف دون نتيجة تُذكر، أقرت لويزا الآن أنها بلا خيارات.

لكن هل هذا صحيح؟ هل يجب أن تتخلى عن حلمها في اقتحام صناعة الأزياء لمجرد أنها لم تتمكن من الحصول على الوظيفة “المناسبة” في الوقت الحالي؟ كلا.

نحن نسدي الخريجين الجدد الكثير من النصائح حسنة النية، مثل اتبع أحلامك! اكتشف شغفك! افعل ما تحب! اترك بصمتك في العالم! وبالمناسبة، عليك كسب المال في أثناء القيام بذلك.

بيد أن مثل هذه النصائح مضللة، فالشغف، والحب، والأحلام، والبصمة ما هي إلا مصطلحات مُسكرة للباحثين عن فرص عمل اعتماداً على أنفسهم للمرة الأولى، وغالباً ما تُثقل كاهلهم تلال من الديون التي تستوجب السداد.

وفي حين أن أحداً لا يريد أن يحطم أحلام أي شخص، فهناك الكثير من الأدلة على أن “اتباع شغفك” غالباً ما تكون نصيحة سيئة، أو أن “البحث عن عمل تحبه” هو حلم بعيد المنال لغالبيتنا العظمى.

بالنسبة لأشخاص مثل لويزا، قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كان ينبغي عليهم فقط قبول أي وظيفة أو انتظار الوظيفة المناسبة. ولكن ربما لا يكون الحل هذا أو ذاك، فبدلاً من البحث عن وظيفة الأحلام، اسأل نفسك: ما الذي يمكنني فعله على المدى القريب بحيث يساعدني بمرور الوقت على العثور على وظيفة أجيدها وأحبها وأشعر حيالها بالحماس؟

يجب أن نكون واقعيين، ونقر بأن معرفة ما تريد القيام به بالضبط وأنت في أوائل العشرينيات من العمر أمر غير ممكن دائماً. وقلما ألتقي شخصاً كان يعرف ما يريده بالضبط بعد التخرج، وما زال يعمل في المجال نفسه بعد 10 أو 20 أو 30 عاماً من تخرجه. وقد انتقلت شخصياً من العمل في “هيئة السلام” (Peace Corps) إلى العمل في شركة “غولدمان ساكس”، ثم إلى وكالة حماية البيئة الأميركية، ثم إلى إكسون موبيل، وها أنا اليوم رائد أعمال وخبير في التواصل، وهو مجال لم أكن لأتصور نفسي أعمل به وأنا في الثانية والعشرين.

لقد حان الوقت لإعادة صياغة المناقشات مع الخريجين الجدد، فبدلاً من خفض توقعاتك أو التخلي عن أحلامك، وسّع آفاقك، وهوّن علي نفسك، واعلم أن هناك قيمة مضافة ودروساً مستفادة من أي وظيفة تقريباً.

قيِّم الفرص المتاحة، على أساس ما إذا كانت فرصاً “مناسبة” أو “مثالية” لأهدافك طويلة الأجل، بل على أساس ما إذا كنت ستكتسب منها الآن شيئاً يفيدك في المستقبل. لك أن تفكر في ثلاثة معايير على وجه التحديد: هل ستوفر لك الوظيفة التي تفكر فيها الخبرة أو المصداقية أو الدخل؟

الخبرة

من المغري أن توجّه كل تركيزك على “أفضل” الوظائف أو الشركات، وإن كان بمقدورك في بعض الأحيان تعلم الكثير من توليك منصباً في أي شركة. اسأل نفسك: ما الذي تتمنى أن تتعلمه؟ ما المهارات التي تتطلع إلى اكتسابها؟ فإذا كنت ترغب مثلاً في صقل مهاراتك في الكتابة، فلا يشترط أن تعمل لصالح شركة إعلامية مرموقة على المستوى الوطني أو إحدى كبرى شركات التسويق الرقمي، بل يمكنك التفكير في مناصب إدارة عمليات التواصل داخل الاتحادات التجارية أو في منظمة غير ربحية، أو قبول وظيفة الكتابة بمجلة رقمية أقل شهرة.

لا تصب كل تركيزك على المنصب الذي تريده وتتمناه، بل فكر بدلاً من ذلك في المهارات التي ستحتاج إليها لشغل هذه الوظائف في النهاية. فإذا كنت تحلم مثلاً في صنع اسم مرموق بمجال الإعلان، فعليك أن تفكر في وظائف كتابة الإعلانات أو مدير حسابات المستخدم في مجال إبداعي – ولكن لا تقتصر في بحثك على الوكالات الشهيرة. إذا كنت تبحث عن الخبرة، فإن اسم العلامة التجارية الموجود على الباب غير ذي أهمية مقارنة بالعمل الذي ستؤديه يومياً.

وبالمثل، إذا كنت ترغب في إدارة شركتك الخاصة يوماً ما، ففكر في التدريب في شركة ناشئة، لأن اعتبارك شخصاً متعدد المواهب وتعرف ما يتطلبه الأمر لتأسيس مشروع مستقل من الصفر أهم من وجاهة المؤسسين أو ما إذا كانت الشركة ستصل بالفعل إلى جولة التمويل التالية.

المصداقية

الوجاهة مهمة بكل تأكيد في قطاعات معينة، مثل قطاع الأزياء الفاخرة أو المنتجات الاستهلاكية أو الخدمات المصرفية، فلقد ظلت شركة بروكتر آند غامبل، على سبيل المثال، اسماً من ذهب في عالم المنتجات الاستهلاكية، وبالتالي فإن وضع قدمك بها، والعمل في أي منصب كان، يعد مكسباً كبيراً لأي شخص يتطلع إلى احتلال مكانة مرموقة في عالم التسويق أو إدارة العلامات التجارية.

أرادت لويزا أن تكون وكيلة مشتريات، وكيلة مشتريات فقط، إلى أن أدركت أن الالتحاق بالعمل في أي شركة معروفة في مجال البيع بالتجزئة أو المنتجات الاستهلاكية يمكن أن يكون ضربة حظها. فما كان منها إلا أن وسّعت في النهاية نطاق البحث الوظيفي ليشمل مناصب التسويق وإدارة العلامات التجارية مع كبرى العلامات التجارية في ألمانيا ومختلف دول أوروبا. كما وسَّعت نطاق بحثها ليشمل شركات الأغذية المعلبة. ولم تلبث أن اتصلت بي بعدها بفترة وجيزة لتخبرني بكل حماس بأنها وجدت أكثر من خمسين فرصة عمل.

يمكنك البحث عن وظيفة لدى شركة موثوقة غنية عن التعريف، كشركة ديلويت أو دروب بوكس أو دلتا إيرلاينز إذا كنت تريد المصداقية. وإنني لعلى يقين أن وجود شركة غولدمان ساكس في سيرتي الذاتية في بداية مشواري المهني قد فتح لي العديد من الأبواب لاحقاً.

الدخل

لا تستهن بأهمية الراتب، فكل من أعرفهم تقريباً قد عمل في مرحلة ما من حياته نادلاً في المقاهي أو محلات التجزئة، أو حصل على تدريب مهني بأجر متدنٍ. لا تدخر وسعاً في تأمين دخل معقول في أثناء بحثك عن الوظيفة “المناسبة”. عندما تقدمت بطلب الالتحاق بالعمل في وكالة حماية البيئة منذ سنوات، رأوا أنني مرشح رائع، ولكن التعيينات كانت موقوفة هناك، وقد يستغرق الأمر من 6 إلى 12 شهراً لإدخالي على نظام التوظيف. وظنوا أنني سأتراجع بأدب، ولكن بدلاً من ذلك حزمت حقيبتي، وانتقلت إلى واشنطن العاصمة، وأقمت مع صديق لي، وعملت في وظيفة مؤقتة في بنك التنمية للبلدان الأميركية (IADB). وعندما جاءتني وظيفة وكالة حماية البيئة، شعرت بسعادة غامرة، لأنني قفزت هذه القفزة.

ستكون حياتك المهنية في الغالب عبارة عن سلسلة من التحولات والانعطافات والحلو والمر، ما يجعلها ممتعة وحافلة بالتحديات، ومثمرة في النهاية. يكمن سر نجاح حياتك المهنية في الأخطاء التي سترتكبها – مثل قبول أول وظيفة سيئة أو شغلك منصباً كنت تظنه منصب الأحلام، لتكتشف أنه ليس ما كنت تطمح إليه – إلى جانب الخيارات الصحيحة التي تتخذها على طول الطريق. لا تهتم بصغائر الأمور. ابحث عن الفرص التي تمنحك الخبرة أو المصداقية أو توفر لك الدخل، وكن علي يقين بأنك ستجد الوظيفة المناسبة (أو هي ستجدك) على طول الطريق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .